الناظر في مقاصد التشريع الإسلامي يجد عنايتها الفائقة بالإنسان، في حفظ دينه الذي يتعبد الله به، وحفظ نفسه التي تقوم بذاته من الهلاك أو الضرر ، وحفظ عقله من الفساد؛ لكونه مناط التكليف، وحفظ نسله من الضياع أو الاختلاط أو الانقطاع، وحفظ ماله أيضا من التلوث أو الاغتصاب، فالناظر في الشريعة المباركة يجد الاحتفاء البالغ بهذه المقاصد العظيمة، حتى أن المتأمل ليجدها غاية من وراء الأحكام والتشريعات الإسلامية، يتلمسها في كل حكم وفتوة وتوجيه، لا تكاد تخفى عليه. ولئن كان لكل مقصد من مقاصد التشريع أهدافه الرامية إلى إصلاح العباد فإن المراجع لمقصد حفظ النسل يجده يهدف إلى تحقيق أمرين اثنين هما: الأول: هو ضمان استمرار النسل دون انقطاع، يخلف الناس بعضهم بعضا، وذلك من خلال سنة التزاوج بين ذكر وأنثى، التي يقتنص من ورائها الولد، الذي يعد وحدة البقاء الإنساني ، وهذه سنة الأنبياء والمرسلين ، وهدي خير المرسلين صلى الله عليه وسلم القائل: (النكاح سنتي ، فمن لم يعمل بسنتي فليس مني). الثاني: هو ضمان عدم اختلاط الأنساب بحيث يلحق الولد بوالديه، فينسب لأبيه الذي أنجبه، فقد ورد الوعيد الشديد لمن أنكر ولده وهو يعلم أنه ولده، فقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم في حقه: ( أيما رجل جحد ولده وهو ينظر إليه : احتجب الله منه، وفضحه على رؤوس الأولين والآخرين )، وقال صلى الله عليه في حق المرأة التي تلحق بفراش زوجها ولدا ليس من صلبه، يخالطهم في حياتهم، ويطلع على عوراتهم، ويشاركهم أموالهم : ( أيما امرأة أدخلت على قوم من ليس منهم فليست من الله في شيء ، ولن يُدخلها الله جنته ) ، وهذا كله احتياط للأنساب فلا تختلط ، وحفاظ على الإنسان فلا يضيع ، وتذهب عنه حقوقه. وعلى الرغم من عناية الإسلام بهذا المقصد الشرعي العظيم، وإحاطته بالحدود الشرعية، والتعزيرات التأديبية إلا أن الوقوع في المحظور، والولوغ في الفاحشة أمر واقع في الحياة الإنسانية، يصعب ـ في الطبيعة البشرية ـ خلو مجتمع من شيء منها، إلا أن اتساع ساحة الفواحش، وكثرة الواقعين فيها، ويسر تعاطيها مرهون بضعف الحضور الإيماني الذي يعصم صاحبه من الزلل، ومرهون أيضا بتراخي يد السلطان المخولة بالضبط والتأديب، مما يسوق بعضهم ـ بغلبة الشهوة ـ إلى الوقوع في المحظور الشرعي، فيضع نطفته في فرج لا يحل له، فينتج عن هذا الوصال المحرم مخلوق حر بريء من جناية والديه، ليس له ذنب يلحق به إلا أن يكون مجهول النسب، قد طرحه أهله في الطريق العام؛ ليلتقطه أهل المروءة والنجدة، فيقومون عليه بالتربية والنفقة نيابة عن والديه، حين تخليا عنه خشية الفضيحة والعار، أو إشفاقا من العقوبة والحد .
ولئن كان الدافع في الأغلب الأعم وراء التخلي عن أمثال هؤلاء الأطفال هو الخوف من الفضيحة والإشفاق من الحد فإن نسبة من الناس تتخلى عن بعض أولادها الشرعيين بسبب الفقر ، وقلة الموارد المالية التي تدفع بعضهم إلى القذف بولده في الطريق العام، لتقوم الدولة، أو أصحاب المروءة برعايته والنفقة عليه، وكلاهما جريمة في نظر الشرع توجب العقوبة التعزيرية أو الحد الشرعي، إلا أن الأولى أعظم لاشتمالها على جريمتين في وقت واحد : الوقوع في الفاحشة، وتعريض اللقيط للهلاك بالتخلي عنه.
إن اللقيط الذي يوجد على قارعة الطريق في بلاد المسلمين هو إنسان مسلم حر ، تجري عليه أحكام المسلمين، باعتباره واحدا منهم، لايجوز استرقاقه بحيث يصبح عبدا مملوكا، ولا يجوز أيضا تبنيه بحيث يصبح ولدا لمتبنيه كولده من النسب، وإنما الواجب في حقه ابتداء هو التقاطه لمن صادفه، فهو فرض واجب عليه إذا غلب على ظنه أنه لن يتفطن له غيره، أو أنه سوف يهلك إذا لم يلتقطه، وهذا أول حقوقه، وهو حقه في الحياة، والشريعة الإسلامية ندبت للإحسان إلى البهائم، واللقيط أولى بلا شك؛ بل إن الفقهاء يضمنونه الدية إذا تخلى عنه حتى هلك وهو قادر على إنقاذه.
وإذا تحقق للقيط النجاة من الموت فإن: التسمية، والسكن، والنفقة، والتعليم، والعلاج، والعمل .. ، وجميع حقوق المواطنة حق له ؛ إذ من حقه ـ باعتباره مسلما ـ أن يحيا حياة كريمة، لايبخس من ذلك شيء بسبب كونه مجهول النسب، فإن قام عليه من التقطه بالرعاية والإحسان، وكان ثقة أمينا: أجازه السلطان وأعانه، وإلا نقله إلى من هو أفضل من المسلمين، أو ألحقه بدار من دور الإيواء المخصصة لأمثاله.
إن مما ينبغي الالتفات له، والتنبه إليه في طبيعة شخصية اللقيط أنه شخص يحمل في ـ الغالب ـ مشاعر المنبوذية، وتسيطر عليه هموم الإحباط؛ لكونه شخصا مجهول النسب في مجتمع يعتز فيه الناس بأنسابهم العريقة، ويفتخرون بانتماءاتهم وجذورهم القبلية والعشائرية، فإذا خطب لا يزوج، وإذا تعلم لا يقدم، فالناس معه في حذر ، مما قد يسوقه إلى الانطواء والانعزال الاجتماعي، فيتعرض إلى معاناة نفسية قاسية، قد تؤدي به إلى أمراض نفسية تعيقه عن ممارسة حياته بصورة طبيعية، وربما تحول ـ تحت ضغط مشاعر الإحباط والمنبوذية ـ إلى مجرم منتقم يفتك بالمجتمع، ويسعى إلى تقويض أركانه، حين كان سببا في تعاسته وحرمانه، دون أن تكون له يد فيما ارتكبه والداه.
إن الإنسان ابن بيئته، يتأثر بها ويؤثر فيها، فإذا أخفقت البيئة الاجتماعية في رعايته، وأسهمت في إحباطه فلا يبعد أن يكون هذا الإنسان أداة إزعاج، ومعول هدم في المجتمع، ومن المعلوم أن : الإحباط، والمنبوذية، ومشاعر التفاهة والانحطاط: عناصر رئيسية في تكوين الشخصية الإجرامية.
إن الواجب الإسلامي يفرض على المجتمع أن يواجه أزمة اللقطاء بأمور :
الأول : رعاية هذه الفئة، وتمكينها من حقوقها الشرعية التي فرضها الله لها، مع حس تربيتها وتهذيبها في ضوء مبادئ وأخلاق الإسلام، بما يكفل حمايتها من الانحرافات السلوكية، وضمان سلامة نفوس أصحابها من الاعاقات النفسية المدمرة.
الثاني: إعداد الفرد المسلم إعدادا صالحا، من خلال إشاعة التربية السليمة الشاملة لكل جوانب شخصيته، وربطه برباط العقيدة التي تعمر القلب بالإيمان، وتزين السلوك بالتقوى، بحيث يجد المسلم من نفسه واعظا ورقيبا على سلوكه.
الثالث: كف المثيرات العاطفية في المجتمع بصورة عامة، وفي وسائل الإعلام بصورة خاصة: التي تثير الجنسين، وتذكي لهيب الشهوة بينهما، مما يدفع بالنساء إلى التبرج، والسفور ، والاختلاط، ويثير الرجال إلى التحايل عليهن لقضاء الوطر .
الرابع: السعي الاجتماعي الجاد في إعفاف الشباب من الجنسين، من خلال الزواج وبناء الأسرة، وإشاعة ثقافة الزواج المبكر ، وتقديم العون والمساعدة للأسر الشباب الجديدة..
الخامس: إقامة حدود الله تعالى المقررة في الشرع على من تلبس بها، وثبتت عليه، فلا تأخذ المجتمع في ذلك لومة لائم، فإن إقامة الحد على من يستحقه كفيل بأن يطهر صاحبه ويردع الآخرين، بل هو خير لأهل الأرض عموما؛ وفي الحديث:( حد يعمل في الأرض خير لأهل الأرض من أن يمطروا أربعين صباحا).
www.bahareth.org
*أكاديمي سعودي
ولئن كان الدافع في الأغلب الأعم وراء التخلي عن أمثال هؤلاء الأطفال هو الخوف من الفضيحة والإشفاق من الحد فإن نسبة من الناس تتخلى عن بعض أولادها الشرعيين بسبب الفقر ، وقلة الموارد المالية التي تدفع بعضهم إلى القذف بولده في الطريق العام، لتقوم الدولة، أو أصحاب المروءة برعايته والنفقة عليه، وكلاهما جريمة في نظر الشرع توجب العقوبة التعزيرية أو الحد الشرعي، إلا أن الأولى أعظم لاشتمالها على جريمتين في وقت واحد : الوقوع في الفاحشة، وتعريض اللقيط للهلاك بالتخلي عنه.
إن اللقيط الذي يوجد على قارعة الطريق في بلاد المسلمين هو إنسان مسلم حر ، تجري عليه أحكام المسلمين، باعتباره واحدا منهم، لايجوز استرقاقه بحيث يصبح عبدا مملوكا، ولا يجوز أيضا تبنيه بحيث يصبح ولدا لمتبنيه كولده من النسب، وإنما الواجب في حقه ابتداء هو التقاطه لمن صادفه، فهو فرض واجب عليه إذا غلب على ظنه أنه لن يتفطن له غيره، أو أنه سوف يهلك إذا لم يلتقطه، وهذا أول حقوقه، وهو حقه في الحياة، والشريعة الإسلامية ندبت للإحسان إلى البهائم، واللقيط أولى بلا شك؛ بل إن الفقهاء يضمنونه الدية إذا تخلى عنه حتى هلك وهو قادر على إنقاذه.
وإذا تحقق للقيط النجاة من الموت فإن: التسمية، والسكن، والنفقة، والتعليم، والعلاج، والعمل .. ، وجميع حقوق المواطنة حق له ؛ إذ من حقه ـ باعتباره مسلما ـ أن يحيا حياة كريمة، لايبخس من ذلك شيء بسبب كونه مجهول النسب، فإن قام عليه من التقطه بالرعاية والإحسان، وكان ثقة أمينا: أجازه السلطان وأعانه، وإلا نقله إلى من هو أفضل من المسلمين، أو ألحقه بدار من دور الإيواء المخصصة لأمثاله.
إن مما ينبغي الالتفات له، والتنبه إليه في طبيعة شخصية اللقيط أنه شخص يحمل في ـ الغالب ـ مشاعر المنبوذية، وتسيطر عليه هموم الإحباط؛ لكونه شخصا مجهول النسب في مجتمع يعتز فيه الناس بأنسابهم العريقة، ويفتخرون بانتماءاتهم وجذورهم القبلية والعشائرية، فإذا خطب لا يزوج، وإذا تعلم لا يقدم، فالناس معه في حذر ، مما قد يسوقه إلى الانطواء والانعزال الاجتماعي، فيتعرض إلى معاناة نفسية قاسية، قد تؤدي به إلى أمراض نفسية تعيقه عن ممارسة حياته بصورة طبيعية، وربما تحول ـ تحت ضغط مشاعر الإحباط والمنبوذية ـ إلى مجرم منتقم يفتك بالمجتمع، ويسعى إلى تقويض أركانه، حين كان سببا في تعاسته وحرمانه، دون أن تكون له يد فيما ارتكبه والداه.
إن الإنسان ابن بيئته، يتأثر بها ويؤثر فيها، فإذا أخفقت البيئة الاجتماعية في رعايته، وأسهمت في إحباطه فلا يبعد أن يكون هذا الإنسان أداة إزعاج، ومعول هدم في المجتمع، ومن المعلوم أن : الإحباط، والمنبوذية، ومشاعر التفاهة والانحطاط: عناصر رئيسية في تكوين الشخصية الإجرامية.
إن الواجب الإسلامي يفرض على المجتمع أن يواجه أزمة اللقطاء بأمور :
الأول : رعاية هذه الفئة، وتمكينها من حقوقها الشرعية التي فرضها الله لها، مع حس تربيتها وتهذيبها في ضوء مبادئ وأخلاق الإسلام، بما يكفل حمايتها من الانحرافات السلوكية، وضمان سلامة نفوس أصحابها من الاعاقات النفسية المدمرة.
الثاني: إعداد الفرد المسلم إعدادا صالحا، من خلال إشاعة التربية السليمة الشاملة لكل جوانب شخصيته، وربطه برباط العقيدة التي تعمر القلب بالإيمان، وتزين السلوك بالتقوى، بحيث يجد المسلم من نفسه واعظا ورقيبا على سلوكه.
الثالث: كف المثيرات العاطفية في المجتمع بصورة عامة، وفي وسائل الإعلام بصورة خاصة: التي تثير الجنسين، وتذكي لهيب الشهوة بينهما، مما يدفع بالنساء إلى التبرج، والسفور ، والاختلاط، ويثير الرجال إلى التحايل عليهن لقضاء الوطر .
الرابع: السعي الاجتماعي الجاد في إعفاف الشباب من الجنسين، من خلال الزواج وبناء الأسرة، وإشاعة ثقافة الزواج المبكر ، وتقديم العون والمساعدة للأسر الشباب الجديدة..
الخامس: إقامة حدود الله تعالى المقررة في الشرع على من تلبس بها، وثبتت عليه، فلا تأخذ المجتمع في ذلك لومة لائم، فإن إقامة الحد على من يستحقه كفيل بأن يطهر صاحبه ويردع الآخرين، بل هو خير لأهل الأرض عموما؛ وفي الحديث:( حد يعمل في الأرض خير لأهل الأرض من أن يمطروا أربعين صباحا).
www.bahareth.org
*أكاديمي سعودي