كنت أستمتع بقراءة قصيدة «سيف العشق» للشاعر مساعد الرشيدي قبل التفكير بالكتابة عنها.. كان طلال حمزة يطلّ عليّ بين لحظة وأخرى وهو يقول بأصوات متعددة وبنبرات مختلفة:
لو يسألون الناس وش أعجبك فيه
قولي لهم شفته بحالة كتابة
لهذا كنت أنتقل من قراءة القصيدة إلى ما وراء القصيدة.. ليس بمعناه العام الشامل بل بمعناه الخاص المحدد.. ألا وهو الشاعر.. كيف كان يبدو متجليا وهو يمارس هذا العزف المنفرد على أوتار الخليل. أحاول أن أقف على نقطة تفصل الاثنين عن بعضهما البعض.. الشاعر والقصيدة.. لأتمكن من رؤية الاثنين معا. عندما قرأت هذا النص منذ سنوات طويت القصيدة جانبا، ووضعتها في مكان خاص.. كان نصا فريدا فتح لي النوافذ، وشرع لي الأبواب، وجعلني أطلّ عليه من أكثر من نافذة، وأدخل معه إلى عالم الشعر من أبواب متعددة.
نفس عاطفي فياض... ولغة شعرية متوثبة
«كلمات ليست كالكلمات» كما يقول نزار قباني
كيف أطفي الريح بثيابك وكيف أشعلك
كيف أتنثر على جمرك وكيف أحتويك
مطلع قصيدة يضج بسؤال من الصعب الإجابة عليه في هذا المرور.. ومن الصعب تركه يمر هكذا دون الوقوف عنده مطلع يتوثب، يريد سحق الآخر المقابل له بطريقة لا يجيدها إلا العاشق الشاعر أو الشاعر العاشق.. لقد وجد لذة الحياة في الموت.. الموت بين غابات الزعتر.
إن تكرار أداة السؤال (كيف)أربع مرات في هذا البيت المتبوعة بأربعة أفعال مضارعة (أطفي أشعلك أتنثر أحتويك)الدالة على استمرارية حركة الغرام المتوثبة، توحي بأن الشاعر في وضع غير متزن وغير منضبط، لم يستطع فيه السيطرة على نفسه وعلى مشاعره وتصرفاته.. و جاءت الأسئلة ولا سيما السؤالين الأولين كمفتاح للسؤال الثالث أو كمحصلة نهائية لتوضيح السؤال الثالث.
نقضت ليل الحرير، وجيت ما أنت لــ... هلك
سميت باللي فتني بك وقلت أفتديك
تتجدد الصورة السابقة، و يتلذذ الشاعر بالجمع بين الانتشار على غابات الزعتر والاستمتاع بالتعلق بأغصان التوت.. لهذا يعلن الشاعر الاستسلام والتسليم لهذه القوة الكونية الجبارة التي قدمت له محبوبته من عالم الأزل وألبستها تاج الجمال والفتنة.
هذا أول الدرب، أو هذا الطريق أولك
جيت أتوقى عذابات المدى وأهتديك
لو كان الشاعر مبتدئا لجعل هذا البيت مطلع القصيدة، لأنه يحمل ملامح البداية للوهلة الأولى.. لكنه فضّل أن يكون هنا، وكأنه بدأ القصيدة من المنتصف أو أعلى المنتصف، وكأن البيتين السابقين توطئة لهذا النص الشعري الجميل.
لا يوجد سبب مقنع حقيقة لاتخاذ هذا الرأي، لكنه إحساس ينتابني في كل مرة أعود فيها لقراءة هذه القصيدة.
شوقي مسافة، وهمساتك مدار وفلك
إن ما ضميتك غلا.. يا علّني ما أرتويك
هنا تبرز ملامح العلاقة الحميمية بين الشاعر ومعشوقته.. و انتقل الشاعر إلى جغرافيا الحب، ولعل تداعيات النزوة وثورة الحب المتفجرة لدى الشاعر فرضت نفسها عليه من خلال سياف الشوق والحنين (مسافة مدار فلك ). وإذا عدنا إلى البيت السابق قليلا نرى (الدرب الطريق )وهي أماكن ضيقة اجتازها الشاعر إلى ما هو أوسع وأرحب ككلمة (المدى )التي في نفس البيت، ثم (مسافة مدارــ فلك ).
إيه أعرفك، وأعرف إني من غلاك أشتاق
مرات أضمك وأخاف إني.. مشبه عليك
يلجأ الشاعر للإجابة على سؤال طرحه في ذهنه والإجابة عليه بهذه الصيغة، كمحاولة منه لتفريغ ما في نفسه من مواقف سابقة يريد التخلص منها لمواصلة العيش معها.
في هذا البيت تتضح الصورة أمام الشاعر وتتلاشى حتى يصعب الفصل بين الموقفين: موقف المعرفة.. وموقف الجهل.
المعرفة الكامنة في قوله (أضمك ).. والجهل الواضح في قوله (مشبه عليك ).
مرات أشوفك بنفس الوقت وأتخيلك
وأنشد كفوفي عن آخر سالفة من يديك
يتمدد المشهد ويتواصل لا يتشابه أو يتطابق.. ويمكن للقارئ أن لا يعتقد هذا الاعتقاد، ولعله يكون محقا في هذا الزعم.
أعنّ لك لو تصبّ الموت وأتهيّلك
وأجوع لك، وأتمنى خنجرك واشتهيك
المتمعن في النظر لهذا النص يرى كمية لا بأس بها من التضادات والتناقضات تنساب بين جيوب النص كــ (أطفي أشعلك)و (أتنثر أحتويك)وذلك في البيت الأول، و (أعرفك أجهلك )في البيت الخامس. وهذه الأمثلة متكررة في النص. وهذا البيت لا ينسلخ عن الإطار العام للقصيدة، حيث يستمر الشاعر في نفس السياق، وهو سياق التناقض.. تناقض المشاعر إلى درجة التشابه والتوحد.. التشابه مع المحبوبة في حرارة اللقاء, والتوحد عنها في بعض المواقف للشعور بنوع من التميز والقدرة على السيطرة.
ونترك لقارئ البيت التالي التمعن ورؤيّة مايريد الشاعر الوصول اليه, مركزا على عبارة (سيف العشق )حيث يريد الشاعر طمأنة المحبوبة لتمضي معه إلى آخر ما يريد.
ما قلت لك.. عمر سيف العشق ما يقتلك
.ما تشوفني حي قدامك وأنا أموت فيك
أستطيع أن أقول ورغم إعجابي الشديد بهذا النص إن الشاعر كان في هذا البيت ساديّ النزعة، يتلذذ بتعذيب فريسته التي في الأبيات السابقة محبوبته.. وفي هذا التعذيب المستمر لذة استمرارية له.. فقد استخدم في مجال القتل، الفعل المضارع (يقتلك )الدال على الاستمرارية، وكذلك استخدم في مجال التلذذ والإحساس بالمتعة الفعل المضارع (أموت )الدال هو الآخر على الاستمرارية كذلك.
اشتقت لك قبل أجيك وجيت واشتقت لك
البارحة طول ليلي بين هذي.. وذيك
مليت جمر انتظارك واستحيت أسألك
واحسبتني ما بعد جيتك وفكرت أجيك
لا زال الانعزال الذهني مستمرا مع الشاعر، مما يدل على طول فترة اللقاء والاستمتاع.. وما يؤكد هذا الكلام كثرة استعمال الشاعر للكلمات المتضادة والعبارات المتقابلة الموحية بتردد الحركة على مستوى السلوك والمشاعر.. إن هذا التضاد أو ذلك التقابل لم يكونا قسرا على هذا البيت، بل في كل أو غالب أبيات هذه القصيدة، وهذا يدل على أن حالتي الشاعر الوعي واللاوعي اشتركتا في كتابة هذا النص، حيث استحضر الشاعر كل أبجديات اللقاء بكل تفاصيله.
أثرك بقلبي من البارح وأنا أستعجلك
وأثري نسيتك من الفرحة وقمت أحتريك
هنا نصل إلى آخر القصيدة المكتوبة وأول القصيدة الحقيقية.. القصيدة التي لم يكتبها الشاعر، وتركنا نحن نتخيلها بطريقتنا من خلال هذا التداعي الجميل للكلمات والمشاعر.
لو يسألون الناس وش أعجبك فيه
قولي لهم شفته بحالة كتابة
لهذا كنت أنتقل من قراءة القصيدة إلى ما وراء القصيدة.. ليس بمعناه العام الشامل بل بمعناه الخاص المحدد.. ألا وهو الشاعر.. كيف كان يبدو متجليا وهو يمارس هذا العزف المنفرد على أوتار الخليل. أحاول أن أقف على نقطة تفصل الاثنين عن بعضهما البعض.. الشاعر والقصيدة.. لأتمكن من رؤية الاثنين معا. عندما قرأت هذا النص منذ سنوات طويت القصيدة جانبا، ووضعتها في مكان خاص.. كان نصا فريدا فتح لي النوافذ، وشرع لي الأبواب، وجعلني أطلّ عليه من أكثر من نافذة، وأدخل معه إلى عالم الشعر من أبواب متعددة.
نفس عاطفي فياض... ولغة شعرية متوثبة
«كلمات ليست كالكلمات» كما يقول نزار قباني
كيف أطفي الريح بثيابك وكيف أشعلك
كيف أتنثر على جمرك وكيف أحتويك
مطلع قصيدة يضج بسؤال من الصعب الإجابة عليه في هذا المرور.. ومن الصعب تركه يمر هكذا دون الوقوف عنده مطلع يتوثب، يريد سحق الآخر المقابل له بطريقة لا يجيدها إلا العاشق الشاعر أو الشاعر العاشق.. لقد وجد لذة الحياة في الموت.. الموت بين غابات الزعتر.
إن تكرار أداة السؤال (كيف)أربع مرات في هذا البيت المتبوعة بأربعة أفعال مضارعة (أطفي أشعلك أتنثر أحتويك)الدالة على استمرارية حركة الغرام المتوثبة، توحي بأن الشاعر في وضع غير متزن وغير منضبط، لم يستطع فيه السيطرة على نفسه وعلى مشاعره وتصرفاته.. و جاءت الأسئلة ولا سيما السؤالين الأولين كمفتاح للسؤال الثالث أو كمحصلة نهائية لتوضيح السؤال الثالث.
نقضت ليل الحرير، وجيت ما أنت لــ... هلك
سميت باللي فتني بك وقلت أفتديك
تتجدد الصورة السابقة، و يتلذذ الشاعر بالجمع بين الانتشار على غابات الزعتر والاستمتاع بالتعلق بأغصان التوت.. لهذا يعلن الشاعر الاستسلام والتسليم لهذه القوة الكونية الجبارة التي قدمت له محبوبته من عالم الأزل وألبستها تاج الجمال والفتنة.
هذا أول الدرب، أو هذا الطريق أولك
جيت أتوقى عذابات المدى وأهتديك
لو كان الشاعر مبتدئا لجعل هذا البيت مطلع القصيدة، لأنه يحمل ملامح البداية للوهلة الأولى.. لكنه فضّل أن يكون هنا، وكأنه بدأ القصيدة من المنتصف أو أعلى المنتصف، وكأن البيتين السابقين توطئة لهذا النص الشعري الجميل.
لا يوجد سبب مقنع حقيقة لاتخاذ هذا الرأي، لكنه إحساس ينتابني في كل مرة أعود فيها لقراءة هذه القصيدة.
شوقي مسافة، وهمساتك مدار وفلك
إن ما ضميتك غلا.. يا علّني ما أرتويك
هنا تبرز ملامح العلاقة الحميمية بين الشاعر ومعشوقته.. و انتقل الشاعر إلى جغرافيا الحب، ولعل تداعيات النزوة وثورة الحب المتفجرة لدى الشاعر فرضت نفسها عليه من خلال سياف الشوق والحنين (مسافة مدار فلك ). وإذا عدنا إلى البيت السابق قليلا نرى (الدرب الطريق )وهي أماكن ضيقة اجتازها الشاعر إلى ما هو أوسع وأرحب ككلمة (المدى )التي في نفس البيت، ثم (مسافة مدارــ فلك ).
إيه أعرفك، وأعرف إني من غلاك أشتاق
مرات أضمك وأخاف إني.. مشبه عليك
يلجأ الشاعر للإجابة على سؤال طرحه في ذهنه والإجابة عليه بهذه الصيغة، كمحاولة منه لتفريغ ما في نفسه من مواقف سابقة يريد التخلص منها لمواصلة العيش معها.
في هذا البيت تتضح الصورة أمام الشاعر وتتلاشى حتى يصعب الفصل بين الموقفين: موقف المعرفة.. وموقف الجهل.
المعرفة الكامنة في قوله (أضمك ).. والجهل الواضح في قوله (مشبه عليك ).
مرات أشوفك بنفس الوقت وأتخيلك
وأنشد كفوفي عن آخر سالفة من يديك
يتمدد المشهد ويتواصل لا يتشابه أو يتطابق.. ويمكن للقارئ أن لا يعتقد هذا الاعتقاد، ولعله يكون محقا في هذا الزعم.
أعنّ لك لو تصبّ الموت وأتهيّلك
وأجوع لك، وأتمنى خنجرك واشتهيك
المتمعن في النظر لهذا النص يرى كمية لا بأس بها من التضادات والتناقضات تنساب بين جيوب النص كــ (أطفي أشعلك)و (أتنثر أحتويك)وذلك في البيت الأول، و (أعرفك أجهلك )في البيت الخامس. وهذه الأمثلة متكررة في النص. وهذا البيت لا ينسلخ عن الإطار العام للقصيدة، حيث يستمر الشاعر في نفس السياق، وهو سياق التناقض.. تناقض المشاعر إلى درجة التشابه والتوحد.. التشابه مع المحبوبة في حرارة اللقاء, والتوحد عنها في بعض المواقف للشعور بنوع من التميز والقدرة على السيطرة.
ونترك لقارئ البيت التالي التمعن ورؤيّة مايريد الشاعر الوصول اليه, مركزا على عبارة (سيف العشق )حيث يريد الشاعر طمأنة المحبوبة لتمضي معه إلى آخر ما يريد.
ما قلت لك.. عمر سيف العشق ما يقتلك
.ما تشوفني حي قدامك وأنا أموت فيك
أستطيع أن أقول ورغم إعجابي الشديد بهذا النص إن الشاعر كان في هذا البيت ساديّ النزعة، يتلذذ بتعذيب فريسته التي في الأبيات السابقة محبوبته.. وفي هذا التعذيب المستمر لذة استمرارية له.. فقد استخدم في مجال القتل، الفعل المضارع (يقتلك )الدال على الاستمرارية، وكذلك استخدم في مجال التلذذ والإحساس بالمتعة الفعل المضارع (أموت )الدال هو الآخر على الاستمرارية كذلك.
اشتقت لك قبل أجيك وجيت واشتقت لك
البارحة طول ليلي بين هذي.. وذيك
مليت جمر انتظارك واستحيت أسألك
واحسبتني ما بعد جيتك وفكرت أجيك
لا زال الانعزال الذهني مستمرا مع الشاعر، مما يدل على طول فترة اللقاء والاستمتاع.. وما يؤكد هذا الكلام كثرة استعمال الشاعر للكلمات المتضادة والعبارات المتقابلة الموحية بتردد الحركة على مستوى السلوك والمشاعر.. إن هذا التضاد أو ذلك التقابل لم يكونا قسرا على هذا البيت، بل في كل أو غالب أبيات هذه القصيدة، وهذا يدل على أن حالتي الشاعر الوعي واللاوعي اشتركتا في كتابة هذا النص، حيث استحضر الشاعر كل أبجديات اللقاء بكل تفاصيله.
أثرك بقلبي من البارح وأنا أستعجلك
وأثري نسيتك من الفرحة وقمت أحتريك
هنا نصل إلى آخر القصيدة المكتوبة وأول القصيدة الحقيقية.. القصيدة التي لم يكتبها الشاعر، وتركنا نحن نتخيلها بطريقتنا من خلال هذا التداعي الجميل للكلمات والمشاعر.