جميل أن يكون هناك (بالفعل) اتحاد عربي شامل صلب، يضم كل العرب.. ويرتقي بالعرب مع مرور الزمن إلى درجة القوة الكبرى التي تحمي مصالح منسوبيها، كأفضل ما تكون الحماية. لهذا وعند الحديث عن الشروع في تنمية اتحادية خليجية وعربية أصلب، تمكن من مواجهة العدوان الصهيوني على الأمة، والتهديدات الأخرى، وخدمة المصالح العربية المشتركة، ربما يكون من المناسب أن «نذكر» بأهم ثمار الاتحاد هذه علما بأن الوضع السياسي الحالي في معظم البلاد العربية لا يسمح -كما يبدو- بإصلاح «جامعة الدول العربية» إصلاحا حقيقيا، ففي ظل الأوضاع السياسية الراهنة لا يمكن توقع إصلاح، أو وحدة، أو اتحاد، ومن العبث توقع أمور من أطراف لا تريدها، بل تعمل -سرا وعلانية- على محاربتها. ولكن حديث معظم الدول الخليجية الآن عن «الاتحاد» له مصداقية، لكون هذه الدول تعني ما تقول.
في حقل السياسة والعلاقات الدولية، تعني كلمة «الوحدة» (Unity) بصفة عامة: الاندماج الكامل أو شبه الكامل، فيما بين أطراف دولة ما، أو بين دولتين أو أكثر من دول العالم. وذلك الاندماج يكون في كل مجالات الحياة العامة: الاقتصاد، السياسة، الأمن، الاجتماع، وفي شتى جوانب كل منهم. فعندما نتحدث (مثلا) عن مدى «الوحدة الوطنية» في دولة ما، يكون المقصود هو: مدى اندماج مناطق وأطراف تلك الدولة مع بعضها البعض، في كل مجالات الحياة العامة المذكورة.
أما مصطلح «الاتحاد» (Union)، فيعني بصفة عامة: الترابط والتضامن التام، أو شبه التام، فيما بين أطراف دولة ما، أو فيما بين دولتين أو أكثر من بلدان العالم. إن «اتحاد» عدة دول قد يصل إلى درجة ظهور دولة واحدة.. تتكون من تلك الدول، ولكن تظل كل دولة (أو منطقة) محتفظة بمعظم خصوصيتها محافظة على ذاتيتها، من خلال حكم نفسها بالقانون الذي ترتضيه غالبية أهلها، على أن لا يخالف القانون «الاتحادي» الأعلى.
ومعروف أن كل منطقة من مناطق العالم (سواء تجسدت في دولة مستقلة، أو كانت جزءا من دولة قائمة بذاتها) تتميز عن غيرها بخصوصية معينة وغالبا ما تهدف للحفاظ على تلك الخصوصية، عبر التأكيد (المتوازن) على ذاتيتها. ونظرا للتطورات التي لحقت عالم اليوم (ورؤى المستقبل) أصبح من الضروري على كثير من الدول أن تترابط وتتضامن مع غيرها من الدول استجابة لحتميات التجاور الجغرافي والتماثل الاجتماعي والأيديولوجي، تحقيقا للمصالح المشتركة المؤكدة، ودفعا للأخطار المشتركة بشكل جماعي.
فالمواجهة الجماعية للأخطار المشتركة -مثلا- أكثر فاعلية (بمراحل) من المواجهة المنفردة لتلك الأخطار، بمعنى أن «الاتحاد» أصبح شبه حتمي في كثير من الحالات والظروف التي تمخضت عنها تطورات هذا العالم ومنها التقدم الهائل في وسائل المواصلات والاتصالات، وترابط مصالح الأمم والشعوب بشكل لم يسبق له مثيل.. ولعل أكثر دول العالم الآن بحاجة إلى الاتحاد هي دول الخليج. وهذا ما أكدته دعوة خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز لتحول مجلس التعاون من صيغة التعاون إلى الاتحاد الخليجي.
وما أصح قول الشاعر:
تأبى الرماح إذا اجتمعن تكسرا وإذا افترقن تكسرت آحادا ؟!