رحت لدائرة حكوميّة.. عندي معاملة.. دخلت..كنت محتار.. ما ني عارف عند مين.. فرأيت رجّال في الممرّ فسألته.. طالع في أوراقي ثم قال لي وهو يؤشّر بيده « إذا لفّيت هالحين يمين.. ثالث مكتب على يمينك.. عند الأخ عزريويل ».. دخلت عند عزريويل.. سلمت عليه وجلست وأعطيته أوراقي.. كان يطالع فيني ويتأملني.. ثم قال لي « ودّي أسألك لو سمحت..».. قلت « تفضل».. قال « إنت درست في حائل؟.. في ثانوية الحطيئة؟» .. قلت « إيه».. فقمز من مكتبه ودار نحوي وهو يبتسم ويقول « هلا.. هلا والله.. طبعا نسيتني.. صح؟».. قلت وهو شابطني وضامّني وعاصرني « إي والله.. المعـ...».. كنت أبي أقول « المعذرة» لكن ما قدرت لأنها وافقت ضغطت قويّة انقطع فيها نفسي...
جلسنا وبدأ يذكّرني.. تذكر؟.. وتذكر؟.. وتذكر؟... بدأ يعدد أمور وأشياء.. طبعا ما رايح أذكرها لأن أهونها وأخفّها وأسهلها أننا وحنّا في ثالث ثنوي عزمنا المدير والوكيل وجميع المدرسين.. على أساس أنها عزيمة الطلاب للمدرسين والمدير والوكيل.. خرجت أنا وعزريويل في الصباح والباقين يلحقون في الظهر.. رحنا لأكبر محل يبيع مواد غذائية وفاكهة وخضروات وقلنا له إن المدير يسلّم عليك وحنّا طلاب عنده.. وهو عازم المدرسة وإدارة التعليم ويبي حاجات.. ويمرّ عليك بعدين ويحاسبك لأنه مشغول هالحين.. قال صاحب المحل وهو من أهل الديرة طبعا « يستاهل.. لو يبي المحل وراعي المحل.. خوذوا اللي تبون.. يا هلا وسهلا.. إنتم تدرسون عنده؟».. قلنا « إيه».. أخذنا من كل شيء.. وش أخذنا !.. أخذنا اللي يموّل.. يمكن.. نصف الحجّاج.. ثم رحنا لشريطي الغنم.. وقلنا له نفس الكلام.. فأخنا أربعة خرفان.. و أخذنا الحطب.. وطلعنا للبر حنّا وأصدقاء لنا في مكان آخر.. غير المكان اللي وصفناه للمدير والمدرسين.. كنا مجموعة من الطلاب.. أربعة خرفان طقطقناها.. وفصفصناها.. كـنّـا جذعان.. شباب.. ما بلغنا العشرين.. مثل الثيران..
طبعا عاقبنا المدير.. أسبوع كامل وحنّا إذا وقفنا عند باب المدرسة ندخل ونمشي على أربع.. على أيدينا وأرجلنا.. حتى ناصل مكان الطابور.. وكتبنا على ظهورنا مربوطة... يا هو عقاب !.. ويا هي شقاوة !.. ذكرني عزريويل بها.. وبأمور أخرى.. فقمنا ثاني مرّة وتشابطنا.. وتضاممنا... ولمّا جلس قال « شف ما رايح اليوم أصلّح معاملتك.. اليوم تروح تتغدى معي..».. ولمّا شافني أبي أعتذر.. قال « عليّ الطلاق إلا نتغدّى مع بعض.. أعوذ بالله.. كل هالمعاملة بركة وخير.. اللي خلّتني أشوفك عقب هالسنين.. ياه.. يا هي هالسنين تركض.. أعوذ بالله...»..
رحت من عنده.. مشيت وأنا أفكر فيه.. تغيّر.. صار نحيف.. أظن السكّر لاعبن فيه.. مو بس كذا.. شعرت إنه ما هو رفيقي وصاحبي.. إحساسي.. وراء ابتسامته عتمة.. رجعت له بعد ساعة.. وخرجنا.. قال إنه ما معه سيّارة.. فركب معي.. طوال ركوبه معي يذكّرني.. تذكر؟.. وتذكر؟.. ولمّا دخلنا أحد الأحياء الفخمة.. قال لي « وش رأيك؟.. ما نبي البيت.. نبي مطعم ممتاز.. نبي نسولف بعيدين عن العيال.. «.. وافقته.. ودخلنا مطعم ممتاز رضيناه.. جلسنا وطلبنا المأكولات.. نأكل ونتكلّم.. عند الحساب.. حلف بالله إني ما أحاسب.. « أعوذ بالله أنا اللي عازمك.. المرّة الثانية في البيت».. أدخل يده في جيبه.. وتحسس جميع جيوبه.. وظهر عليه الفزع.. قال وهو يضرب بيده على جبهته « أعوذ بالله.. وش هالفشيلة.. نسيت محفظتي.. يا ألله..».. قلت له « سهلة يا بن الحلال.. ما بيننا فرق..».. وحاسبت.. طلعنا وهو يتعوذ من الشيطان.. ويلعن الشيطان اللي نسّاه محفظته.. و أنا أطمئنه.. « عادي يا بن الحلال.. دايم تصير.. مع كل الناس تصير.. انس الموضوع يا بن الحلال... ».. أخذتنا السواليف.. رحنا إلى أحد المقاهي وشربنا قهوة.. ثم ركبنا السيارة.. قلت له « وش رايك تروح معي للبيت؟».. قال « ما أقدر يالغالي.. أم العيال رايحة لمكة مع إخوتها.. يأخذون عمرة.. والعيال ما عنده إلا الخادمة.. لكن نبي نزور بعض...».. سألته عن بيته.. فوصفه لي.. سألته من متى وهو في الرياض.. وتحدثنا عن شغله.. وعن شغلي.. وسألته عن سيارته فقال لي إنها متعطلة.. عند البيت.. لمّا وصلنا بيته قال لي « إذا ما عندك شغل خلّينا نطلع نروح للسيارة.. نشوف وش صار عليها».. قلت « أبشر».. قال « أجل انتظرني أدعي العيال يروحوا معنا.. ما أقدر أتركهم..».. دعا عياله والخادمة وركبوا.. بديت اكتشف أن عياله أشقياء شوي.. ثم تأكدت أنهم أشقياء جدا.. وقطعت الشك باليقين أنهم أشقى الإنس والجن.. أعوذ بالله.. بدأوا يصرخون علينا يبون الملاهي.. فاستحيت.. فرحنا بهم للملاهي.. الملاهي بفلوس.. وهو مازال ناسي محفظته المبروكة.. أدفع لهم أنا الحال وحدة.. وفلوسي فلوسه.. ياما.. وياما.. وياما استانسنا أنا وإيّاه.. شبعوا من اللعب.. وكانوا جائعين.. فصارخوا علينا يبون.. قلت في نفسي إن دخلنا في المحلّ انفضحنا.. في السيارة أحسن.. فأقنعتهم أن أنزل أنا وأجيب لهم اللي هم يبون.. المهم يبقون في السيارة.. جبت الأكل.. وبدأوا يأكلون.. وشوفوا عاد كثرة النواقيط.. وكيف الكتشب والمايونيز وأمور أخرى وهي تسيل وتنوقط على المراتب.. لكن النواقيط أهون.. وقفنا عند إشارة.. فسبحان الله.. كان عند الإشارة محلّ يبيع ألعاب الأطفال.. يا كبره يا جماعة.. ويا كثر أنواره.. لعنبو بليس.. هالحين يشوفونه ويبلشوننا.. ويا بطيك يا لإشارة.. كأنها ماتت على اللون الأحمر.. لكن ماش.. الشيطان شياطين.. شافوه وبدأوا يصارخون علينا.. يبون بس يشوفونه.. يضحكون علينا.. وقفنا ودخلنا.. ويالله عاد.. هاذا سيكل.. وهاذي عروس.. وهاذا بلاي ستيشن.. ادفع يا بو هايس.. الحال من بعضها.. ولا بيننا فرق.. وضعنا حاجات هالشياطين في السيارة ومشينا.. قلت « وينهي سيارتك؟».. قال « عند مخرج تمير».. مخرج تمير حوالي مئة كيلو عن الرياض.. الشكوى لله الحال من بعضها.. ولا بيننا فرق.. رحنا حتى وصلناها.. ما نسمع بعضنا من صياح العيال وصراخهم ومضاربهم وبكائهم.. وقفنا عندها.. أشّرنا لسطحة لتشيل السيارة.. شالتها ورجعنا.. حتى وصلنا للمنطقة الصناعية.. دفعت لراعي السطحة.. فالحال وحدة ولا بيننا فرق.. الساعة حوالي السادسة والنصف.. أم هايس تتصل « وينك؟».. قلت لها « أبد والله.. كنت أجري عند إستاد الملك فهد.. وفيه مباراة بين الاتحاد والهلال.. والاتحاد ناقصين لاعب فأخذوني ألعب معهم.. هالحين وأنا اكلّمك معي الكورة.. سدحت ثلاثة لاعبين من لاعبين الهلال.. أي خدمة يا أم هايس .؟».. وقطعت الخط.. اتصلت ثانية تقول « روعتني يا بوهايس.. انت صاحي؟».. قلت « إن الرقم اللي طلبتوه غير مشغول مؤقتا.. ولا تبلشوننا»...
تحدث عزريويل مع راعي الورشة.. وأخذ منه موعد.. ثم ركبنا ومشينا.. وقفنا عند مسجد لنصلي.. وياليتنا ما صلينا.. فضحونا عياله.. بدوا يركضون في المسجد ويتطاردون.. واللي يصرخ واللي يبكي واللي يتوعد.. وإذا قال الإمام « ولا الضالين « قالوا معنا وهم يركضون « آمين».. خرجنا.. فطاردناهم أنا وأبوهم.. حتى نركبهم السيارة.. فكنا نركض خلفهم داخل المسجد وخارج المسجد.. المشكلة أنهم ستة.. قلت له ونحن نسير قريبا من بيتي.. أنا أسكن هنا.. وش رايكم تنزلون عندنا.. نتعشى..؟ «.. فوافق.. يقول إنها.. بعد.. فرصة حتى يعرف بيتي.. نزلنا.. ودخلنا للعمارة.. بعد صعوبات ومغاث.. ركبنا المصعد.. فضغطوا كل الأدوار السبعة.. وقفنا في كل الأدوار الخمسة.. أنا في الدور السادس.. دخلنا البيت.. دخلت أنا وعزريويل في المجلس.. دخلوا معنا العيال.. قامزوا على الكنب.. ولما دخلت أعلّم أم هايس بضيوفي.. لحقوني.. جلست أنا وعزريويل نشرب الشاهي والقهوة.. ونسولف.. أحيانا نصمت حين نسمع سقوط شيء يأتينا من الداخل..
قال لي « تصدق يا بو هايس.. لي ثلاثة زملاء يسكنون عندك.. قريبا.. أبي اتصل عليهم.. أشوف وش أخبارهم.. لو يدرون إني هنا.. قريب منهم.. كان يفرحون ».. بدأ يتصل بهم.. « أهلا.. كيف الحال.. لا والله.. كلمته أنا و واعدني لكن ما ردّ عليّ.. ان شالله بكرى.. أنا ترني قريب من عندكم.. عند صديق لي.. إنت تعال.. بيت صديقي كأنه بيتي.. تعال إنت.. لا يا بن الحلال.. ما فيها احراج ولا مضايقة.. أصلا هو يحب الناس.. انتظرك... طلحة ومصعب يمكن يجون...».. اتصل بالآخرين وقال لهم نفس الكلام.. وكان يصف لهم بيتي.. قال لي بعد مكالماته « هذولا ناس تحطّهم على الجرح ويبرأ...».. قلت « باين.. كفو».. ثم سألني « عندك ورقة لعب؟».. قلت « لا والله.. ما أعرف ألعب ورقة».. عاد يتصل بأحد « إذا جيت جب معك ورقة لعب.. نبيها الليلة بلوت».. بعد نصف ساعة صاروا يكلمونه ويسألونه « هي عمارتكم الزرقا؟.. أو الخضرا؟... هي اللي عندها نخلة؟.. هي اللي عندها...».. كنت أنا أنزل إلى أسفل العمارة بعد كل مكالمة.. حتى أحضر الضيف.. جلسنا وتعرفنا على بعضنا.. بعد السولف وشرب القهوة والشاي.. بدوا يلعبون بلوت.. ولأني ما أعرف.. شعرت أني وحدي.. فقط أصب لهم الشاهي.. وأدخل بعد كل عشر دقايق أتطمّن على أم هايس وكيف معركتها.. مع الشياطين.. سألني أحدهم.. بدأ يمون.. « عندك تعميرة يا بو هايس؟ ».. قلت « لا والله.. للأسف ».. قال « ممكن أجيب تعميرتي؟.. ما أقدر ألعب إلا وأنا أعمّر...» «.. قلت « بكيفك.. البيت بيتك».. كان لعبهم قد حمي وطيسه.. يبدو أن بينهم ثارات.. وصار صراخهم أطول من صراخ عيال عزريويل.. جاءت التعميرة.. وجلست أنا أشب الفحم بالبلكونة.. وأصلّح الراس حسب الارشادات.. كان مصعب يرشدني وهو يلعب.. حتى منتصف الليل.. وأنا أصب شاهي وأنفخ الراس.. وأحط الولاّعة.. وأشيل الولاّعة.. وأصب شاهي.. وكأني لوحدي.. كان حديثهم بينهم.. إلا احيانا كلمة مثل « مشكور يا بو هايس» توجّه لي..
أواصل لكم وصف لمّا قرروا نخرج نتعشى في المطعم.. أحسن من البيت.. وتقديرا منهم لأم هايس حتى لا أزعجها..؟.. أو أصف لكم أم هايس لمّا رجعنا من المطعم ولمّا وجدت الشياطين عيال عزريويل قافلين عليها في الغرفة.. وهم يلعبون في كل مكان؟..

afahead@hotmail.com