يعد الأمير الشاعر عبدالله الفيصل من رواد الشعر العربي المعاصر حيث امتزجت لغته بعمق الدلالة وشفافية اللغة ما أوصلها الى الذائقة العربية وساعد على ذلك انتشار قصائده من خلال عمالقة الغناء العربي امثال السيدة ام كلثوم التي غنت له «من اجل عينيك عشقت الهوى» و«ثورة الشك» كذلك غنى من كلماته العندليب الاسمر عبدالحليم حافظ قصائد عدة منها «سمراء يا حلم الطفولة» و«يا مالكاً قلبي». وهنا نستعيد نشر هذه القصيدة من ديوان «وحي الحرمان وحديث قلب» بعنوان: «الى الله» اتسمت بالمناجاة والايمان بلغة شعرية ذات فيها القلب واتسعت في فضاءاتها دلالات الاعتراف بضعف الانسان والدعوة الى طلب الغفران.
إلهي يا رباً عبدتُك طاعةً
وتقوى وإيماناً بأنك تُعبدُ
إليك فؤادي خاشعاً وجوارحي
إذا سِرْتُ أو وقّفتُ أو أتهجدُ
وما دمعتْ عيناي إلا توسلاً
وشكراً لنعماك التي لا تحدّدُ
وجودي.. وما يحوي الوجود بأسره
رذاذُ عطاياك التي ليس تنفدُ
وهبت لنا الدنيا وذلّلتها لنا
فلان لنا صخرٌ وأخصبَ فدْفدُ
وأطلقتنا شكلاً وعزماً ومنطقاً
على خير ما نهوى ونرضى وننشدُ
وميّزتَنا بالعقل حتى نرى بهِ
صراطاً قويماً حيث نهنا ونسعدُ
وقلت لنا: سيروا عليه فضلّلت
بصائرنا الأهواء للعقل تُفسِدُ
وهِمنا على درب الغوايات حُوّماً
فما قصُرت باعٌ ولا أحْجمت يدُ
ظمئنا ولم تشبع ظمانا جهالةٌ
وتِهنا عن العقل الذي فيه نرشُدُ
وهامت رؤانا في متاهات غيّنا
كأن لنا يوماً وليس لنا غدُ
فمِنّا أُناسٌ قد عصوك جهالةً
ومِنّا من استهوى خطاهم تمرُّدُ
وقد هجر الإيمان بعضٌ أضلّهم
زبانية الشيطان عمداً فألحدوا
ولولا نفوس منهمو قد تمسّكت
بهديك تستجدي رضاك وتعبدُ
تسبّح باسم الله في الصبح والمسا
ونحوك يعلو حسّها حين تسجدُ
لما ظلّ في الدنيا من الخير بارق
ولا طاب للأخيار في العيش موردُ
***
إلهيَ ما يوماً عصيتُكَ مرةً
وكنت بعصياني إلى العمد أقصدُ
وما شدّني للذنب شرك بمبدعٍ
يخرّ له نجم ويسجد فرقدُ
وما كنت مغروراً بعزمي وقوتي
ولا غرّني جاه ومالٌ وسؤددُ
ولكنه ضعفي أمام غرائزي
وبهرجُ دنيا خالبٌ ومُسهّدُ
فما أنا إلا واحدٌ من بني الورى
نعيش ظماء والأمانيّ شُرّدُ
إلى أن نرى في الشيب بدء نهايةٍ
لِما كان يُغوي عقلنا ويبدّدُ
فنلجأ للباري نفوساً هلوعةً
ونطرقُ من أبوابه ليس تُوصدُ
***
إلهيَ بعد الذنب جئتك راجياً
حَنانكَ يا من تُستعان وتُقصدُ
وأسألك الغفران رفقاً بأضلع
من الخوف نارُ الذعر فيها توقّدُ
دعوتُك يا ربي لتغفر زلّتي
وما أكثر الزلات حين تُعدّدُ
فما أنا معصومٌ ولا أنا قاصدٌ
تحديّك يا من طوعه الأمس والغدُ
ذنوبي وإن كانت كِثاراً فأدمعي
على توبتي عنها تنمُّ وتشهدُ