-A +A
محمد الساعد
علينا أن نستذكر مقولتين مهمتين لزعيمين عظيمين، واجها في حرب تحرير الكويت واحدة من أكثر النزاعات تعقيدا وخطورة في التاريخ الحديث، ما فعله الملك فهد بن عبد العزيز وجورج بوش الأب يحكي ببساطة أهمية الكويت في قلب ملوك السعودية، وفرادة موقعها بالنسبة للعالم.

قال الملك فهد، بعد احتلال الكويت وإصراره على تحريرها، رغم كل العقبات والصعاب التي كان يلمسها ويراها.. ما نصه «الحياة والموت تساوت، ما عاد في كويت ولا في سعودية، في بلد واحد، يا نعيش سوى يا ننتهي سوى، يا تبقى الكويت والسعودية يا تنتهي الكويت والسعودية لا يمكن تنتهي واحدة وتبقى الثانية»، لقد ربط الملك فهد مصير بلاده بمصير الكويت، في موقف نادر لا يتكرر، فلا الملك ولا غيره كان يعرف إلى أين تؤول المعركة الدبلوماسية والعسكرية ومن سينتصر ومن سيهزم، فقد كانت أزمة مفتوحة على كل الاحتمالات، ولم يركن للحلول القريبة والسهلة.


الرئيس الأمريكي جورج بوش الأب قال أيضا وبصرامة وأمام مجموعة من الصحفيين الذين تسابقوا إلى حديقة البيت الأبيض في أعقاب الغزو لأخذ موقف منه «تحرير الكويت من الغزو العراقي أمر محتوم.. هذا ليس وعداً هذه حقيقة»، إنه التزام كبير من دولة عظمى، وهذا ما تحقق.

هذا يعيدنا إلى التفكير مليا في الموقع الإستراتيجي لإمارة الكويت ضمن إقليم الشرق الأوسط، وأهمية الحفاظ عليه من السقوط في أيدي متآمرين من داخله ومن خارجه.

لا شك أن للكويت أهمية اقتصادية كواحدة من أكبر مصدري البترول في العالم، إلا أن أهميتها «الجيو سياسية» أكبر بكثير، فهي قاعدة متقدمة على رأس الخليج تجاور إيران والعراق، ولا تبعد سوى عشرات الكيلومترات عنهما، ما يجعل منها رأس حربة في التصدي لأي أطماع إيرانية أو للميليشيات العراقية باتجاه حزام «النفط والغاز العظيم»، الممتد من الكويت حتى مسقط ويمد العالم بالنفط والغاز منذ أكثر من 100 عام، ولا زال قادرا على إحداث التوازن في سوق الطاقة العالمي، هذا الحزام بقي مطمعا لكثير من القوى العظمى والدول المتهورة على تخوم الإقليم، وعلى رأسها إيران وتركيا.

الزيارة «الإستراتيجية» التي يقوم بها الأمير محمد بن سلمان ولي العهد السعودي للكويت ليست زيارة عابرة أو مجاملة بين شيوخ الخليج لأسباب عديدة، فالعلاقة بين أئمة وملوك وأمراء آل سعود وشيوخ آل الصباح تاريخ من السياسة والمصاهرة والتحالف بين أسرتين عريقتين تمثلان بلدين عظيمين.

أولا: الكويت والسعودية واجهتا محاولات لشق الصف الوطني، وهد الدولة الوطنية من داخلها واستبدالها لصالح الخلافة الأممية، وإشاعة ما يسمى باحتجاجات الربيع العربي داخلهما، ولقد فشلت لسببين رئيسيين؛ هما استقرار الشرعية في وجدان شعوبهما، والحكمة في التعامل مع الأزمات الخارجية والمؤثرات الداخلية.

ثانيا: بناء موقف موحد مع جوار عربي وإقليمي يكاد يتداعى أو في طريقه للانهيار، فالعراق يمر بأزمة اجتماعية وسياسية وأمنية خانقة، وإيران تخوض حرب إبادة ضد شعبها المرهق والمتذمر من تعسفها وانهيار التنمية، إضافة إلى صدام وشيك مع الولايات المتحدة والدول المناهضة للإرهاب.

ثالثا: تأمين موقف سعودي كويتي إماراتي بحريني أردني مصري موحد وصلب من استحقاقات دولية وإقليمية كبرى، يبدو في الأفق أنها ستطال المنطقة خلال الأسابيع أو الأشهر القادمة، بدءا من المقاطعة الأمريكية القاسية والمرتقبة ضد إيران، وليس انتهاء بالخشونة الحاصلة في سورية بين القوى المتصارعة والتي قد تتحول لحرب قاسية سيطال ضررها الجميع.

رابعا: المساهمة في استقرار الفضاء العربي، خاصة الدول المتوجعة اقتصاديا، وهذا ما تقوم به السعودية والكويت والإمارات العربية المتحدة وعلى وجه الخصوص مع مصر والأردن والبحرين.

إذن العلاقة بين السعودية والكويت هي أكبر من منظمات ومجالس إقليمية أو عربية، ولا يمكن أن تقاس بلحظات سياسية، فالمخاطر واحدة والعمق الإستراتيجي واحد، وإذا كانت الكويت هي القاعدة المتقدمة في مشروع أمن إقليم الخليج، فالسعودية هي البوابة والسور العالي الذي تتحطم تحت أسواره كل المشاريع الخائبة.

* كاتب سعودي