مكة المكرمة مركز العالم الإسلامي وقبلة المسلمين منها انبثقت رسالة العلم والتعليم وعلى النبي رسول الله محمد بن عبدالله عليه الصلاة والسلام هبط الأمر الإلهي (اقرأ) - سورة العلق - وتولى الخلفاء الراشدون رضي الله عنهم نشر الإسلام وعلوم الدين الإسلامي لجميع أنحاء دولة الخلافة الإسلامية وفي مكة المكرمة انطلقت أول المدارس العلمية لعلوم الدين في أروقة الحرم المقدس، وفي بداية العهد السعودي كانت أولى مدارس تحضير البعثات وأول كلية للشريعة وكلية التربية والتي تخرج مها العديد من أئمة الحرم المكي والمدني والعديد من الأئمة والعلماء في أنحاء العالم الإسلامي. ورغم كل هذه الحيثيات إلا أنه وللأسف لم تكن جامعة أم القرى الأولى أو الثانية في المملكة بل كانت الثالثة من حيث تاريخ الإنشاء، ولم تصنف جامعة أم القرى ضمن أكبر الجامعات الثلاث السعودية من حيث الحجم أو التخصصات. ورغم تنوع النسيج السكاني في مكة المكرمة إلا أنه وللأسف لم تحظ مكة المكرمة بعدد من المدارس الدولية الأهلية المتخصصة باللغات الأجنبية مما دفع بعض سكان مكة المكرمة لإرسال أبنائهم للتعلم في مدينة جدة وكذلك كان يفعل أهالي مكة المكرمة لتعليم أبنائهم في بعض التخصصات الجامعية لأن جامعة أم القرى لا يتوفر بها جميع التخصصات المطلوبة فخرج العديد من أبناء مكة المكرمة وأنا أحدهم للتعلم في جامعة الملك عبدالعزيز بجدة وذهب البعض الآخر إلى الرياض بجامعة الملك سعود وإلى الشرقية كلية البترول جامعة الملك فهد فيما بعد. حتى استكملت جامعة أم القرى مشاريعها الأكاديمية وأصبحت جامعة متكاملة التخصصات الأكاديمية ولم تشمل التخصصات الخدمية التي تحتاجها مكة المكرمة ومشاريعها الخدمية التي تخدم بها الزوار الذين وصل عددهم إلى خمسة ملايين معتمر وحاج ويتوقع أن يتضاعف العدد في السنوات القادمة. ومع تطور المشاريع في المشاعر وحول الحرم المقدس أصبحت هذه المشاريع تحتاج إلى العمالة الماهرة والمتخصصة في إدارتها وتشغيلها ومع توجه الدولة نحو السعودة وإحلال العمالة السعودية مكان العمالة الأجنبية في بعض التخصصات الخدمية تصبح الحاجة ماسة وعاجلة إلى إنشاء مؤسسات تعليمية جامعية ومهنية توجه تخصصاتها لخدمة قطاع الخدمات. وحيث إن الدولة السعودية قد أولت أكبر اهتماماتها بالحرمين الشريفين وأنفقت آلاف البلايين في توسعة الحرمين وهي الأكبر في التاريخ ولازالت تنفذ خططها التطويرية للخدمات في مكة المكرمة والمدينة المنورة، أجدها مناسبة لأن أعيد طرح مشروع الأمير خالد الفيصل أمير منطقة مكة المكرمة السابق وزير التربية والتعليم الحالي والذي لم يسعفه الوقت لتنفيذه وتركه أمانة في يد الأمير الشاب الطموح مشعل بن عبدالله أمير منطقة مكة المكرمة وهو مشروع إنشاء جامعة أهلية توجه دراستها إلى تخصصات لخدمة الحج والعمرة وهي مجالات مهمة ومطلوبة وينمو الطلب عليها ومنها خدمات السياحة وما يتفرع منها من جميع الخدمات الفندقية وخدمات الحج والخدمات اللوجيستيكية من نقل وشحن وتفريغ وخدمات البيع وتجارة التجزئة والصناعات الحرفية وصناعات احتياجات الحجاج وبالإضافة إلى الخدمات الصحية من طب وتمريض وصيدلة.
إن فكرة إنشاء جامعة أهلية متخصصة في الخدمات المرتبطة بأعمال الحج والعمرة هي فكرة لها بعد استراتيجي كبير يتماشى مع التخطيط العام لمكة المكرمة لتستوعب التطور الكبير في عدد حجاج بيت الله والمعتمرين له وتتماشى مع سياسة الدولة في سعودة الوظائف، ولو توفرت الأرض المناسبة في مدخل مكة المكرمة لكانت أكثر نجاحا لعملية التشغيل والإدارة لقربها من مدينة جدة. وأجدها مناسبة كلمات العتب لنفسي أولا ولرجال الأعمال في مكة المكرمة ولأبناء مكة من رجال الإعمال في جدة وغيرها الذين أداروا ظهورهم للمشاريع التعليمية الجامعية في مكة المكرمة وقد يكون أحد الأسباب هو غلاء سعر الأراضي وعدم توفر الأراضي الحكومية المخصصة للمشاريع التعليمة في مواقع تتوفر بها البنية التحتية والتي تشكل تكلفة إضافية عالية تؤثر على تكلفة التشغيل.
ورغم تأييدي لفكرة الجامعة الأهلية إلا أنني أتساءل عن البديل الآخر وهو إنشاء جامعة حكومية ثانية في مكة المكرمة تتخصص في خدمات الحج والعمرة وبمقارنة عدد سكان مكة المكرمة ببقية المدن الأخرى نلحظ أن بمكة المكرمة جامعة واحدة حكومية ولا توجد بها جامعة أهلية وتوجد في مدينة جدة جامعتان حكوميتان وثلاث جامعات خاصة اثنتان للطالبات وواحدة للطلاب وبها ما يزيد عن ستة كليات جامعية أهلية وفي المدينة المنورة توجد جامعتان حكوميتان وجامعة أهلية وفي العاصمة الرياض أربع جامعات حكومية أحدها جامعة للطالبات فقط وثلاث جامعات أهلية ومجموعة من الكليات الجامعية وفي المنطقة الشرقية بها جامعتان حكوميتان وجامعة أهلية وكليات جامعية. إن توجه الدولة في تطوير مكة المكرمة وتطوير الخدمات المقدمة لحجاج بيت الله والمعتمرين وسكان مكة المكرمة هو الذي يدفعنا لطرح فكرة إنشاء جامعة ثانية بمكة المكرمة سواء حكومية أو أهلية. مؤملا أن يتبنى سمو الأمير مشعل بن عبدالله أمير منطقة مكة المكرمة فكرة الأمير خالد الفيصل لإنشاء جامعة مكة المكرمة الأهلية ويحول الفكرة إلى واقع.

كاتب اقتصادي سعودي