-A +A
عبده خال
في مواقع التواصل الاجتماعي يحظى عشرات الشباب بملايين المتابعين، بينما يكون منتج ما يبثه هذا الشاب (المتابَع) ثقافة هزيلة لا تبتعد عن السقم أو الخواء الفكري، وإذا كان الشاب بهذا أفرغ من الفراغ، فماذا عن متابعيه؟

هذه الظاهرة يمكن البحث عن أسبابها وتسيدها في مواقع التواصل... وربما تصيبنا حالة من الاستنكار فنرفع سؤالنا بمرارة:


- هل نحن نعيش الآن في الزمن المقلوب؟

أيضا هذا السؤال غير وارد البتة، فقط محاولة الوقوف على ما يحدث وما ينتج من فكر، وأذكر أنني كتبت مقالا بهذا الخصوص عما يبث في هذه المواقع مقارنة بما يبث في العالم الغربي، مظهرا الفوارق بين التفاهات هنا وهناك.

وإذا أردنا تمحيص معطيات هذا الزمن وفق آليات الزمن السابق له فسوف تكون الإجابة بالإيجاب، فمعطيات الوقت الراهن تؤكد أننا في زمن طوى سجله القديم، واستهل الألفية الثالثة بمعارف انقلبت على كل ما سبقها وبدأ الألف الثالث على تأسيس عالم جديد.

فمن خلال العقد الأول أوقفنا العالم أحمد زويل على زمن جديد (الفيمتو ثانية) وعندما يتواجد زمن بهذه الدقة والسرعة لابد وأن يصاحبه فضاء مكاني يتناسب مع تلك السرعة الجديدة.

ولأن مقاييس الزمن تناهت في الصغر، واكبها إنجاز وإعجاز علمي أدخل البشرية إلى فضاء مكاني جديد، ولأن بعض الأحلام تجسدت على الواقع غدا العلماء يمدون أيديهم لالتقاط أي حلم لكي يكون واقعا.. هذه هي حمولات المعرفة التي أنتجت كل الوسائل القيمة، ولونت حياتنا وجعلت الأشياء تبدو أكثر رفاهية.

ولأن المسافة لم تعد بعيدة بين الواقع والحلم أنتجت تلك المعرفة عالما افتراضيا يمارس فيه صائدو الأحلام لعبة الصيد، وأثناء الانتظار يتلهون في ذلك العالم الافتراضي عل أحدهم يشير إلى طيور الأحلام فيسددون رماحهم لصيد معرفي جديد..

وأدوات التواصل الاجتماعي هي نتاج ثقافة معرفية أوجدتها لكي تكون ملعبا لمزاولة التنشيط في مستويات متعددة من مناشط الحياة لأبنائها وعندما يستخدم أي فرد لا ينتمي إلى الثقافة المنتجة لن يفهم آلياتها وأغراضها.

هذه الحقيقة لم يستوعبها رواد التواصل الاجتماعي في العالم العربي؛ لذلك كانت حساباتهم الشخصية تحمل الفراغ الثقافي لماهية المنتج، فكانت حسابات التواصل الاجتماعي العربية فارغة الدلالة والمعنى، ولأن المحيط المكاني يحمل أناسا من نفس النسيج تكون لفظة تفاهة هي الأقرب للتوصيف.

ولو كنا منصفين لن نستطيع إطلاق تلك اللفظة المحقرة لمن يرتاد مواقع التواصل الاجتماعي كون المرتادين لا ينتمون إلى الثقافة المنتجة ولا يعرفون الهدف من وجود وسائل تواصل، ولأنهم جهلة بماهيتها فهم يمارسون الحياة في الواقع الافتراضي على نفس النهج المفرغ من أي إنجاز في واقعهم الحياتي.

وربما يقول قائل إن أبناء تلك الثقافة المنتجة يمارسون نفس التفاهة بتقديم نجوم ليس لهم أي منجز واقعي ويتراكض حولهم ملايين المتابعين، وهنا لابد أن نفرق أن المعرفة المنتجة تقدم لأبنائها مساحات من اللهو، بينما الثقافة الفقيرة تستخدم نفس ملعب اللهو ليكون الواقعان: الافتراضي والحقيقي للعب واللهو...أي الثقافة الفقيرة التي لا تنتج، فيصبح الزمن ضائعا وتتحول كل دقائقه إلى لهو..

هذه هي الفوارق بين أن تكون تافها في مجتمع منتج، وبين أن تكون تافها في ثقافة فارغة لا تقدم لك إلا مساحات واسعة لممارسة اللهو البليد، والصفتان الأولى والثانية تكشفان مدى تفاوت التفاهة بين مجتمع ومجتمع.