طبرجل او ما يطلق عليها مدينة (القمح والسمح) تمثل انطلاقة «توطين البادية» تلا نجاح التجربة الزراعية الاولى فيها تحول طبرجل الى هجرة زراعية وسرعان ما نمت المدينة حتى اصبحت فضاء واسعا لمزارع القمح والشعير واستثمار كبرى الشركات حتى اطلقوا عليها «سلة الغذاء» الاولى في المملكة واضحت المدينة الرابعة في منطقة الجوف بعد سكاكا والقريات ودومة الجندل.
تقع طبرجل في الشمال الغربي من منطقة الجوف بالقرب من الحدود الاردنية تحدها من الشمال الغربي منطقة القريات ومن الشمال والشمال الشرقي منطقة الحدود الشمالية وقاعدتها عرعر ومن الغرب منطقة تبوك ومن الجنوب والجنوب الشرقي امارة حائل.
وتشكل طبرجل حالة تحول خرجت من رحم البادية وايقاعها لتؤطر لمراحل من الارتحال والتوطن التدريجي مع كل معطيات الصحراء والاخذ بأسباب التحضر.
توطين البادية
كان هدف الدولة منذ البداية هو تشجيع توطين البادية بوادي السرحان بما يتماشى مع سياسة الملك عبدالعزيز ـ يرحمه الله ـ منذ تكوين المملكة حيث عمد الى اخراج البادية مما هي فيه، فكان من مفاخره البارزة «الهجر» -جمع «هجرة»- وهي في العرف الانتقال من البداوة الى الحضارة، فحيثما وجد الماء في اي مكان من الجزيرة كان على اقرب قبيلة بدوية منه ان تهجر بيوت الشعر وان تبني جوار الوادي وتقتني الماشية وتزرع وتحصد وتستقر فبدأ الاهالي في استصلاح الاراضي وزراعتها بعد حصولهم على المياه والابار التي تم حفرها وكانت المياه على عمق 6 امتار فقط وبغزارة وعذوبة فدعتهم الدولة بأن بعثت اليهم بالات لسحب المياه من البئرين اللتين تم حفرهما وقد كان لهذه البادرة الكريمة من الدولة اثرها في نفوس البدو المجاورين حيث اتجه معظمهم الى الاستقرار في طبرجل ولم تكن خطوات الشيخ «عاشق» سوى انموذج اقتدى به جماعته ونجحت التجربة الاولى للاستيطان بها حيث قام عدد من مشايخ الشرارات ببناء بيوت من الشعر وهكذا كانت طبرجل بداية الانطلاق لتحضّر قبيلة الشرارات.
سر التسمية
ويعود تسمية طبرجل بهذا الاسم من الواقع التضاريسي والجغرافي لهذه المدينة نظرا لان موقعها يعتبر مستقرا او «مطبا» لمياه الامطار التي تسيل من تلك «الرجل» او «التلاع» التي تحيط بها. ومن هنا وصفت بأنها: «مطب ارجل» فدرجت على السنة العامة باسم طبرجل وقد عرفت الاستقرار الفعلي عام 1376هـ من حيث التنظيم الاداري للمملكة.
وكان لموقعها علي وادي السرحان ان ساعد على نموها السريع وجعلها اهم مدينة في الوادي في غضون سنوات قليلة.
ذكر علامة الجزيرة العربية الشيخ حمد الجاسر ـ رحمه الله ـ في احدى رحلاته للمنطقة حينما مر بطبرجل وهو في طريقه من شمال الوادي الى جنوبه: «كان مما مررنا به عدد من القرى اشهرها الموضع المعروف باسم (طبرجل) ومواقع في ملتقى اودية تنحدر من الجهة الغربية الى وادي السرحان ومن اشهرها وادي (سمرمد) وهو موقع واسع الارض ذو تربة حسنة وفيه ابار ارتوازية عذبه الماء يخرج بمضخات، يزرع على تلك الابار القمح وقد قامت وزارة الزراعة بانشاء مخازن للغلال وبنايات لموظفيها انذاك فيها حتى اصبحت طبرجل مقرا للتجارب الزراعية في الوادي نظرا لوقوعها في ارض واسعة وفي مجمع اودية تنحدر من الغرب اشهرها وادي الغينه ووادي حدرج وغيرهما من الشعاب والاودية التي تنحدر من الطبيق مشرقة حتي تصب في هذه الفيضة الواسعة من الوادي المعروفة بطبرجل».
هذه الرحلة التي مرّ خلالها مؤرخ الجزيرة بوادي السرحان وحاضرته طبرجل كانت في صفر من عام 1390هـ، اي في السنوات الاولى لبداية التطور الحقيقي لطبرجل وكان مما ذكره عن طبرجل ان بها بنايات من الطراز الحديث ومستشفى ومدرسة وامكنة لحفظ الغلال.
طبرجل حاضرة وادي السرحان
وطبرجل اليوم من حيث المساحة والكثافة السكانية تعتبر مدينة حديثة اذ استوطنت بدءاً من عام 1378هـ وتأتي اهميتها من حيث موقعها في وسط وادي السرحان المعروف بجودة مراعيه وخصوبة ارضه وقرب مياهه السطحية ووفرة مياهه الجوفية، وقد نمت هذه المدينة نموا سريعا وملحوظا الى ان اصبحت في الوقت الحاضر حاضرة وادي السرحان خاصة بعد ان منح المواطنون اراضي ومشاريع زراعية عملاقة في «بسيطاء» وبعد ان قامت فيها العديد من المخططات السكنية واستكمال البناء بمعظمها وتزويدها بالمرافق والخدمات.
كل ذلك تم في اطار مشروع قدم لحكومة الملك سعود ـ يرحمه الله ـ لتوطين البادية بوادي السرحان وتوزيع الاراضي الزراعية عليهم بما يسمح بايجاد مجتمع زراعي مستقر، وقد لاقت الفكرة استحسان الملك سعود ـ يرحمه الله ـ فوافق عليها وبالفعل اقرت الحكومة تنفيذ مشروع لتوطين سكان البادية في وادي السرحان.
كان الهدف من المشروع هو ترغيب افراد البادية في الاستقرار وحيازة اراض زراعية، وبالفعل قامت الزراعة عام 1381هـ وبدئ في تنفيذ المشروع على نطاق متوسط ثم توسع فيه عام 1382هـ حيث كانت الخدمات تقدم مجانا علاوة على تأمين مياه الشرب لافراد البادية ومواشيهم وتقديم الآلات الزراعية اللازمة للعمل في الهجر الزراعية وتقديم تقاوي القمح والشعير ومضخات سحب المياه السطحية لدى الزراعة وتكون المحاصيل التي يجنيها افراد البادية من هذا المشروع خالصة لهم في ظل وجود قيم متكامل من المهندسين والفنيين والعمال للقيام بتنفيذ المشروع والاشراف عليه.
وهكذا اقبل المواطنون من بادية تلك المنطقة على التجمع بها والعمل بهمة ونشاط ولهذا سلكت طبرجل سبل التطور السريع والعمران حتى غدت مدينة ذات اهمية زراعية وتجارية وتوطينية نظرا لتوسطها وادي السرحان وخصوبة تربتها وجودة محاصيلها ووفرة مياهها وتكلفة استخراجها المنخفضة مما اسهم في نمو المدينة وتطورها برغم التطور الكبير الذي شهدته طبرجل الا انها ما زالت تعاني من بعض المشكلات وينقصها بعض الخدمات ابرزها وجود فرع للجوازات يتمكن المواطنون في ظل وجوده من استخراج جوازات السفر بدلا من استخراجه من القريات ومكتب للعمل وكلية لبنات وازدواجية الطريق الدولي.
نقص المياه
منوخ شطيط الخضري ومسلم سويلم الشراري يشيران الى ما تعانيه طبرجل من غياب الصرف الصحي ونقص مياه الشرب في ظل وجود خزان مهدد بالعطل في اي وقت فضلا عن ازالة مخلفات الشركات التي تقوم باعمال الطرق والسفلتة وتترك كثيرا من الحفر التي تشوه المدينة.
ويتساءل كل من سعد سعدى وسلم ظاهر واحمد خلف وفارس قبلان الشراري: لماذا يتمكن المقيمون من استخراج اقاماتهم في جوازات طبرجل بينما لا يتمكن المواطنون من استخراج جوازاتهم الا بعد الذهاب الى جوازات القريات ومنهم كبار السن والمرضى؟!
صالح سالم الحليس وحياة الشراري ومقبول الشراري وعقيل الاسمر يأملون في افتتاح كلية للبنات جامعية في طبرجل حيث لا توجد سوى كلية مجتمع لا تستوعب سوى 10% من اعداد الخريجات، فضلا عن متاعب الرحلة اليومية الى سكاكا ودومة الجندل قاطعات مسافة 500 كيلو ذهابا وايابا طلبا للعلم في كليات البنات فيما تعد طبرجل المدينة الثالثة من اعداد المدارس في منطقة الجوف في ظل وجود 33 مدرسة وكذلك من 7 الاف طالبة يتوزعن بين 16 مدرسة ابتدائية و9 متوسطات و8 مدارس ثانوية وفوق ذلك يتحمل الاباء واولياء امور الطالبات دفع مبالغ تتراوح من 800 ـ 1200 ريال للنقل وينطبق الحال على طلاب مدرسة الفياض غرب طبرجل الذين يسيرون على اقدامهم مسافات طويلة على الطريق الدولي مما يعرضهم لمخاطر الطريق والبرد والغبار والاتربة.
الطريق الدولي
ويبقى الطريق الدولي الذي يربط المملكة بالاردن وسوريا وتركيا ولبنان ويمر بمدينة طبرجل هاجس السكان بسبب كثرة الحوادث التي تقع عليه لضيق مساره وعدم وجود لوحات ارشادية عليه مطالبين بازدواجيته وصيانته وتوسعته حفاظا على الارواح والممتلكات.
مصدر مسؤول اوضح انه تم اعتماد ازدواجية الطريق من طبرجل حتى الجوف وترسيته لتنفيذه في القريب العاجل.