لم أجد أيّ مسوغ منطقي لرئيس مركز البحوث الإسلامية في أوروبا عبدالحق التركماني، في اعتراضه على الدكتور محمّد الخشت، رئيس جامعة القاهرة، وهو يدعو إلى عودة النّاس إلى «الإسلام المنسي»، والكفّ عن الدعوة لتجديد الخطاب الديني، كونها «ستورّط العالم الإسلامي في دوامة الاجترار»، في سياق طرحه عن مواجهة التطرف ومكافحة الإرهاب في الجنادرية. حيث ذهب «التركماني» إلى رفض المصطلح، مشيرًا إلى أن «الإسلام لم يكن منسيًا ولن يكون، كونه محفوظًا بحفظ الله، ومستمرًا في وجدان الناس وممارساتهم وشعائرهم»..(عكاظ)
وما كان لـ«التركماني» أن يندفع معترضاً على المصطلح لو نظر إليه بداهة، وعفو الخاطر السليم، بوصفه واصفًا لـ«حالة» تخصّ المنتمين للدين الإسلامي، و«خطابًا» متّجهًا بالكلية إلى الملتزمين به عقيدةً ومنهاجًا، والمستنين بشعائره وهديه طوعًا وإذعانًا، فمن الثابت أنّ الدين محفوظ من عند الله، وكلّ الرسالات السماوية كذلك، وإنّما يأتي النّسيان والغفلة من معتنقيها، فتعلو بين الفينة والأخرى أصوات الحادبين منبهة «الغافلين» و«الناسين» بضرورة الرجوع إلى الله، وشرعه القويم، وفي هذا إشارة ضمنية إلى «إسلام منسي» غفل عنه النّاس في معمعة الحياة ومشاغلها الصارفة..
وكنت أتمنى على الأستاذ «التركماني» لو مضى بعيدًا وعميقًا مع طرح الدكتور «الخشت»، لما انطوى عليه من ثغرات حريّة بأن توضع في ميزان التفنيد والنظر المتأمل، بدلاً عن معاظلة هذا المصطلح الملتبس. فقوله بأنّ «الدعوة لتجديد الخطاب الديني ستورّط العالم الإسلامي في دوامة اجترار الأفكار»، وحلُّ ذلك يكمن في «العودة إلى الإسلام المنسي»، ينطوي على إحالة غير منضبطة، وتوصيف عام يزيد الوضع تعقيدًا، من حيث أراد له الحلّ، بل إن الدكتور «الخشت» عمّق من هذا التعقيد واللبس بتعقيبه على اعتراض «التركماني»، حيث أوضح «أنّ ما قصده بالإسلام المنسي؛ القرآن والسنة، باعتبارهما مصدر تشريع، مؤكدًا أنّ المصطلح متناغم مع اعتماد المسلمين على فهوم الرجال وتجاهلهم للقرآن والحديث النبوي الصحيح».. إن مثل هذا الحديث يحتشد بمغالطات كثيرة، كان خليقًا بالدكتور «الخشت» أن لا يقع فيها، ومن ذلك الإشارة إلى «اعتماد المسلمين على فهوم الرجال وتجاهلهم للقرآن والحديث النبوي الصحيح»، فلو تتبعنا عبارة «فهوم الرجال» مع النظر الواسع في واقع حال المسلمين لخلصنا إلى أنّها تفضي إلى المذاهب والطوائف والفرق العديدة، وما يتبعها من مشايعة جماعة من الناس لرؤية أحد الأئمة أو «الرجال»، ومن نافلة القول إنّ هذه المذاهب والطوائف والفرق محصلة رؤى وفهوم ونظر وإعمال فكر في النص القرآني والحديث النبوي على درجاته المختلفة، وليست تجاهلاً لهما، كما يدّعي الدكتور الفاضل، وهو أمر قديم قدم هذه الرسالة الخالدة نفسها.
ولو استرجع الدكتور حادثة أمر النبي صلّى الله عليه وسلّم لصحابته بأن (لا يصلين العصر أحد إلا في بني قريضة) وتفاوت موقف الصحابة في تقدير هذا الأمر وإقرار النبي لفعل كل مجتهد منهم لأدرك أن الدعوة إلى «الإسلام المنسي» المنظور في القرآن الكريم والأحاديث الصحيحة حسب رؤيته، لن تنهي تفاوت النظر، ولن تحمل الناس على فهم واحد غير قابل للتأويل أو الاختلاف، ولا ينبغي لها ذلك، وليست هي غاية الإسلام بخلود رسالته، وعمومها للناس كافة، فهذا الخلود والشمول للرسالة المحمدية يقتضي أن تكون الرسالة منفتحة، وقادرة على استيعاب متغيرات الحياة في تقلّب أطوارها، منسجمة مع تقلباتها المستمرة، معطية المنتمين للإسلام طاقة الوعي بالقراءة لنصوصه وفق قدراتهم، وحسب حالاتهم.
وعلى هذا فإن إلماحة الدكتور «الخشت» لتجاوز فكرة الدعوة إلى تجديد الخطاب الديني على اعتبار أنها «ستورط العالم الإسلامي في دوامة الاجترار»، تعطيل لطاقة التفكير، وسباحة عكس التيار، ومصادرة لحق الاختلاف الطبيعي في حواصل العقول، فهذا التجديد الذي يخشى «الخشت» على الأمة منه، عين ما هي مأمورة به، ولا ضير من اختلافها في نواتجه، فهذا مناط «الرحمة» في الرسالة، وموطن «التكليف» إحقاقًا لديمومتها وقدرتها على عبور الأزمة بطاقة التجديد المستمر المستوعب للمتغيرات مع بقاء الثوابت المرعية والمعروفة، ولن يكون ذلك ممكنًا إلا إذا وعينا جميعًا أن هذه الرسالة إنما هي للناس كافة، بما يتطلب وعيًا «عولميًا» لها، وأدوات عابرة للمسافات، ومساحات في النظر تتجاوز وسائل المصادرة والتخوين واحتكار الفهم، وأن نكفّ عن الخشية على الإسلام بوصفه يتعرّض لخطر داهم، لمجرد أن أحدهم قال قولاً لا يتسق مع ثوابته.
فهذه الرسالة لا تزال مشرقة منذ أن صدح بها سيد الخلق أجمعين ماضية بوعدها الحق المبين وأنها رسالة للإنسانية جمعاء، بما يعني أنها تحمل في طيّاتها «جينات» البقاء والخلود وقدرة استيعاب كل شعوب الأرض، بما يستوجب علينا أن نكون على قدر هذا التحدّي في حمل الرسالة، مع يقين بأنّ صلاحها لكل زمان ومكان قرين بقدرتنا على استيعاب نصوصها على نحو مواكب، وليس الخوف من مجرد التفكير في خطاب جديد لإيصال الفكرة الخالدة للناس أجمعين.
* باحث سعودي
وما كان لـ«التركماني» أن يندفع معترضاً على المصطلح لو نظر إليه بداهة، وعفو الخاطر السليم، بوصفه واصفًا لـ«حالة» تخصّ المنتمين للدين الإسلامي، و«خطابًا» متّجهًا بالكلية إلى الملتزمين به عقيدةً ومنهاجًا، والمستنين بشعائره وهديه طوعًا وإذعانًا، فمن الثابت أنّ الدين محفوظ من عند الله، وكلّ الرسالات السماوية كذلك، وإنّما يأتي النّسيان والغفلة من معتنقيها، فتعلو بين الفينة والأخرى أصوات الحادبين منبهة «الغافلين» و«الناسين» بضرورة الرجوع إلى الله، وشرعه القويم، وفي هذا إشارة ضمنية إلى «إسلام منسي» غفل عنه النّاس في معمعة الحياة ومشاغلها الصارفة..
وكنت أتمنى على الأستاذ «التركماني» لو مضى بعيدًا وعميقًا مع طرح الدكتور «الخشت»، لما انطوى عليه من ثغرات حريّة بأن توضع في ميزان التفنيد والنظر المتأمل، بدلاً عن معاظلة هذا المصطلح الملتبس. فقوله بأنّ «الدعوة لتجديد الخطاب الديني ستورّط العالم الإسلامي في دوامة اجترار الأفكار»، وحلُّ ذلك يكمن في «العودة إلى الإسلام المنسي»، ينطوي على إحالة غير منضبطة، وتوصيف عام يزيد الوضع تعقيدًا، من حيث أراد له الحلّ، بل إن الدكتور «الخشت» عمّق من هذا التعقيد واللبس بتعقيبه على اعتراض «التركماني»، حيث أوضح «أنّ ما قصده بالإسلام المنسي؛ القرآن والسنة، باعتبارهما مصدر تشريع، مؤكدًا أنّ المصطلح متناغم مع اعتماد المسلمين على فهوم الرجال وتجاهلهم للقرآن والحديث النبوي الصحيح».. إن مثل هذا الحديث يحتشد بمغالطات كثيرة، كان خليقًا بالدكتور «الخشت» أن لا يقع فيها، ومن ذلك الإشارة إلى «اعتماد المسلمين على فهوم الرجال وتجاهلهم للقرآن والحديث النبوي الصحيح»، فلو تتبعنا عبارة «فهوم الرجال» مع النظر الواسع في واقع حال المسلمين لخلصنا إلى أنّها تفضي إلى المذاهب والطوائف والفرق العديدة، وما يتبعها من مشايعة جماعة من الناس لرؤية أحد الأئمة أو «الرجال»، ومن نافلة القول إنّ هذه المذاهب والطوائف والفرق محصلة رؤى وفهوم ونظر وإعمال فكر في النص القرآني والحديث النبوي على درجاته المختلفة، وليست تجاهلاً لهما، كما يدّعي الدكتور الفاضل، وهو أمر قديم قدم هذه الرسالة الخالدة نفسها.
ولو استرجع الدكتور حادثة أمر النبي صلّى الله عليه وسلّم لصحابته بأن (لا يصلين العصر أحد إلا في بني قريضة) وتفاوت موقف الصحابة في تقدير هذا الأمر وإقرار النبي لفعل كل مجتهد منهم لأدرك أن الدعوة إلى «الإسلام المنسي» المنظور في القرآن الكريم والأحاديث الصحيحة حسب رؤيته، لن تنهي تفاوت النظر، ولن تحمل الناس على فهم واحد غير قابل للتأويل أو الاختلاف، ولا ينبغي لها ذلك، وليست هي غاية الإسلام بخلود رسالته، وعمومها للناس كافة، فهذا الخلود والشمول للرسالة المحمدية يقتضي أن تكون الرسالة منفتحة، وقادرة على استيعاب متغيرات الحياة في تقلّب أطوارها، منسجمة مع تقلباتها المستمرة، معطية المنتمين للإسلام طاقة الوعي بالقراءة لنصوصه وفق قدراتهم، وحسب حالاتهم.
وعلى هذا فإن إلماحة الدكتور «الخشت» لتجاوز فكرة الدعوة إلى تجديد الخطاب الديني على اعتبار أنها «ستورط العالم الإسلامي في دوامة الاجترار»، تعطيل لطاقة التفكير، وسباحة عكس التيار، ومصادرة لحق الاختلاف الطبيعي في حواصل العقول، فهذا التجديد الذي يخشى «الخشت» على الأمة منه، عين ما هي مأمورة به، ولا ضير من اختلافها في نواتجه، فهذا مناط «الرحمة» في الرسالة، وموطن «التكليف» إحقاقًا لديمومتها وقدرتها على عبور الأزمة بطاقة التجديد المستمر المستوعب للمتغيرات مع بقاء الثوابت المرعية والمعروفة، ولن يكون ذلك ممكنًا إلا إذا وعينا جميعًا أن هذه الرسالة إنما هي للناس كافة، بما يتطلب وعيًا «عولميًا» لها، وأدوات عابرة للمسافات، ومساحات في النظر تتجاوز وسائل المصادرة والتخوين واحتكار الفهم، وأن نكفّ عن الخشية على الإسلام بوصفه يتعرّض لخطر داهم، لمجرد أن أحدهم قال قولاً لا يتسق مع ثوابته.
فهذه الرسالة لا تزال مشرقة منذ أن صدح بها سيد الخلق أجمعين ماضية بوعدها الحق المبين وأنها رسالة للإنسانية جمعاء، بما يعني أنها تحمل في طيّاتها «جينات» البقاء والخلود وقدرة استيعاب كل شعوب الأرض، بما يستوجب علينا أن نكون على قدر هذا التحدّي في حمل الرسالة، مع يقين بأنّ صلاحها لكل زمان ومكان قرين بقدرتنا على استيعاب نصوصها على نحو مواكب، وليس الخوف من مجرد التفكير في خطاب جديد لإيصال الفكرة الخالدة للناس أجمعين.
* باحث سعودي