ايقاع الحياة المتسارع وضغوطها المختلفة جعلت البعض فريسة سهلة للاكتئاب والقلق والفصام حد المرض النفسي والمشكلة انه في غياب الوعي ينظر البعض للمرضى النفسيين على اساس انهم «مجانين».. ندوة «عكاظ» استضافت استشاريين في الطب النفسي لتشريح بعض الحالات ووصف العلاج وصولاً الى تغيير نظرة المجتمع السالبة نحو المريض النفسي وتمتعه بكافة حقوقه ودمجه في المجتمع ذلك ان اكثر ما يؤلمه هو شعور المريض النفسي بالعزلة وتركزت الندوة حول اهم المحاور التالية:
ما هي أسباب الحالات النفسية المتزايدة في المملكة ؟ مقارنة بباقي الدول من خلال الدراسات ؟
- د . دانية: هناك العديد من الأسباب منها النفسية ومنها الاجتماعية ، أما النفسية فتتلخص في اضطرابات الشخصية والإحباط والتوتر وعدم الاستقرار والهروب من الواقع والوسواس والاضطرابات الجنسية والعديد من المشاكل التي تتراكم ويصعب مواجهتها وحلها ، أما الأسباب الاجتماعية فمنها صحبة السوء بما تشكله من إغراء وضغط وتقليد وتجريب وعدم الالتزام بالقيم الدينية والأخلاقية اضافة الى الفشل الدراسي والبطالة والمشكلات المهنية وكذلك مشاكل التقاعد، والاكتئاب الذي اصبح عاملا مساعدا يؤدي بالمريض إلى الانتحار وقد أصبح من الملاحظ أن نسبة انتحار الإناث هي الأكثر .
- الخطيب : هناك دراسات مقارنة بالنسبة للاضطرابات النفسية لمراجعي العيادات أو مراجعي الطوارئ والرعاية الصحية الأولية وهناك دراسات مقارنة لمراجعي مستشفيات الصحة النفسية وما لديهم من حالات ، أما البحوث الميدانية لدراسة الحالات النفسية فهي غير موجودة والدراسة الوحيدة التي أجريت كانت للدكتورة رفيعة عميدة كلية البحرين ( جامعة الخليج ) وكانت عن الاضطرابات النفسية عند الأطفال وذكرت أن 10% من الاضطرابات النفسية عند الأطفال في دولة الإمارات أما باقي دول العالم التي أجرت دراسات مقارنة فقد كانت النسب فيها لا تختلف كثيرا .
وأجرى البروفيسور الدكتور شيخ إدريس عبد الرحيم دراسات مقارنة عن الأطفال في قرى وضواحي الخرطوم وفي السويد وقد وجد أن النسبة تقريبا 10% مما يعني أن هذه النسبة تزيد وتنقص بفارق بسيط المشكلة هنا أن البحوث والدراسات الميدانية للاضطرابات النفسية لا تجد التشجيع فبعض المجتمعات تزداد فيها الاضطرابات والبعض تقل فيها ، وذلك بسبب الحياة المختلفة والضغوط اليومية التي ساهمت إلى حد كبير في حدوث الاضطرابات النفسية وبالمقابل ساهمت الخدمات النفسية في إتاحة الفرصة لمن يحتاج لهذه الخدمات بأن يتوجه إليها مباشرة لأن الناس أدركت وتفهمت قيمة العلاج النفسي الذي كان ينظر لطالبه نظرة مختلفة.
- د . الجندي : نحن نسمي الأسباب (عوامل الاضطرابات) لأنها نظريات غير قطعية الثبوت ما زالت تحت الدراسة ، وهي عبارة عن عوامل مهيئة للمرض النفسي ، وهناك أمراض تنشأ في الطفولة وأخرى عند البلوغ أو الكهولة ، وهناك عوامل كثيرة منها الجانب الوراثي الثابت في بعض الأمراض مثل الاكتئاب والقلق وبعض أنواع الإدمان خاصة الإدمان على الكحول وهذا لا يعني أن الجانب الوراثي تسلسلي بمعنى إذا كان الأب مصابا ينتقل إلى الابن إنما هو احد العوامل وهذا نتيجة دراسات يسمونها التوائم المتطابقة – توائم مشتركة في الجينات وتوائم مختلفة في الجينات فوجدوا أن المرض نسبته أعلى في التوائم المتطابقة – وهناك عوامل كثيرة مهيئة أكثر للاضطرابات مثلا الشخصيات الحساسة والوسواسية وهذه طبائع وليست مرض لكن احتمال أن تصاب الشخصية الوسواسية بمرض الوسواس القهـــري كبــير وهناك الشخصية (السايكبوتية) (المضادة للمجتمع) هذه الشخصية أكثر استعدادا للدخول لعالم المخدرات والإدمان إلى جانب العوامل الدينية بمعنى ابتعاد الشخص عن السلام الروحي ، وليس معنى هذا أن الشخص المتدين لا يصاب بالمرض النفسي ولكن المقصود أن الشخص الأقل تدينا معرض للإصابة أكثر – كذلك أحداث الحياة الحزينة قد تؤدي إلى المرض والاكتئاب.
الاكتئاب،الفصام، القلق والجنون
ما هي الأمراض النفسية الأكثر شيوعا في المملكة؟
- الخطيب : نحن لا نقول في المملكة بل حسب التقسيمات في العالم فمعظم الاضطرابات النفسية الاكتئاب والقلق والجنون والفصام وتعريفات أخرى لا تتعدى نسبته 2% وأكبر نسبة هي الاكتئاب وتوهم المرض، ونحن في الطب نقنن لهذا بتقسيمات وتعريفات محددة والأخصائيون النفسانيون بحكم تخصصهم لا يستخدمون المصطلحات التي نستخدمها، مثلا الاكتئاب له شروط 1، 2، 3 من « أ» و 3، 4، 5 من «ب» ، وفي حكم الأخصائيين النفسانيين يمكن التجاوز بمعنى: «قلق ، وهم وخوف» هذه الأشياء متداخلة بينهم ونحن لدينا تعريفات دقيقة .
- الجندي: مازالت الدراسات النفسية في المملكة غير كافية بالذات التي تتعلق «بالمسح الميداني» والتي نتوصل بها إلى نتيجة محددة حول نسبة جميع أمراض النفسية ، من الممكن الوصول لنسبة من خلال الناس الذين يراجعون المستشفيات والعيادات الخاصة ولكن الدراسات والبحوث الشاملة للمجتمع ما زالت غير كافية فهذا الموضوع يجب أن يحصل على مزيد من الاهتمام والدعم ، وقد وجدوا في دراسة أجريت بين تسع دول فقيرة وغنية شرقية وغربية أن النسب متقاربة بين المصابين بمرض « الفصام» ولكن كما ذكرت الدراسات في المملكة ما زالت غير كافية.
- دانية : أكثر الأمراض شيوعا القلق والاكتئاب والخوف بنسبة 75% مثلا حضرت لي سيدة تشكو من القلق عقدت معها جلسة علاجية وبعد أيام جاءت ابنتها تشكو نفس الشكوى ثم أتى بعدهم الأب وهذا دليل أن هناك عوامل مشتركة في بعض الأحيان قد تؤدي إلى نفس الحالة المرضية أو الجو العام أو البيئة ، نحن في حاجة لتطوير البرامج العلاجية والزيارات المنزلية الميدانية والبحوث والدراسات في مجال الاضطرابات العصبية ونحن نسميها عصبية لأن جميعها مرتبطة ببعضها البعض من المخ وأعصاب اليدين وجميع أعصاب الجسد التي إذا توترت تكون عاملا من عوامل الاضطراب النفسي .
الرعاية اللاحقة للمريض
لماذا يوجد قصور في البرامج اللاحقة والزيارات الميدانية للمريض النفسي ؟
- الخطيب : هناك بعض القصور في البرامج اللاحقة في الاضطرابات والأمراض سواء عضوية أو نفسية بشكل عام وهذا يرجع إلى عدد من الأسباب منها طبيعة المجتمع المحافظ وصعوبة التواصل مع أسرة المريض إلى جانب محدودية المختصين في مجال الزيارات المنزلية فمثلا في البلدان المتقدمة هناك اختصاصي في مجال التمريض النفسي للمجتمع «ممرضة نفسية متخصصة في الزيارات العلاجية للمريض النفسي» فالمريض عند دخوله المستشفى يكلف الدولة أو الجهة المقدمة للرعاية مبالغ طائلة من أجل هذا معظم الخدمات العلاجية نحاول تركيزها في المنزل لتجنب انتكاسة المريض وهناك توجه لتفعيل هذه الخدمة .
- الجندي : في السنوات الأخيرة بدأت برامج تسمى بالرعاية اللاحقة وهذه موجودة في مستشفيات الأمل في الدمام وفي الرياض وفي جدة وفي القصيم أيضا هناك مركز تأهيل نفسي ، وقد وجد أن الرعاية اللاحقة من ناحية العلاج وتقليل الانتكاسة فعالة وهامة فإنها تهتم بالمريض بعد خروجه من المستشفى لأنه ثبت أن نسبة انتكاسة المرضى بعد خروجهم من المستشفى نسبة عالية والنسبة هذه يمكن أن تقل بشكل واضح إذا استطعنا أن نترك المريض يتابع ما يسمى بالرعاية اللاحقة كما هو متبع منذ سنوات بمستشفى « الأمل» فهناك برنامج خاص يناسب الدوام ويناسب ظروف المريض بمتابعة حالته خمس مرات في الأسبوع وفي أوقات معينة ، يشمل البرنامج إلى جانب الرعاية أنشطة مسائية ورحلات لأن مثل هذه الأنشطة تساعد على منع انتكاسة المريض.
ومن البرامج اللاحقة « منازل منتصف الطريق» وقد أنشأت في الدمام منذ عدة سنوات وهي عبارة عن منازل يعيش فيها مرضى الإدمان مع بعضهم البعض بعد انتهاء فترتهم العلاجية وتسمى هذه « مرحلة انتقالية «خاصة إذا كانت ظروف المريض النفسية لا تمكنه من الرجوع إلى المنزل والانخراط في المجتمع كما أن بقاءه في المستشفى لم يعد مناسبا بعد انتهاء الفترة العلاجية ،، ففكرة «منزل منتصف الطريق» تجمع هؤلاء المرضى تحت إشراف أحد المدمنين الذين تم شفاؤهم فهو أكثر مقدرة على فهمهم والتعامل معهم إلى جانب أخذ دورات في كيفية إرشاد المدمنين ويصبح لديهم اكتفاء ذاتي فهم يمارسون جميع أوجه النشاط الحياتي اليومي من غسل وطبخ ونظافة في تعاون تام وفي نفس الوقت يواصلون حضور برامج الرعاية اللاحقة الموجودة في أوقات معينة وفي مراحل وهناك مرحلة يعطى فيها المريض الوقت اللازم للبحث عن عمل ويداوم فيه حتى تصبح لديه القدرة إما الرجوع لأسرته أو الاستقلال بحياته والانخراط في المجتمع .
- دانية : أسباب القصور في البرامج اللاحقة تتركز في عمل حدود بين المريض النفسي والمعايش ، وأيضا عدم وجود توعية وتأهيل إذ لابد من وجود تأهيل للمصحات النفسية وعمل تدريب كاف بعد شفاء ( المرضى النفسيين ) إلى جانب ضمان عدم تكرار العامل المسبب للمرض النفسي وأيضا تأهيل مجتمع المريض النفسي أي الأهل والمحيطين به للمساعدة في شفاء المريض.
حقوق المريض النفسي
للإنسان الحق في الحياة الكريمة التي يكفلها له الشرع والدولة والمجتمع فإذا تعرض الإنسان لعامل المرض والغياب الذهني هل تجرده هذه العوامل من حقه كإنسان ما هي حقوق المريض النفسي في المملكة وما هي حقوقه بالنسبة لدول العالم ؟
- الخطيب : حقوق المريض النفسي لا تختلف باختلاف البلاد فمنظمة الصحة العالمية تم تعديل تعريفها ليشمل الجانب النفسي وكان هذا في 20 نوفمبر 1952م لأن هذا جانب من الصحة التي يجب أن توفرها الدولة لأن من حقوق الإنسان على الدولة توفير الخدمات الصحية لهذا اصبح من المفروض على جميع الدول التي انضمت لمنظمة الصحة العالمية توفير العلاج والخدمات والمملكة سباقة لتوفير هذه الخدمات للجميع مع الحفاظ على السرية التامة ومن حق المريض تعريفه بوسيلة العلاج إذا كان عليه استخدام عقاقير أو وسيلة أخرى وحقه في اختيار العلاج الذي يناسبه لأن هناك بعض العقاقير تزيد الوزن أو تخففه فيجب ترك الحرية له ، كما يجب إشراك المريض في الخطة العلاجية لأن هناك برنامجا علاجيا جزء منه « ديني» وأخر «ترفيهي» أو «تأهيلي» فمن المفروض تفعيل البرنامج وتقديمه له ليختار ما يريد .
- الجندي : من الملاحظ أن كثيرا من المرضى والمعالجين لا يعرفون ولا يتذكرون هذه الحقوق فمن الضروري لجميع الأطراف أن يعرفوا ما لهم وما عليهم ، والممارس يجب أن يعرف حقوق المريض لكي يعمل بها والأسرة التي لها ارتباط كبير بالمريض من حقها معرفة حقوق المريض لأن النظرة للمرضى النفسيين تختلف بعض الشيء عن المرضى الآخرين فبعضهم عندهم إشكالية بالنسبة لتصرفاتهم ومسئوليته ومقدرة حكمه على الأمور وهل هو إنسان مكلف أم غير مكلف فيجب إعطاء المريض حقوقه حتى لو لم يطالب بها لأن المريض قد لا يكون في حالة تسمح له بالمطالبة وهذه مسئولية كل من يتعامل بشكل علاجي مع المريض لأن هذه مسئولية اجتماعية.
وقد وضعت وزارة الصحة تعميما ينبه على حقوق المرضى يحوي العديد من المحاور منها أن يستهدف العمل الصحي مصلحة المريض بأن يبذل « الممارس الصحي» جهده لكل مريض وأن يكون الجهد خالصا لمصلحة المريض وكذلك أن يتلقى المريض الرعاية المتكاملة لتشمل الدوائية والاجتماعية والنفسية والروحية هذا هو التوافق العلاجي الذي يحتاج إليه المريض ، وتأتي المعاملة الحسنة وحفظ أسرار المريض وستر عورته ، ومن حقوق المريض أيضا حصوله على معلومات كافية من الطبيب عن حالته إن كانت تسمح له باستيعابها أما إذا لم يكن فمن حق ولي الأمر تلقي تلك المعلومات.
- الخطيب : هناك اختلاف بسيط بالنسبة لمرضى « الذهان» من حق المريض أن يختار أن يتعالج أو لا ، هناك بعض الضوابط في الدول الغربية لعلاج المرضى النفسيين وهذا القانون يضبط العلاقة بين المريض والطبيب والأسرة وطريقة وساعات العلاج فإذا كانت هناك ضرورة لمعالجة المريض قسرا فهذا حماية للمريض حتى لا يؤذي نفسه أو المحيطين به.
- دانية : بحكم تخصصي لهذا يمكن أن يكون هناك خلاف بيني وبين الأطباء فهم يستخدمون العقاقير وأنا أعتمد على العلاج الإيحائي العصبي حيث لدينا قاعدة متبعة إذ يجب أن لا نشعر المريض بأنه مريض وأن هذه عيادة نفسية ونحن نتعامل معه كشخص سوي ونردد له بأن كلا منا في حاجة إلى استشارة في حياته حتى يلاحظ نقطة الضعف التي يعاني منها ، ومن أهم حقوق المريض تحطيم الفكرة القديمة بالنسبة للمرض النفسي والتعامل معه كأي مرض عضوي آخر بالنسبة للمحيطين به وأن تتاح له الفرصة للاستعداد والتأهيل للعلاج كذلك يجب عدم فصل المرضى النفسيين عن المجتمع وتيسير العلاقة بين المريض والمعالج.
الحاجة للعمل
العمل والاعتماد على النفس والاكتفاء بالذاتي من الضروريات الحياتية لكل إنسان ، المريض النفسي بعد شفائه لماذا ترفض المؤسسات وأصحاب العمل استخدامه ؟
- الخطيب: بالنسبة لجهات العمل لديها نوع من التحفظ لعمل المرضى والمصابين بالاضطرابات النفسية لأن هناك عدم ثقة في إمكانية أداء المريض النفسي بما يكلف به من عمل مما يؤثر على العمل المؤسسي ، كما أنه لا توجد ضوابط أو قواعد تجبر جهات العمل على تشغيل مثل هؤلاء الأشخاص وهم من فئة تسمى بذوي الاحتياجات الخاصة فهم بحاجة إلى نوع من الضوابط أو التنسيق بين جهات العمل ومراعاة ظروفهم النفسية مثل تخفيض الحصص ان كان مدرسا وإجازة الحضور متأخرا.
- الجندي: هناك إشكالية في هذا الموضوع فإذا تكلمنا عن القطاع الخاص فهناك حرص كبير على استخدام أفضل الإمكانيات البشرية المتاحة فمثلا لو تقدم لصاحب العمل ثلاثة أشخاص أحدهم لم يواجه متاعب نفسية وليس لديه خبرة كافية والآخران لديهما تاريخ نفسي ولكن إمكانياتهما الفكرية والعملية وخبرتهما ممتازة فبالطبع سيكون العمل من نصيب الشخص السليم ، فالقطاع الخاص له ضوابط لأن أغلب الأعمال تتطلب أنواعا من الثبات والتركيز لا تتوفر في أغلب الأحيان للمرضى النفسيين وكذلك بالنسبة للقطاع العام الذي له نظمه وأسسه وقواعده الخاصة ، المجتمع مازال في حاجة لزيادة وعيه بحق المريض النفسي في الانخراط في المجتمع بعد شفائه وهناك أمثلة كثيرة لشباب انخرطوا في العمل بعد شفائهم وأثبتوا جدارتهم في العمل وحازوا على ثقة صاحب العمل والعاملين .
المرض النفسي والانتحار
المرض النفسي هل يكون عاملا من عوامل الانتحار ؟ وهل هناك حالات مسجلة ؟
- الخطيب : هناك بعض أنواع المرض النفسي التي تؤدي إلى الانتحار مثل « الاكتئاب» و« انفصام الشخصية» وبعض من الذين يراجعون العيادات النفسية ولديهم مشاكل وبالنسبة لعدد الحالات فقد أكدت الدراسات أنه لا توجد حالات انتحار كثيرة في المجتمعات الإسلامية والدول التي تلتزم بالضوابط.
- الجندي : لو تكلمت عن الإدمان والانتحار فإن نسبة انتحار مدمن المخدرات ومدمن الكحول أكثر من الأشخاص الأسوياء كما أن هناك كثيرا من الدراسات المقارنة وجدت أن نسبة الانتحار لدى المسلمين أقل حتى تلك الدراسات التي أجريت على المسلمين البريطانيين من شرق آسيا، وهذا لا يمنع أن تكون هناك بعض الحالات والاضطرابات النفسية التي تزيد من احتمال نسبة الانتحار .
إدمان النساء
المــرأة هذا المخــلوق الرقيق هل تكون أكثر عرضة للأمراض النفسية من الرجل ؟ وما أسباب ذلك ؟
- الخطيب: أكدت بعض الدراسات أن الاكتئاب عند النساء في سن معينة أكثر من الرجال كما أن بعض الاضطرابات النفسية مقصورة على الرجال أو بنسبة قليلة عند السيدات مثل الاضطرابات السلوكية المعادية للمجتمع فمشكلة الإدمان واستخدام العقاقير هي مشكلة كبيرة عند الرجال كما أكدت الدراسات وكذلك عند النساء ولكن بنسبة اقل.
- الجندي: هناك اضطرابات نفسية نسبتها أكثر عند المرأة وهناك اضطرابات نسبتها أكثر عند الرجل وهناك اضطرابات نسبتها متساوية عند الرجل والمرأة أما الإدمان ففي بلدنا وفي كل دول العالم نسبة الإدمان عند الرجل أكثر من الإناث وبالرغم من أن نسبة الإدمان في الغرب عند الإناث تتزايد ولكننا من المؤكد أن النسبة عند الذكور أكثر ولهذا أسبابه التي تتلخص في توفر المادة والضوابط الاجتماعية للمرأة كما أن احتمال المرأة للكحول اقل لوجود أنزيمات تختلف فيها عن الرجل بحيث تظهر فيها أعراض الكحول أكثر من الرجل بينما يتحمل الرجل جسديا .
العلاج حق مكفول
من حق المواطن على الدولة حق العلاج والتأمين الصحي،، لماذا يستثنى العلاج النفسي من التأمين الصحي في بعض الشركات ؟
- الخطيب : التأمين الطبي دائما يتجنب الأمراض المزمنة بشكل عام ويتلافى التكلفة العالية ليس بالنسبة للمرض النفسي بل للأمراض الأخرى أيضا – مثلا – أمراض الأسنان لا تشمل التأمين الطبي ، أما بالنسبة للأمراض النفسية فهناك خدمات علاجية وقائية ترفيهية فالعلاج يمكن أن يشملها التأمين الطبي أما الاضطرابات النفسية المزمنة فكما أشرنا سابقا هي عالية التكلفة لذلك لا يشملها التأمين الطبي .
- الجندي: هذا السؤال يمكن أن تجيب عليه شركات التأمين فأنا أعتقد أن يكون هناك تعميم بشكل عام لأن الأمراض النفسية كثيرة ويمكن علاجها كما أن هناك أدوية غالية الثمن لا يســتطيع المريض شراءها.
المرضى والقانون
القوانين هي التي تحمي المواطن، أين هي قوانين الحماية والرعاية والعلاج القسري بالنسبة للمريض النفسي ؟
- الخطيب: هناك قانون وضوابط لعلاج الحالات النفسية معروضة على الجهات المختصة منذ فترة ولا تزال قيد البحث والدراسة ونتمنى أن تنفذ في أقرب فرصة بإذن الله ، والنظام يشمل المريض الذي يدخل المستشفى « قسرا» وما يترتب على بقائه في المستشفى القانون الآن معروض على الجهات العليا ويشمل الأطباء ورجال القانون والجهات الأمنية والشرعية و هناك أكثر من جهة مختصة تدرس الموضوع .
- الجندي : سأركز على موضوع المدمن بعد أن تكلم الزميل عن الأمراض النفسية عموما وبما أنني أعمل الآن في مجال الإدمان فهناك نظام بالنسبة لمستشفيات الأمل وهو ما يسمى بتوحيد الفقرات ومتى يدخل المريض « قسرا» أما بالنسبة للحماية والعلاج القسري فهذا معتمد من وزارة الصحة بالتنسيق مع الداخلية.
نظرة المجتمع السلبية
المريض النفسي هو جزء من المجتمع الممتد، لماذا حتى الآن هذه النظرة سالبة إليه وما هي الأسباب والحلول ؟
- دانية : النظرة السالبة للمريض النفسي نظرة خاطئة تدل على عدم الوعي بمفهوم المرض النفسي حيث ارتبط هذا بضعف العقل أو الجنون ومن الضروري توعية المجتمع بأن المرض النفسي مثل أي مرض آخر قابل للعلاج وعودة المريض لحياته الطبيعية لهذا فمن الحلول التي يمكن أن تؤدي إلى نتيجة هي التواصل بين الأخصائيين النفسيين والاجتماعيين وبين المجتمع حتى تتم الألفة والتواصل والتوعية والتقليل من المفاهيم الخاطئة حول المرض النفسي .
- الجندي : من أهم الأسباب لمفهوم المرض النفسي « الجهل» فمازال الكثير من الناس يجهلون طبيعة الأمراض النفسية بحيث يعتبرون المريض النفسي شخصا « مجنونا» فهذا الربط يجعل البعض يحجم عن المعالجة حتى تتفاقم الحالة النفسية ، ولهذا يجب ان تتغير نظرة المجتمع للمريض النفسي وهنا يبرز دور الاعلام تغيير هذه النظرة.
ما هي أسباب الحالات النفسية المتزايدة في المملكة ؟ مقارنة بباقي الدول من خلال الدراسات ؟
- د . دانية: هناك العديد من الأسباب منها النفسية ومنها الاجتماعية ، أما النفسية فتتلخص في اضطرابات الشخصية والإحباط والتوتر وعدم الاستقرار والهروب من الواقع والوسواس والاضطرابات الجنسية والعديد من المشاكل التي تتراكم ويصعب مواجهتها وحلها ، أما الأسباب الاجتماعية فمنها صحبة السوء بما تشكله من إغراء وضغط وتقليد وتجريب وعدم الالتزام بالقيم الدينية والأخلاقية اضافة الى الفشل الدراسي والبطالة والمشكلات المهنية وكذلك مشاكل التقاعد، والاكتئاب الذي اصبح عاملا مساعدا يؤدي بالمريض إلى الانتحار وقد أصبح من الملاحظ أن نسبة انتحار الإناث هي الأكثر .
- الخطيب : هناك دراسات مقارنة بالنسبة للاضطرابات النفسية لمراجعي العيادات أو مراجعي الطوارئ والرعاية الصحية الأولية وهناك دراسات مقارنة لمراجعي مستشفيات الصحة النفسية وما لديهم من حالات ، أما البحوث الميدانية لدراسة الحالات النفسية فهي غير موجودة والدراسة الوحيدة التي أجريت كانت للدكتورة رفيعة عميدة كلية البحرين ( جامعة الخليج ) وكانت عن الاضطرابات النفسية عند الأطفال وذكرت أن 10% من الاضطرابات النفسية عند الأطفال في دولة الإمارات أما باقي دول العالم التي أجرت دراسات مقارنة فقد كانت النسب فيها لا تختلف كثيرا .
وأجرى البروفيسور الدكتور شيخ إدريس عبد الرحيم دراسات مقارنة عن الأطفال في قرى وضواحي الخرطوم وفي السويد وقد وجد أن النسبة تقريبا 10% مما يعني أن هذه النسبة تزيد وتنقص بفارق بسيط المشكلة هنا أن البحوث والدراسات الميدانية للاضطرابات النفسية لا تجد التشجيع فبعض المجتمعات تزداد فيها الاضطرابات والبعض تقل فيها ، وذلك بسبب الحياة المختلفة والضغوط اليومية التي ساهمت إلى حد كبير في حدوث الاضطرابات النفسية وبالمقابل ساهمت الخدمات النفسية في إتاحة الفرصة لمن يحتاج لهذه الخدمات بأن يتوجه إليها مباشرة لأن الناس أدركت وتفهمت قيمة العلاج النفسي الذي كان ينظر لطالبه نظرة مختلفة.
- د . الجندي : نحن نسمي الأسباب (عوامل الاضطرابات) لأنها نظريات غير قطعية الثبوت ما زالت تحت الدراسة ، وهي عبارة عن عوامل مهيئة للمرض النفسي ، وهناك أمراض تنشأ في الطفولة وأخرى عند البلوغ أو الكهولة ، وهناك عوامل كثيرة منها الجانب الوراثي الثابت في بعض الأمراض مثل الاكتئاب والقلق وبعض أنواع الإدمان خاصة الإدمان على الكحول وهذا لا يعني أن الجانب الوراثي تسلسلي بمعنى إذا كان الأب مصابا ينتقل إلى الابن إنما هو احد العوامل وهذا نتيجة دراسات يسمونها التوائم المتطابقة – توائم مشتركة في الجينات وتوائم مختلفة في الجينات فوجدوا أن المرض نسبته أعلى في التوائم المتطابقة – وهناك عوامل كثيرة مهيئة أكثر للاضطرابات مثلا الشخصيات الحساسة والوسواسية وهذه طبائع وليست مرض لكن احتمال أن تصاب الشخصية الوسواسية بمرض الوسواس القهـــري كبــير وهناك الشخصية (السايكبوتية) (المضادة للمجتمع) هذه الشخصية أكثر استعدادا للدخول لعالم المخدرات والإدمان إلى جانب العوامل الدينية بمعنى ابتعاد الشخص عن السلام الروحي ، وليس معنى هذا أن الشخص المتدين لا يصاب بالمرض النفسي ولكن المقصود أن الشخص الأقل تدينا معرض للإصابة أكثر – كذلك أحداث الحياة الحزينة قد تؤدي إلى المرض والاكتئاب.
الاكتئاب،الفصام، القلق والجنون
ما هي الأمراض النفسية الأكثر شيوعا في المملكة؟
- الخطيب : نحن لا نقول في المملكة بل حسب التقسيمات في العالم فمعظم الاضطرابات النفسية الاكتئاب والقلق والجنون والفصام وتعريفات أخرى لا تتعدى نسبته 2% وأكبر نسبة هي الاكتئاب وتوهم المرض، ونحن في الطب نقنن لهذا بتقسيمات وتعريفات محددة والأخصائيون النفسانيون بحكم تخصصهم لا يستخدمون المصطلحات التي نستخدمها، مثلا الاكتئاب له شروط 1، 2، 3 من « أ» و 3، 4، 5 من «ب» ، وفي حكم الأخصائيين النفسانيين يمكن التجاوز بمعنى: «قلق ، وهم وخوف» هذه الأشياء متداخلة بينهم ونحن لدينا تعريفات دقيقة .
- الجندي: مازالت الدراسات النفسية في المملكة غير كافية بالذات التي تتعلق «بالمسح الميداني» والتي نتوصل بها إلى نتيجة محددة حول نسبة جميع أمراض النفسية ، من الممكن الوصول لنسبة من خلال الناس الذين يراجعون المستشفيات والعيادات الخاصة ولكن الدراسات والبحوث الشاملة للمجتمع ما زالت غير كافية فهذا الموضوع يجب أن يحصل على مزيد من الاهتمام والدعم ، وقد وجدوا في دراسة أجريت بين تسع دول فقيرة وغنية شرقية وغربية أن النسب متقاربة بين المصابين بمرض « الفصام» ولكن كما ذكرت الدراسات في المملكة ما زالت غير كافية.
- دانية : أكثر الأمراض شيوعا القلق والاكتئاب والخوف بنسبة 75% مثلا حضرت لي سيدة تشكو من القلق عقدت معها جلسة علاجية وبعد أيام جاءت ابنتها تشكو نفس الشكوى ثم أتى بعدهم الأب وهذا دليل أن هناك عوامل مشتركة في بعض الأحيان قد تؤدي إلى نفس الحالة المرضية أو الجو العام أو البيئة ، نحن في حاجة لتطوير البرامج العلاجية والزيارات المنزلية الميدانية والبحوث والدراسات في مجال الاضطرابات العصبية ونحن نسميها عصبية لأن جميعها مرتبطة ببعضها البعض من المخ وأعصاب اليدين وجميع أعصاب الجسد التي إذا توترت تكون عاملا من عوامل الاضطراب النفسي .
الرعاية اللاحقة للمريض
لماذا يوجد قصور في البرامج اللاحقة والزيارات الميدانية للمريض النفسي ؟
- الخطيب : هناك بعض القصور في البرامج اللاحقة في الاضطرابات والأمراض سواء عضوية أو نفسية بشكل عام وهذا يرجع إلى عدد من الأسباب منها طبيعة المجتمع المحافظ وصعوبة التواصل مع أسرة المريض إلى جانب محدودية المختصين في مجال الزيارات المنزلية فمثلا في البلدان المتقدمة هناك اختصاصي في مجال التمريض النفسي للمجتمع «ممرضة نفسية متخصصة في الزيارات العلاجية للمريض النفسي» فالمريض عند دخوله المستشفى يكلف الدولة أو الجهة المقدمة للرعاية مبالغ طائلة من أجل هذا معظم الخدمات العلاجية نحاول تركيزها في المنزل لتجنب انتكاسة المريض وهناك توجه لتفعيل هذه الخدمة .
- الجندي : في السنوات الأخيرة بدأت برامج تسمى بالرعاية اللاحقة وهذه موجودة في مستشفيات الأمل في الدمام وفي الرياض وفي جدة وفي القصيم أيضا هناك مركز تأهيل نفسي ، وقد وجد أن الرعاية اللاحقة من ناحية العلاج وتقليل الانتكاسة فعالة وهامة فإنها تهتم بالمريض بعد خروجه من المستشفى لأنه ثبت أن نسبة انتكاسة المرضى بعد خروجهم من المستشفى نسبة عالية والنسبة هذه يمكن أن تقل بشكل واضح إذا استطعنا أن نترك المريض يتابع ما يسمى بالرعاية اللاحقة كما هو متبع منذ سنوات بمستشفى « الأمل» فهناك برنامج خاص يناسب الدوام ويناسب ظروف المريض بمتابعة حالته خمس مرات في الأسبوع وفي أوقات معينة ، يشمل البرنامج إلى جانب الرعاية أنشطة مسائية ورحلات لأن مثل هذه الأنشطة تساعد على منع انتكاسة المريض.
ومن البرامج اللاحقة « منازل منتصف الطريق» وقد أنشأت في الدمام منذ عدة سنوات وهي عبارة عن منازل يعيش فيها مرضى الإدمان مع بعضهم البعض بعد انتهاء فترتهم العلاجية وتسمى هذه « مرحلة انتقالية «خاصة إذا كانت ظروف المريض النفسية لا تمكنه من الرجوع إلى المنزل والانخراط في المجتمع كما أن بقاءه في المستشفى لم يعد مناسبا بعد انتهاء الفترة العلاجية ،، ففكرة «منزل منتصف الطريق» تجمع هؤلاء المرضى تحت إشراف أحد المدمنين الذين تم شفاؤهم فهو أكثر مقدرة على فهمهم والتعامل معهم إلى جانب أخذ دورات في كيفية إرشاد المدمنين ويصبح لديهم اكتفاء ذاتي فهم يمارسون جميع أوجه النشاط الحياتي اليومي من غسل وطبخ ونظافة في تعاون تام وفي نفس الوقت يواصلون حضور برامج الرعاية اللاحقة الموجودة في أوقات معينة وفي مراحل وهناك مرحلة يعطى فيها المريض الوقت اللازم للبحث عن عمل ويداوم فيه حتى تصبح لديه القدرة إما الرجوع لأسرته أو الاستقلال بحياته والانخراط في المجتمع .
- دانية : أسباب القصور في البرامج اللاحقة تتركز في عمل حدود بين المريض النفسي والمعايش ، وأيضا عدم وجود توعية وتأهيل إذ لابد من وجود تأهيل للمصحات النفسية وعمل تدريب كاف بعد شفاء ( المرضى النفسيين ) إلى جانب ضمان عدم تكرار العامل المسبب للمرض النفسي وأيضا تأهيل مجتمع المريض النفسي أي الأهل والمحيطين به للمساعدة في شفاء المريض.
حقوق المريض النفسي
للإنسان الحق في الحياة الكريمة التي يكفلها له الشرع والدولة والمجتمع فإذا تعرض الإنسان لعامل المرض والغياب الذهني هل تجرده هذه العوامل من حقه كإنسان ما هي حقوق المريض النفسي في المملكة وما هي حقوقه بالنسبة لدول العالم ؟
- الخطيب : حقوق المريض النفسي لا تختلف باختلاف البلاد فمنظمة الصحة العالمية تم تعديل تعريفها ليشمل الجانب النفسي وكان هذا في 20 نوفمبر 1952م لأن هذا جانب من الصحة التي يجب أن توفرها الدولة لأن من حقوق الإنسان على الدولة توفير الخدمات الصحية لهذا اصبح من المفروض على جميع الدول التي انضمت لمنظمة الصحة العالمية توفير العلاج والخدمات والمملكة سباقة لتوفير هذه الخدمات للجميع مع الحفاظ على السرية التامة ومن حق المريض تعريفه بوسيلة العلاج إذا كان عليه استخدام عقاقير أو وسيلة أخرى وحقه في اختيار العلاج الذي يناسبه لأن هناك بعض العقاقير تزيد الوزن أو تخففه فيجب ترك الحرية له ، كما يجب إشراك المريض في الخطة العلاجية لأن هناك برنامجا علاجيا جزء منه « ديني» وأخر «ترفيهي» أو «تأهيلي» فمن المفروض تفعيل البرنامج وتقديمه له ليختار ما يريد .
- الجندي : من الملاحظ أن كثيرا من المرضى والمعالجين لا يعرفون ولا يتذكرون هذه الحقوق فمن الضروري لجميع الأطراف أن يعرفوا ما لهم وما عليهم ، والممارس يجب أن يعرف حقوق المريض لكي يعمل بها والأسرة التي لها ارتباط كبير بالمريض من حقها معرفة حقوق المريض لأن النظرة للمرضى النفسيين تختلف بعض الشيء عن المرضى الآخرين فبعضهم عندهم إشكالية بالنسبة لتصرفاتهم ومسئوليته ومقدرة حكمه على الأمور وهل هو إنسان مكلف أم غير مكلف فيجب إعطاء المريض حقوقه حتى لو لم يطالب بها لأن المريض قد لا يكون في حالة تسمح له بالمطالبة وهذه مسئولية كل من يتعامل بشكل علاجي مع المريض لأن هذه مسئولية اجتماعية.
وقد وضعت وزارة الصحة تعميما ينبه على حقوق المرضى يحوي العديد من المحاور منها أن يستهدف العمل الصحي مصلحة المريض بأن يبذل « الممارس الصحي» جهده لكل مريض وأن يكون الجهد خالصا لمصلحة المريض وكذلك أن يتلقى المريض الرعاية المتكاملة لتشمل الدوائية والاجتماعية والنفسية والروحية هذا هو التوافق العلاجي الذي يحتاج إليه المريض ، وتأتي المعاملة الحسنة وحفظ أسرار المريض وستر عورته ، ومن حقوق المريض أيضا حصوله على معلومات كافية من الطبيب عن حالته إن كانت تسمح له باستيعابها أما إذا لم يكن فمن حق ولي الأمر تلقي تلك المعلومات.
- الخطيب : هناك اختلاف بسيط بالنسبة لمرضى « الذهان» من حق المريض أن يختار أن يتعالج أو لا ، هناك بعض الضوابط في الدول الغربية لعلاج المرضى النفسيين وهذا القانون يضبط العلاقة بين المريض والطبيب والأسرة وطريقة وساعات العلاج فإذا كانت هناك ضرورة لمعالجة المريض قسرا فهذا حماية للمريض حتى لا يؤذي نفسه أو المحيطين به.
- دانية : بحكم تخصصي لهذا يمكن أن يكون هناك خلاف بيني وبين الأطباء فهم يستخدمون العقاقير وأنا أعتمد على العلاج الإيحائي العصبي حيث لدينا قاعدة متبعة إذ يجب أن لا نشعر المريض بأنه مريض وأن هذه عيادة نفسية ونحن نتعامل معه كشخص سوي ونردد له بأن كلا منا في حاجة إلى استشارة في حياته حتى يلاحظ نقطة الضعف التي يعاني منها ، ومن أهم حقوق المريض تحطيم الفكرة القديمة بالنسبة للمرض النفسي والتعامل معه كأي مرض عضوي آخر بالنسبة للمحيطين به وأن تتاح له الفرصة للاستعداد والتأهيل للعلاج كذلك يجب عدم فصل المرضى النفسيين عن المجتمع وتيسير العلاقة بين المريض والمعالج.
الحاجة للعمل
العمل والاعتماد على النفس والاكتفاء بالذاتي من الضروريات الحياتية لكل إنسان ، المريض النفسي بعد شفائه لماذا ترفض المؤسسات وأصحاب العمل استخدامه ؟
- الخطيب: بالنسبة لجهات العمل لديها نوع من التحفظ لعمل المرضى والمصابين بالاضطرابات النفسية لأن هناك عدم ثقة في إمكانية أداء المريض النفسي بما يكلف به من عمل مما يؤثر على العمل المؤسسي ، كما أنه لا توجد ضوابط أو قواعد تجبر جهات العمل على تشغيل مثل هؤلاء الأشخاص وهم من فئة تسمى بذوي الاحتياجات الخاصة فهم بحاجة إلى نوع من الضوابط أو التنسيق بين جهات العمل ومراعاة ظروفهم النفسية مثل تخفيض الحصص ان كان مدرسا وإجازة الحضور متأخرا.
- الجندي: هناك إشكالية في هذا الموضوع فإذا تكلمنا عن القطاع الخاص فهناك حرص كبير على استخدام أفضل الإمكانيات البشرية المتاحة فمثلا لو تقدم لصاحب العمل ثلاثة أشخاص أحدهم لم يواجه متاعب نفسية وليس لديه خبرة كافية والآخران لديهما تاريخ نفسي ولكن إمكانياتهما الفكرية والعملية وخبرتهما ممتازة فبالطبع سيكون العمل من نصيب الشخص السليم ، فالقطاع الخاص له ضوابط لأن أغلب الأعمال تتطلب أنواعا من الثبات والتركيز لا تتوفر في أغلب الأحيان للمرضى النفسيين وكذلك بالنسبة للقطاع العام الذي له نظمه وأسسه وقواعده الخاصة ، المجتمع مازال في حاجة لزيادة وعيه بحق المريض النفسي في الانخراط في المجتمع بعد شفائه وهناك أمثلة كثيرة لشباب انخرطوا في العمل بعد شفائهم وأثبتوا جدارتهم في العمل وحازوا على ثقة صاحب العمل والعاملين .
المرض النفسي والانتحار
المرض النفسي هل يكون عاملا من عوامل الانتحار ؟ وهل هناك حالات مسجلة ؟
- الخطيب : هناك بعض أنواع المرض النفسي التي تؤدي إلى الانتحار مثل « الاكتئاب» و« انفصام الشخصية» وبعض من الذين يراجعون العيادات النفسية ولديهم مشاكل وبالنسبة لعدد الحالات فقد أكدت الدراسات أنه لا توجد حالات انتحار كثيرة في المجتمعات الإسلامية والدول التي تلتزم بالضوابط.
- الجندي : لو تكلمت عن الإدمان والانتحار فإن نسبة انتحار مدمن المخدرات ومدمن الكحول أكثر من الأشخاص الأسوياء كما أن هناك كثيرا من الدراسات المقارنة وجدت أن نسبة الانتحار لدى المسلمين أقل حتى تلك الدراسات التي أجريت على المسلمين البريطانيين من شرق آسيا، وهذا لا يمنع أن تكون هناك بعض الحالات والاضطرابات النفسية التي تزيد من احتمال نسبة الانتحار .
إدمان النساء
المــرأة هذا المخــلوق الرقيق هل تكون أكثر عرضة للأمراض النفسية من الرجل ؟ وما أسباب ذلك ؟
- الخطيب: أكدت بعض الدراسات أن الاكتئاب عند النساء في سن معينة أكثر من الرجال كما أن بعض الاضطرابات النفسية مقصورة على الرجال أو بنسبة قليلة عند السيدات مثل الاضطرابات السلوكية المعادية للمجتمع فمشكلة الإدمان واستخدام العقاقير هي مشكلة كبيرة عند الرجال كما أكدت الدراسات وكذلك عند النساء ولكن بنسبة اقل.
- الجندي: هناك اضطرابات نفسية نسبتها أكثر عند المرأة وهناك اضطرابات نسبتها أكثر عند الرجل وهناك اضطرابات نسبتها متساوية عند الرجل والمرأة أما الإدمان ففي بلدنا وفي كل دول العالم نسبة الإدمان عند الرجل أكثر من الإناث وبالرغم من أن نسبة الإدمان في الغرب عند الإناث تتزايد ولكننا من المؤكد أن النسبة عند الذكور أكثر ولهذا أسبابه التي تتلخص في توفر المادة والضوابط الاجتماعية للمرأة كما أن احتمال المرأة للكحول اقل لوجود أنزيمات تختلف فيها عن الرجل بحيث تظهر فيها أعراض الكحول أكثر من الرجل بينما يتحمل الرجل جسديا .
العلاج حق مكفول
من حق المواطن على الدولة حق العلاج والتأمين الصحي،، لماذا يستثنى العلاج النفسي من التأمين الصحي في بعض الشركات ؟
- الخطيب : التأمين الطبي دائما يتجنب الأمراض المزمنة بشكل عام ويتلافى التكلفة العالية ليس بالنسبة للمرض النفسي بل للأمراض الأخرى أيضا – مثلا – أمراض الأسنان لا تشمل التأمين الطبي ، أما بالنسبة للأمراض النفسية فهناك خدمات علاجية وقائية ترفيهية فالعلاج يمكن أن يشملها التأمين الطبي أما الاضطرابات النفسية المزمنة فكما أشرنا سابقا هي عالية التكلفة لذلك لا يشملها التأمين الطبي .
- الجندي: هذا السؤال يمكن أن تجيب عليه شركات التأمين فأنا أعتقد أن يكون هناك تعميم بشكل عام لأن الأمراض النفسية كثيرة ويمكن علاجها كما أن هناك أدوية غالية الثمن لا يســتطيع المريض شراءها.
المرضى والقانون
القوانين هي التي تحمي المواطن، أين هي قوانين الحماية والرعاية والعلاج القسري بالنسبة للمريض النفسي ؟
- الخطيب: هناك قانون وضوابط لعلاج الحالات النفسية معروضة على الجهات المختصة منذ فترة ولا تزال قيد البحث والدراسة ونتمنى أن تنفذ في أقرب فرصة بإذن الله ، والنظام يشمل المريض الذي يدخل المستشفى « قسرا» وما يترتب على بقائه في المستشفى القانون الآن معروض على الجهات العليا ويشمل الأطباء ورجال القانون والجهات الأمنية والشرعية و هناك أكثر من جهة مختصة تدرس الموضوع .
- الجندي : سأركز على موضوع المدمن بعد أن تكلم الزميل عن الأمراض النفسية عموما وبما أنني أعمل الآن في مجال الإدمان فهناك نظام بالنسبة لمستشفيات الأمل وهو ما يسمى بتوحيد الفقرات ومتى يدخل المريض « قسرا» أما بالنسبة للحماية والعلاج القسري فهذا معتمد من وزارة الصحة بالتنسيق مع الداخلية.
نظرة المجتمع السلبية
المريض النفسي هو جزء من المجتمع الممتد، لماذا حتى الآن هذه النظرة سالبة إليه وما هي الأسباب والحلول ؟
- دانية : النظرة السالبة للمريض النفسي نظرة خاطئة تدل على عدم الوعي بمفهوم المرض النفسي حيث ارتبط هذا بضعف العقل أو الجنون ومن الضروري توعية المجتمع بأن المرض النفسي مثل أي مرض آخر قابل للعلاج وعودة المريض لحياته الطبيعية لهذا فمن الحلول التي يمكن أن تؤدي إلى نتيجة هي التواصل بين الأخصائيين النفسيين والاجتماعيين وبين المجتمع حتى تتم الألفة والتواصل والتوعية والتقليل من المفاهيم الخاطئة حول المرض النفسي .
- الجندي : من أهم الأسباب لمفهوم المرض النفسي « الجهل» فمازال الكثير من الناس يجهلون طبيعة الأمراض النفسية بحيث يعتبرون المريض النفسي شخصا « مجنونا» فهذا الربط يجعل البعض يحجم عن المعالجة حتى تتفاقم الحالة النفسية ، ولهذا يجب ان تتغير نظرة المجتمع للمريض النفسي وهنا يبرز دور الاعلام تغيير هذه النظرة.