في عالم الواتساب تجد عجبا، فهو عالم يزدحم بالنكات والإشاعات والصور المتناقضة، بعضها ظريف لطيف، وبعضها يمجه الذوق وتشمئز منه النفس، لكن أكثر ما في الواتساب بروزا نشاطه المذهل في نقل الأكاذيب، سواء في مجال الوعظ بدافع حث الناس على التقوى، أو في مجال ادعاء الفضل والمعرفة، أو التسويق للذات، أو في مجال التشغيب السياسي وبث الفتنة، أو لمجرد التلذذ باختلاق الكذبة ومتابعة تجوالها وسرعة سعة انتشارها بين الناس!!
الواتساب، وسيلة واحدة من عدد من وسائط التواصل الاجتماعي الإلكترونية التي ينطبق عليها ما ينطبق عليه من السمات، كصفحات تويتر والفيس بوك والمجلات الالكترونية وغيرها التي باتت مروجا وارفة من الكذب الملون بكل الألوان.
بعض الناس يصبون سخطهم على الوسائط الالكترونية تلك لأنها في نظرهم هي التي سهلت على الكذابين مهمتهم وساعدت على بث الإشاعات وزرع الكذبات، وبعضهم الآخر يصب سخطه على أبناء هذا الجيل الذين انشغلوا بنشر الكذب واطلاق الإشاعات ومضوا لا يجدون لهم لهوا أمتع من ذلك.
وما كان للناس أن يسخطوا !! فالكذب ليس محصورا في الوسائط الالكترونية ولا هو صفة خاصة بجيل دون غيره، لكل زمن وسائطه التواصلية الخاصة به، ولكل جيل زمرته العاشقة للكذب و(الفشر )، وفي موروثنا الثقافي هناك كتب كاملة مبنية على أكاذيب تتناقل من راو لآخر ومن جيل لغيره. وهي أكاذيب (فاخرة) عملاقة تملأ الأذن والعين لدرجة أنها تثير في نفسك الرثاء لأكاذيب هذا العصر التي بدت مقارنة بها ساذجة وقميئة لحد الإشفاق.
من أمثلة تلك الأكاذيب أن زليخا افتصدت يوما، فارتسم من دمها على الأرض (يوسف، يوسف)!!
وأن رجلا مات في الأهواز فسقط طائر على جنازته وصاح بالفارسية: إن الله قد غفر لهذا الميت ومن حضر جنازته!!
وأن الحلاج لما قطعت أطرافه كتبت في مواقع الدم (الله، الله)!! وتعليل الراوي لذلك أن الحلاج من الصوفية الذين غرقوا في حب الله، وأن الحب يتغلغل إلى حبة القلب التي هي منبع الحياة، وأن الحب «إذا اتصل بها سرى مع الحياة في جميع أجزاء البدن وأثبت في كل جزء صورة المحبوب».
وأن النجوم سنة 241هـ ماجت وتطايرت شرقا وغربا كالجراد من قبل غروب الشمس إلى الفجر. وأنه في السنة التي بعدها رجمت السويداء (ناحية من نواحي مصر) بحجارة، وزن منها حجر، فكان عشرة أرطال!!
وأن الري وجرجان وطبرستان ونيسابور وأصفهان وقم وقاشان ودامغان زلزلت في وقت واحد، وتقطعت بسببها جبال ودنا بعضها من بعض حتى سار جبل اليمن وعليه مزارع قوم فأتى مزارع آخرين!!
وأن طائرا أبيض وقع بحلب وصاح أربعين صوتا: يا أيها الناس اتقوا ربكم، ثم طار، وأتى من الغد ثم فعل ذلك، ثم ما رئي بعدها!!
وغير ذلك كثير من روايات الكذب المتناقلة، فلا تذموا أبناء هذا الجيل من (فشاري) الوسائط الإلكترونية فما هم إلا أحفاد صغار لعمالقة (الفشر) المحترفين !!.