قرأت باستمتاع رواية (شارع العطايف) لعبدالله بن بخيت؛ لكوني اعتبرها شهادة على العصر الذي عاشه، وعاشه معه الكثير من أبناء الوطن قبل نحو خمسين سنة ـ وبالذات مطلع الستينيات الميلادية ـ من تحولات اجتماعية، وهكذا شهدت وشهد غيري ما يجري من استجابة أو معارضة لما لم يعتادوا عليه، وكانت الطامة الكبرى عندما بدأ التلفزيون يبث برامج بعد سنتين من هذا التاريخ.
واعتبر الراوي ـ عبدالله بن بخيت ـ الشاهد والمسجل لما كان يدور من شريحة محددة من هذا المجتمع المحافظ الذي فوجئ بالباب يفتح على مصراعيه. لقد شهدت كغيري بعض هذه التحولات، ولكن شارع العطايف يغوص في قاع المدينة ليسجل معاناة وسلوكيات من تفتح أمامهم السبيل وليسيروا بدون آمر أو ناه، فقد كانوا في السابق عبيدا لا يخرجون أو يدخلون إلا بأمر أسيادهم ولا يتصرفون إلا وفق تعليمات محددة، وإذا الباب يفتح فجأة ويخرجون إلى النور بدون تمهيد أو إعداد، منهم من عاد وطلب استمرار استرقاقه، ومنهم من تحول إلى شحاذ ، ومنهم من أصبح لصا و قاطع طريق، وهكذا كنت أتابع مجريات الرواية وأتتبع فصولها، وكأنني أعرف ما سيقوله، وبالذات المسميات التي بدأ يتحايل على تغيير اسمها الصحيح ولو بتقديم حرف على آخر مثل حارات الرياض؛ المرابيع = المربع، الصويفة = الصفاة، الصمك = المصمك، ابن وصار = ابن نصار، المستلز = الملز، الرويض = الرياض، المحيفرة = المقيبرة، شارع المشمسي = الشميسي، الشريقية = الشرقية، شارع المريقب = شارع المرقب، شارع المخزان = شارع الخزان، عمارة ابن سرار = ابن سيار، شارع التويجري = الثميري، النويصرية = الناصرية، وغيرها.
ثم ينتقل أحد ابطال الرواية تيسير شنقافه، ليعمل حارسا لمبنى نادي الفوز وليعطف عليه رئيسه وتحميه والدته لتبقيه مع من بقي من الأرقاء وتعطيه غرفة في ملحق بيتها، حوله إلى مصنع للخمر. واتفاقه مع السوداني ليعمل سحراً «دنبوشي» ليسحر النادي المنافس؛ الشمس.
لقد كنت في هذه الأثناء حديث عهد بالعمل في رعاية الشباب، وكان الملعب الوحيد في الرياض هو ملعب الصايغ في الملز ـ جنوب غرب ملعب الملز حاليا ـ وكان لا يوجد في الرياض حكام يعتمد عليهم لإدارة المباريات المهمة، وكان هناك ثلاثة حكام يأتون من جدة بالتناوب أو مجتمعين يوم المباراة التي تجمع الأندية المتنافسة والقوية في الرياض هي؛ الأهلي، الشباب، الهلال، ثم النصر فيما بعد، وبعض الأندية المهمة في المناطق الأخرى.
كان الحكام القادمون من جدة؛ محمد الطرابلسي، عبدالله غمري، وعبدالله كعكي.
كنت أذهب بالسيارة الخاصة بمدير رعاية الشباب الأستاذ عبدالله العبادي ـ رحمه الله ـ لاستقبال من يأتي منهم ظهرا والذهاب به إلى شقة المدير في عماير الطبيشي في شارع الوزير؛ حتى لا يراه أحد من منسوبي الناديين المتنافسين إلا في الملعب. كنا نذهب مع الحكام قبل بداية المباراة فيذهب الحكم الرئيسي لتفقد الشباك في المرمى، وهل تخلو من الشقوق، وكان الحكم الثاني السوداني أحمد مصطفى (الجمل) ـ الممرض في مستوصف المرقب ثم الملز ـ يذهب إلى المرمى ويحفر في جوانبه وتحت الشباك، ودائما ما يحضر صرارا ملفوفا بعناية، فيبدأ يسل الخيوط التي لف بها؛ فيجد ورقة فيها قصاصات أظافر وقطع من شعر، فيرميها كيفما اتفق، عرفنا فيما بعد أن هذا من أنواع السحر (الدنبوشي)، فكان في هذا الوقت بالذات له سوقه الرائجة، وكل فريق يدعي أن لديه أقوى مما لدى الآخر، وهكذا، فكان ابن بخيت عندما يروي هذه المنافسات والتحدي بين فريقي الشمس والفوز وتسابقهما على أفضل من يعمل (الدنبوشي)، يعيدني إلى ما سبق أن عشته قبل نحو خمسين سنة، وكان الكل يصدقه.
صحيح هناك أسماء حارات وأماكن أوردها كما هي مثل؛ حديقة الفوطة، مقبرة العود، مقبرة العجلية، السبالة، العطايف، حي العود، ومدرسة سبيكة، إلا أنه يصف بعض أنحاء الرياض بقوله: «... إذا ذهبت شرقا فستدخل أفخر شوارع الرويض، وإذا يممت الغرب فستدخل سوق الحساوية وسوق آل وشيقر، ومن الشمال ستشاهد في الوسط المسجد الكبير الذي يحف به من الشرق شارع الظهيرة ومن الغرب شارع السويلك، ومن جنوب الساحة تطالع مبنى الإمارة الرخامي الأبيض الكبير» (ص263)، وهكذا تتداخل المسميات الصحيحة والمحرفة.
واعتبر الراوي ـ عبدالله بن بخيت ـ الشاهد والمسجل لما كان يدور من شريحة محددة من هذا المجتمع المحافظ الذي فوجئ بالباب يفتح على مصراعيه. لقد شهدت كغيري بعض هذه التحولات، ولكن شارع العطايف يغوص في قاع المدينة ليسجل معاناة وسلوكيات من تفتح أمامهم السبيل وليسيروا بدون آمر أو ناه، فقد كانوا في السابق عبيدا لا يخرجون أو يدخلون إلا بأمر أسيادهم ولا يتصرفون إلا وفق تعليمات محددة، وإذا الباب يفتح فجأة ويخرجون إلى النور بدون تمهيد أو إعداد، منهم من عاد وطلب استمرار استرقاقه، ومنهم من تحول إلى شحاذ ، ومنهم من أصبح لصا و قاطع طريق، وهكذا كنت أتابع مجريات الرواية وأتتبع فصولها، وكأنني أعرف ما سيقوله، وبالذات المسميات التي بدأ يتحايل على تغيير اسمها الصحيح ولو بتقديم حرف على آخر مثل حارات الرياض؛ المرابيع = المربع، الصويفة = الصفاة، الصمك = المصمك، ابن وصار = ابن نصار، المستلز = الملز، الرويض = الرياض، المحيفرة = المقيبرة، شارع المشمسي = الشميسي، الشريقية = الشرقية، شارع المريقب = شارع المرقب، شارع المخزان = شارع الخزان، عمارة ابن سرار = ابن سيار، شارع التويجري = الثميري، النويصرية = الناصرية، وغيرها.
ثم ينتقل أحد ابطال الرواية تيسير شنقافه، ليعمل حارسا لمبنى نادي الفوز وليعطف عليه رئيسه وتحميه والدته لتبقيه مع من بقي من الأرقاء وتعطيه غرفة في ملحق بيتها، حوله إلى مصنع للخمر. واتفاقه مع السوداني ليعمل سحراً «دنبوشي» ليسحر النادي المنافس؛ الشمس.
لقد كنت في هذه الأثناء حديث عهد بالعمل في رعاية الشباب، وكان الملعب الوحيد في الرياض هو ملعب الصايغ في الملز ـ جنوب غرب ملعب الملز حاليا ـ وكان لا يوجد في الرياض حكام يعتمد عليهم لإدارة المباريات المهمة، وكان هناك ثلاثة حكام يأتون من جدة بالتناوب أو مجتمعين يوم المباراة التي تجمع الأندية المتنافسة والقوية في الرياض هي؛ الأهلي، الشباب، الهلال، ثم النصر فيما بعد، وبعض الأندية المهمة في المناطق الأخرى.
كان الحكام القادمون من جدة؛ محمد الطرابلسي، عبدالله غمري، وعبدالله كعكي.
كنت أذهب بالسيارة الخاصة بمدير رعاية الشباب الأستاذ عبدالله العبادي ـ رحمه الله ـ لاستقبال من يأتي منهم ظهرا والذهاب به إلى شقة المدير في عماير الطبيشي في شارع الوزير؛ حتى لا يراه أحد من منسوبي الناديين المتنافسين إلا في الملعب. كنا نذهب مع الحكام قبل بداية المباراة فيذهب الحكم الرئيسي لتفقد الشباك في المرمى، وهل تخلو من الشقوق، وكان الحكم الثاني السوداني أحمد مصطفى (الجمل) ـ الممرض في مستوصف المرقب ثم الملز ـ يذهب إلى المرمى ويحفر في جوانبه وتحت الشباك، ودائما ما يحضر صرارا ملفوفا بعناية، فيبدأ يسل الخيوط التي لف بها؛ فيجد ورقة فيها قصاصات أظافر وقطع من شعر، فيرميها كيفما اتفق، عرفنا فيما بعد أن هذا من أنواع السحر (الدنبوشي)، فكان في هذا الوقت بالذات له سوقه الرائجة، وكل فريق يدعي أن لديه أقوى مما لدى الآخر، وهكذا، فكان ابن بخيت عندما يروي هذه المنافسات والتحدي بين فريقي الشمس والفوز وتسابقهما على أفضل من يعمل (الدنبوشي)، يعيدني إلى ما سبق أن عشته قبل نحو خمسين سنة، وكان الكل يصدقه.
صحيح هناك أسماء حارات وأماكن أوردها كما هي مثل؛ حديقة الفوطة، مقبرة العود، مقبرة العجلية، السبالة، العطايف، حي العود، ومدرسة سبيكة، إلا أنه يصف بعض أنحاء الرياض بقوله: «... إذا ذهبت شرقا فستدخل أفخر شوارع الرويض، وإذا يممت الغرب فستدخل سوق الحساوية وسوق آل وشيقر، ومن الشمال ستشاهد في الوسط المسجد الكبير الذي يحف به من الشرق شارع الظهيرة ومن الغرب شارع السويلك، ومن جنوب الساحة تطالع مبنى الإمارة الرخامي الأبيض الكبير» (ص263)، وهكذا تتداخل المسميات الصحيحة والمحرفة.