واستكمالا لمناقشتنا لموضوع الموقف الشرعي من الأخطاء الطبية فان نستعيد قول الإمام الشافعي عن الطبيب الحاذق الذي لم تخطئ يده، ولكن مات العليل «فلا عقل (أي دية) ولا مأخوذية (أي مسؤولية) إن حسنت نيته لله تعالى». (انظر الكتاب الأم الشافعي ج6/186.
قال ابن القيم: «والقسم الثاني: متطبب جاهل باشرت يده من يطبه فتلف بهذا، فإن علم المجني عليه أنه جاهل لا علم له وأذن له في طبه لم يضمن». وقد خالف أغلب العلماء ابن القيم في ذلك بناء على الأحاديث الواردة.
قال الإمام الخطابي: «لا أعلم خلافا في أن المعالج إذا تعدى فتلف المريض كان ضامنا» والتعدي يكون بممارسته للطب بدون علم طب وبدون إذن من الجهة المختصة، كما يكون بدون إذن المريض أو وليه (ما عدا في الحالات الإسعافية المستعجلة)، وقال ابن رشد الحفيد في بداية المجتهد ونهاية المقتصد «لا خلاف أنه إذا لم يكن من أهل الطب يضمن لأنه متعد».
وكل هؤلاء الممارسين من مدعي الطب (الشعبي والدجالين) الذين لم يحصلوا على تصريح بممارسة المهنة الطبية من الجهات المختصة يجب أن يعاقبوا، كما تنص على ذلك أحاديث الرسول الكريم ــ صلى الله عليه وسلم، ويجب أن يضمنوا ما تلف من المرضى.
وقال ابن غنيم النفرادي المالكي في «الفواكه الدوائي»: إن عالج بالطب المريض ومات من مرضه لا شيء عليه بخلاف الجاهل أو المقصر، فإنه يضمن ما نشأ من فعله.. وقد أوضح أن الطبيب إذا كان عارفا بالطب مأذونا له ولم يقصر فمات العليل فلا شيء عليه وإما إن كان جاهلا بالطب فعليه العقوبة والضمان.
ويستمر ابن القيم ــ رحمه الله ــ في تقسمه للأطباء: «والقسم الثالث: طبيب حاذق أذن له، وأعطى الصنعة حقها، لكنه أخطأت يده، وتعدت إلى عضو صحيح فأتلفته، مثل إن سبقت يده إلى الكمرة (أي الحشفة التي على القضيب التي تزال في الختان)، فهذا يضمن لأنها جناية خطأ، ثم إن كان الثلث فما زاد فهو على عاقلته، فإن لم تكن له عاقلة: فهل تكون الدية في ماله أو في بيت المال؟ على قولين: هما روايتان لأحمد».
«والقسم الرابع: الطبيب الحاذق الماهر بصناعته اجتهد فوصف للمريض دواء فأخطأ في اجتهاده فقتله، فهذا يخرج على روايتين: إحداهما أن دية المريض في بيت المال، والثانية أنها على عاقلة الطبيب».
«والقسم الخامس: طبيب حاذق أعطى الصنعة حقها فقطع سلعة من رجل أو صبي أو مجنون بغير إذنه أو إذن وليه، أو ختن صبيا بغير إذن وليه فتلف، قال بعض أصحابنا: يضمن، لأنه تولد من فعل غير مأذون فيه. وإن أذن البالغ أو ولي الصبي أو المجنون لم يضمن».
هذه هي القمة السامقة التي وصل إليها علماء الإسلام في عصور الحضارة الإسلامية الزاهية. وهي مبنية على أحكام الشرع الحنيف، وكلها تجعل الطبيب الحاذق الماهر بصناعته والمأذون له من جهة الشارع (أي الدولة) ومن جهة من يطبه (أي المريض أو وليه) خاليا من المسؤولية الجنائية مطلقا. وإن حدث خطأ منه فتكون عليه مسؤولية مدنية أي الضمان. والضمان يقع على العاقلة أو الدولة، فإذا استبدلنا العاقلة بالتأمين التعاوني المقبول شرعا فإن ذلك يكفي.
وعليه، فإنه لا يوجد أي مبرر شرعي لمنع الطبيب المتهم بالخطأ الطبي من السفر، وبخاصة أن القضايا تبقى معلقة لعدة سنوات، وطالما أن هناك من يضمن دفع التعويض المطلوب (من جهة التأمين على الأطباء أو أي جهة كانت)، فلا يوجد أي مبرر شرعي لمنع الطبيب الذي وقع منه الخطأ من السفر إلا في حالة اتهامه بجرم جنائي مثل تعمد قتل المريض أو الإضرار به. وهذا لا يحدث في المجال الطبي إلا في حالات نادرة جدا.
وما تنشره الصحافة على لسان أهالي المرضى من المطالبة بالقصاص وشرع الله هو أمر مخالف لشرع الله، فالخطأ الطبي ليس له عقوبة في الشرع الإسلامي سوى الضمان والتعويض عن الضرر إذا ثبت، ويقع في الغالب على العاقلة أو الدولة (بيت المال) وفي العصور الحديثة يمكن أن يقع على التأمين التعاوني.
وما عدا حالات الجرم الجنائي، وهو أمر نادر جدا في الطب، فإن الأخطاء الطبية مجالها التعويض والضمان (TORT). وبالمقارنة فإن حوادث السيارات لدينا تقتل كل عام أحد عشر ألف نسمة وتصيب بالجروح والعاهات عشرات الآلاف، ومع ذلك لا يقع على المتسبب في هذه الحالات سوى الضمان والدية، وعقوبة السجن أحيانا للتعدي على الحق العام. أما القصاص فلا يطالب به أحد، مع أن كثيرا من هذه الحوادث تقع تحت بند شبه العمد من الناحية الشرعية، وينبغي أن تكثف عليها العقوبات، وإن لم تصل إلى حد القصاص، والله يحفظ الأمة من الخطأ والزلل في الطب والمرور وفي جميع مجالات الحياة، وهو الهادي إلى سواء السبيل.
قال ابن القيم: «والقسم الثاني: متطبب جاهل باشرت يده من يطبه فتلف بهذا، فإن علم المجني عليه أنه جاهل لا علم له وأذن له في طبه لم يضمن». وقد خالف أغلب العلماء ابن القيم في ذلك بناء على الأحاديث الواردة.
قال الإمام الخطابي: «لا أعلم خلافا في أن المعالج إذا تعدى فتلف المريض كان ضامنا» والتعدي يكون بممارسته للطب بدون علم طب وبدون إذن من الجهة المختصة، كما يكون بدون إذن المريض أو وليه (ما عدا في الحالات الإسعافية المستعجلة)، وقال ابن رشد الحفيد في بداية المجتهد ونهاية المقتصد «لا خلاف أنه إذا لم يكن من أهل الطب يضمن لأنه متعد».
وكل هؤلاء الممارسين من مدعي الطب (الشعبي والدجالين) الذين لم يحصلوا على تصريح بممارسة المهنة الطبية من الجهات المختصة يجب أن يعاقبوا، كما تنص على ذلك أحاديث الرسول الكريم ــ صلى الله عليه وسلم، ويجب أن يضمنوا ما تلف من المرضى.
وقال ابن غنيم النفرادي المالكي في «الفواكه الدوائي»: إن عالج بالطب المريض ومات من مرضه لا شيء عليه بخلاف الجاهل أو المقصر، فإنه يضمن ما نشأ من فعله.. وقد أوضح أن الطبيب إذا كان عارفا بالطب مأذونا له ولم يقصر فمات العليل فلا شيء عليه وإما إن كان جاهلا بالطب فعليه العقوبة والضمان.
ويستمر ابن القيم ــ رحمه الله ــ في تقسمه للأطباء: «والقسم الثالث: طبيب حاذق أذن له، وأعطى الصنعة حقها، لكنه أخطأت يده، وتعدت إلى عضو صحيح فأتلفته، مثل إن سبقت يده إلى الكمرة (أي الحشفة التي على القضيب التي تزال في الختان)، فهذا يضمن لأنها جناية خطأ، ثم إن كان الثلث فما زاد فهو على عاقلته، فإن لم تكن له عاقلة: فهل تكون الدية في ماله أو في بيت المال؟ على قولين: هما روايتان لأحمد».
«والقسم الرابع: الطبيب الحاذق الماهر بصناعته اجتهد فوصف للمريض دواء فأخطأ في اجتهاده فقتله، فهذا يخرج على روايتين: إحداهما أن دية المريض في بيت المال، والثانية أنها على عاقلة الطبيب».
«والقسم الخامس: طبيب حاذق أعطى الصنعة حقها فقطع سلعة من رجل أو صبي أو مجنون بغير إذنه أو إذن وليه، أو ختن صبيا بغير إذن وليه فتلف، قال بعض أصحابنا: يضمن، لأنه تولد من فعل غير مأذون فيه. وإن أذن البالغ أو ولي الصبي أو المجنون لم يضمن».
هذه هي القمة السامقة التي وصل إليها علماء الإسلام في عصور الحضارة الإسلامية الزاهية. وهي مبنية على أحكام الشرع الحنيف، وكلها تجعل الطبيب الحاذق الماهر بصناعته والمأذون له من جهة الشارع (أي الدولة) ومن جهة من يطبه (أي المريض أو وليه) خاليا من المسؤولية الجنائية مطلقا. وإن حدث خطأ منه فتكون عليه مسؤولية مدنية أي الضمان. والضمان يقع على العاقلة أو الدولة، فإذا استبدلنا العاقلة بالتأمين التعاوني المقبول شرعا فإن ذلك يكفي.
وعليه، فإنه لا يوجد أي مبرر شرعي لمنع الطبيب المتهم بالخطأ الطبي من السفر، وبخاصة أن القضايا تبقى معلقة لعدة سنوات، وطالما أن هناك من يضمن دفع التعويض المطلوب (من جهة التأمين على الأطباء أو أي جهة كانت)، فلا يوجد أي مبرر شرعي لمنع الطبيب الذي وقع منه الخطأ من السفر إلا في حالة اتهامه بجرم جنائي مثل تعمد قتل المريض أو الإضرار به. وهذا لا يحدث في المجال الطبي إلا في حالات نادرة جدا.
وما تنشره الصحافة على لسان أهالي المرضى من المطالبة بالقصاص وشرع الله هو أمر مخالف لشرع الله، فالخطأ الطبي ليس له عقوبة في الشرع الإسلامي سوى الضمان والتعويض عن الضرر إذا ثبت، ويقع في الغالب على العاقلة أو الدولة (بيت المال) وفي العصور الحديثة يمكن أن يقع على التأمين التعاوني.
وما عدا حالات الجرم الجنائي، وهو أمر نادر جدا في الطب، فإن الأخطاء الطبية مجالها التعويض والضمان (TORT). وبالمقارنة فإن حوادث السيارات لدينا تقتل كل عام أحد عشر ألف نسمة وتصيب بالجروح والعاهات عشرات الآلاف، ومع ذلك لا يقع على المتسبب في هذه الحالات سوى الضمان والدية، وعقوبة السجن أحيانا للتعدي على الحق العام. أما القصاص فلا يطالب به أحد، مع أن كثيرا من هذه الحوادث تقع تحت بند شبه العمد من الناحية الشرعية، وينبغي أن تكثف عليها العقوبات، وإن لم تصل إلى حد القصاص، والله يحفظ الأمة من الخطأ والزلل في الطب والمرور وفي جميع مجالات الحياة، وهو الهادي إلى سواء السبيل.