حين دعيت لزيارة نجران، كان في ذهني عنها صورة جد بائسة، سواء من حيث الحضارة أو من حيث المناخ الطبيعي، ولكن بمجرد ما هبطت الطائرة على أرض المطار تبخرت الصورة المتخيلة سابقا. وجدتني وسط عالم مختلف تماما عما كان مرسوما في ذهني من قبل. كانت أول مفاجأة لي مطار نجران الحديث، فهو على صغره إلا أنه مصمم بطريقة حديثة وأنيقة يعطي للزائر انطباعا جميلا عن المنطقة كلها.
حين تبدأ رحلتك داخل مدينة نجران تفاجأ بمناخها البديع، فهي معتدلة في درجة حرارتها وفي مستوى رطوبتها، هي ليست كرياضنا التي تحرق جلودنا بجفافها وليست كجدتنا التي تغرقنا في نداها. نجران واد تطوقه الجبال التي تنتشر فيها الغابات الكثيفة، وتتناثر فيها أشجار السمر والسرح والطلح والبان وغيرها، وحين تلتقي بأبناء نجران تقابلك السماحة ترتسم على الوجوه الباشة تغمرك بكريم الضيافة وطيب الترحاب.
نجران منطقة تستحق الحب، فهي إلى جانب جمالها الطبيعي، وجبالها الخالدة بحجارتها النارية التي تظهر على بعضها نقوش مميزة تعكس التاريخ العريق لنجران، توجد فيها آثار تاريخية قديمة جدا بعضها يمتد إلى العصر الحجري، إلى جانب آثار أحدث كالنقوش والرسوم والكتابات الثمودية والخط المسند والكوفي الموجودة في منطقة بئر حما، إضافة إلى وجود مدينة الأخدود التاريخية التي وردت الإشارة إليها في القرآن الكريم والتي تقع في قرية القابل موقع مدينة نجران القديمة.
حين أرى مثل هذه المناطق الجميلة والتاريخية في بلادي، أشعر أن من واجب وزارة التربية والتعليم تنظيم رحلات طلابية مستمرة ليطلع الطلاب والطالبات على المناطق المختلفة من بلادهم، واحتساب الزيارة ضمن البرنامج التعليمي في مقررات التاريخ والجغرافيا أو غيرهما، فكم من المعرفة يفتقد حين لا تكون مثل هذه الزيارات.
كانت زيارتنا لنجران لحضور الاحتفال باليوم الوطني، وهي بالنسبة لي أول مرة أشعر فيها بالاحتفال الحقيقي بهذه المناسبة العزيزة، أقيم الاحتفال في ملاعب التعليم وكان هناك حضور كبير من أبناء نجران، (وإن خلا من بناتها) ورأيت السعادة والابتهاج، على ملامحهم وهم يتابعون برنامج الاحتفال، كانت هناك عروض شعبية من الفن النجراني وعروض للألعاب النارية والتحليق الشراعي وكان البرنامج جميلا ومنظما والاستعدادات له متقنة، مما يعكس قدرات أبناء نجران وحبهم وإخلاصهم لبلادهم.
اختتمت الزيارة بلقاء مع سمو أمير المنطقة مشعل بن عبدالله، حين استقبلنا في مجلسه رأينا شابا سمح المحيا، دمث الخلق، واسع الصدر، يتركك تتحدث كما تشاء ويظل هو صامتا مصغيا، كنا مجموعة من السيدات تتسابق إلى الحديث الشاكي، وإلى طرح المطالب واحدة إثر أخرى، وكان هو يسمع، ويسمع، ويسمع في غاية الصبر والإصغاء، ولا ترى على محياه سوى الابتسامة، كان يبدو متفائلا وهو يتحدث عن وضع المرأة ومكانتها في المجتمع، غادرنا مجلسه شاكرات ونحن نرجو أن يثمر لقاؤنا به شيئا طيبا للمرأة، في نهار اليوم التالي فوجئنا بالقرارات الملكية القاضية بتمكن المرأة من عضوية مجلس الشورى والمجلس البلدي مرشحة ومنتخبة، فأدركنا آنئذ أن تفاؤل الأمير مبني على حق.