محامي الشيطان (Devil advocate) تعبير غير شائع، وفي الغالب له وقع سيئ على الأذن، لكنه في الواقع لفظ يطلق على الشخص الذي يحمل آراء مختلفة، ربما يراها البعض لا تتوافق مع المنطق أو الإجماع، وهذا الرأي بالطبع لا يبتعد عن الحقيقة كلية، كون البعض بالفعل نجده يعارض لمجرد المعارضة في محاولة منه لإثبات الذات وتسجيل الحضور ليس إلا، دون أن يكون مستندا إلى فكر نير وثقافة عميقة، وفي التاريخ عرف محامي الشيطان في الكنيسة الكاثوليكية الرومانية وهو مفهوم يشير إلى محامٍ كانت تعينه الكنيسة لكي يجادل ضد القوانين التي يضعها المشرعون أو أعضاء المجلس الكنسي.
وفي عالم اليوم نجد أن مفهوم محامي الشيطان لايزال يستخدم في التسويق بحيث يتم جمع كل الأعضاء ويتعين على واحد منهم بأن يقوم بمعارضة أي فكرة يتم طرحها حتى يحث بقية الأعضاء على الخروج بأفكار أكثر عمقا وفاعلية.
أما بالنسبة لي فلطالما اعتبرتني الزميلات بأنني محامية للشيطان، ولم يختلف هذا الأمر حتى في أيام الجامعة وذلك على خلفية معارضتي للأفكار التي كانت تتعلق بحياتنا الدراسية، حيث كنت أحاول دائما إقناع الأخريات بالبحث عن حلول أخرى، ولكن للأسف لم أكن أجد الكثير من
الاستحسان، بل على العكس كثيرا ما كنت أتعرض للانتقاد، بحكم أنني المعارضة دوما وهذا الاعتقاد جعل الكثيرات منهن يحجمن عن الاستماع إلى مدى جودة الأفكار التي كنت أطرحها، بل إنهن كن يقفزن سريعا نحو الحكم السريع بأنها سيئة دون إبداء الأسباب.
ولعل هذا نابع من تربيتنا التي علمتنا دائما أن خياراتنا قليلة والأفق ضيق وحدوده قريبة، بالرغم من أن قدرات الفكر واسعة وعميقة (Intellectual abilities) وليس لها حد معين، إلا أن الأغلبية للأسف الشديد يأخذون بالقرارات السهلة والطرق المختصرة، وحتى في الأجواء الدراسية نجد مناهجنا تخلو من تربية فكر الجدل والنقاش في عقلية الطالب فكل دوره فيها هو الخضوع لعملية تلقين سلبية لا يوجد فيها أي تفاعل بين الطالب والمعلم أو بين الطلاب وبعضهم، وحتى على مستويات القدرة على النقاش والجدل لا نملك اللغة التي تؤهلنا أو مهارات الإقناع الكافية، كما أننا نفتقر في أحيان كثيرة إلى أخلاق وأدب الحوار ولا نملك فن الإصغاء، وهذا لأننا لم نتعرض للمواقف التي تعطينا القدرة على خلق التفاعل مع الآخر للوصول لأفضل الحلول..
وختاما، من المفترض أن نملك جميعا القدرة على النقاش والجدل الذي يجعلنا نتوصل لأفضل النتائج فليس من المفترض أن نتقبل أبسط الحلول على غير هدى.