-A +A
علي بن محمد الرباعي
نعرف جميعاً أن تبييض الأموال جريمة دولية منصوص عليها في أنظمة المؤسسات العدلية محلية وعالمية، وصورتها أن مبالغ مالية مصادرها محرّمة كأموال المخدرات والرشاوى ونهب المال العام تتحول إلى رساميل تعمل في السوق من خلال فندقة ومراكز تجارية ومشاريع استثمارية، وما كان أصله حراماً فما ترتب عليه له حكمه.

حرّم الإسلام الغش، وأجمع الفقهاء على بطلان بيع أو شراء مبني على التدليس، واستدلوا في كتبهم بعبارات منها «تسويد شعر المرأة» لتظهر لمن أراد الاقتران بها بأنها ما زالت شابة، أو تجميع ماء خلف سدّ وإطلاقه على الرحى لتدور بسرعة، وهذا منصوص عليه في كتب الفقه. ويثبت به «خيار التدليس» ويفسخ به العقد.


الحكم على إنسان بأنه عدل ووجيه وأن له إسهامات وطنية دون إحاطة كاملة بماهية الشخص موضع التزكية اشتراك في جريمة «تبييض أحوال» وتجميل لقبح الشخصيات المكشوفة عند البعض، فيغدو الجاهل حامل شهادات، والفاسد من أهل الصلاح والتقى والبر والإحسان!

التزكية عند الفقهاء أخطر من الشهادة. ولو جاءك من يسألك عن عريس تقدم لخطبة ابنته فقلت له «نعم الرجل» وأنت تكذب فقد خنت الله والرسول والسائل وخنت أمانتك. لأنك تسببت في تعديل من ليس أهلاً للعدالة. وكذلك الحال مع الشاهد الذي ربما شهد زوراً وأنت زكّيته فجرم المُزكّي أبشع وأفظع.

حديث (من غشنا ليس منا) تحفظه الغالبية العظمى من المسلمين إلا أن البعض لا يتورع عن الغش، من خلال إضافة ألقاب وأوصاف على أناس لهم سوابق، أو لواحق، وإذا كنت ستمدح وتعلي مقام إنسان أكلت في منزله أو بذل لك بعض المال فهذا شأن خاص بك. أما أن تسوّقه في إعلام أو مواقع تواصل بما ليس فيه، وتضفي عليه من الصفات ما يتعذر انطباقه عليه، بغرض تقديمه لجهة أو لمسؤول لكي يحسن الظن به فهذا غش وخداع ونصب واحتيال.

نص الفقهاء على أن عقوبة بعض الجرائم تشمل المتسبب والمباشر. ولذا فإن تبييض الشخصيات المشبوهة أو الملوثة في نفسها أو مالها لا يقل خطراً عن تبييض الأموال. فلماذا نتحمّل في ذممنا مدح وإطراء من نعلم يقيناً أنهم ليسوا أهلاً لذلك؟