-A +A
هاشم داغستاني
100 عام متوقدة بشغف الرياضة، ظلت فيها أبواب استاد قلعة فورست وول في مدينة غوتنبرغ السويدية مشرّعة للمجد وحاضنة تاريخية للرياضة وشاهدةً على الحلم والجهد والتحقيق. حطم بين أسوارها العداء الأمريكي كارل لويس وقتها رقم الوثب الطويل للرجال وفاز بميدالياته العالمية الأربع، وسجل السويديان جوندر هاج وآرني اندرسون ورياضيون عالميون كثر أرقاما وإنجازات تاريخية مشرّفة على أرضها ومضمارها. بوتقة رياضية بسيطة في تصميمها، معقدة في تركيبها وامتدادها الثقافي، وعميقة في أثرها ودورها القيّم في حمل شعلة الحلم لما هو أبعد.

هذا العام، أُريدَ لهذا الصرح العتيق أن يفتح نافذة القرن للمستقبل ويصافح أبطال الرياضة الواعدين، ويمزج بين عبق الماضي ورؤية الغد. هذا العام، استضافت القلعة أحد أكبر ملتقيات ألعاب القوى في أوروبا وأكثرها تنوعا وتفردا في المشاركة والحضور، ملتقى غوتنبرغ لألعاب القوى للشباب. لقاء رياضي عالمي بامتياز يمتد لأكثر من ربع قرن، تتسع فيه الفرص وتذوب في ملاعبه الخبرات وتستشرف من خلاله الإمكانات والتوقعات. نسخة فتية من الدوري الماسي لألعاب القوى بطابع تعليمي وبيئة منفتحة للمحاولة والتحدي الصحي. أكثر من 3500 رياضي من 20 دولة يأتون كل عام ليقفوا على خطوط البداية منتظرين صافرة الانطلاق نحو المجد. كرنفال رياضي مبهج تجد في كل جنباته نبضا حيا وسباقا مثيرا وحضورا مميزا من المدارس والأندية والأكاديميات الرياضية المحلية والعالمية. هنا مسابقة للوثب العالي للفتيان لمن هم دون 12 عاما، وهناك مسابقة أخرى لرمي الرمح للفتيات لمن هن دون 17 عاما، وهناك عن قريب ثلاثة فائزين يعتلون منصات التكريم، يصفق لهم الجمهور الحاضر من الآباء والأمهات والمدربين بحرارة ودعم. كل ذلك وأكثر ينساب بإيقاع متناغم أنيق وسلاسة عجيبة دون توقف أو خلل. بعيدا عن التكلف والتعقيد وقريبا من طبيعة الرياضة في السرعة والفاعلية في التنفيذ.


القفز على المضامير العالمية والاندماج في مثل هذه التجمعات الرياضية التعليمية، شرط لازم في النمو الرياضي الاحترافي والتوسع المعرفي الثقافي للنشء. فهذه اللقاءات وفيرة باللغات والثقافات والتجارب المتنوعة والتي تجعل عقل الموهبة متقدا وتبقي رغبتها في الاكتشاف والمعرفة متأججة على الدوام. لذلك نحن في حاجة ماسة لإيجاد مساحات محلية نابضة وحراك كرنفالي مستمر كهكذا أنشطة وفعاليات، تستميل الأجيال القادمة للبطولة وتحقيق أنماط سلوكية وصحية مأمولة. فمعيار الميداليات والتحقيق ضمن هذا النطاق العمري اليافع ليس المؤشر المأمول ولا الدليل الحقيقي على التفرد والنجاح، بل ما نبحث عنه هو الاحتكاك المستمر والتنافس الصحي والتواجد الكلي الفعّال، والذي يدفع الموهبة عشرات الخطوات للأمام في مسيرتها الرياضية القادمة. لذلك وجب أن نكون جزءا من هذا الحراك النوعي ونقدم تجربة استثنائية شاملة لأبطالنا، ننقلهم فيها من التجربة المحلية الراسخة إلى فضاء تنافسي جديد شاسع، تصقل فيه مهاراتهم الفنية والثقافية بإتقان. فنحن لا نهدف لبطولة الملاعب فحسب، بل لتحقيق التميز وصناعة قائد نوعي يتجاوز خطوط النهايات لبدايات حياتية واعدة.

Hashemdagh@