شاءت بسمة ابنة الفنانة الراحلة عتاب أن تختتم سيرة أمها التي دخلت القلوب بصوتها وتواضعها وانسانيتها، وقد استعادت الكثير من التفاصيل السعيدة والحزينة والمؤلمة عن سنوات عتاب الأخيرة التي عاشت خلالها أحداثا دراماتيكية على الصعيد الصحي والنفسي والأسري. وقد أرادت بسمة أن توجه من خلال دموعها قبل كلامها أكثر من رسالة مباشرة وغير مباشرة في اتجاهات مختلفة. واستهلت ابنة عتاب، الاعلامية بسمة (ابتسام سعيد) كلمتها التي ننشرها كما هي، بالقول: "اعترتني مشاعر وذكريات العمر والاعتزاز والشوق لك يا أماه، بعد ما اطلعت على ما نشر على صفحات "عكاظ” في سبيل الإجابة على سؤال يقول (من هي الفنانة عتاب؟)، وعلي أن استكمل هذه القراءة التي بدأتها "عكاظ” لكن مشاعر الابنة تسيطر علي والدموع تنهار من قلبي قبل عيني، فأصعب مايواجهه الإنسان أن يتحدث عن أم أو أب يفقده، لكني أجد نفسي بمكان يحتم علي أن أتغلب على هذه المشاعر، وأن أكمل ما بدأته "عكاظ”، فالجانب الإنساني والشخصي مهما علمه الأصدقاء والأحباء وزملاء المهنة لا يلمسه سوى الأبناء. حملت هذه الانسانة منتهى الشعور والأحاسيس الصادقة لجميع من عرفتهم أم لم تعرفهم، ولا أبالغ إن قلت إن عتاب ابنة كل أسرة في المملكة، فلا يوجد أسرة لم تشاركها عتاب مناسباتها، فبعد عودتها للمملكة، وفي المناسبات كان يأتي إليها المعجبات والصديقات والمعارف ومن جميع طبقات المجتمع، ويستذكرون معها أحلى الذكريات في الأفراح والحفلات، فهناك من ذكرتها بزواجها الذي أحيته في الطائف قبل ثلاثين عاما، وأخرى تذكرها بتوقيع منها لمناسبة منذ أكثر من 25 عاما، ومن تذكرها بصورة التقطتها معها في لبنان أو مصر أو جنيف، والكثير الكثير حتى أن بعض النسوة كن يعرفنها من نبرة صوتها رغم وضعها النقاب في السوق، فيلقون عليها السلام "كيفك يا عتاب؟”، فمحبة هذه الإنسانة ليست لكونها فنانة بل لأن جمهورها استطاع أن يصل لحسها الإنساني قبل الفني.
البدايات والهلال
عاشت والدتي اليتم وهي طفلة، فلقد توفيت والدتها الاماراتية وهي لم تتجاوز أربعة أعوام وقامت على تربيتها خالتها شقيقة والدتها وهم من عائلة (الزعابي) من رأس الخيمة في دولة الامارات، وتربت في كنف والدها الذي كان يعمل موظفا بسيطا في وزارة الزراعة. واذكر أنها كانت تحدثني عن طفولتها وأنها دخلت إحدى المدارس الداخلية لفترة بسيطة وكانت مجدة في دراستها إلى أن أنهت المرحلة المتوسطة، وكانت تحب الخياطة والطبخ وتشارك بهما بشغف أثناء تواجدها في المدرسة، وأثناء فترة الدراسة كانت تغني أمام زميلاتها وصديقاتها خاصة عندما يفوز نادي الهلال، واخبرتني في وقتها أنها كانت تقطن في شارع العطايف في الرياض وعند فوز النادي، كانت تملك دراجة "بسكليت” فتذهب إلى البقالة وتشتري صندوق مشروبات غازية وتوزعه على من يقابلها من أهل الحي، احتفاء بهذا الفوز أو تطبخ أكلة شعبية وتوزعها على بيوت الجيران إلى أن أصبحت في سن 13، وتقابلت مع المبدع الراحل رحمه الله طلال مداح، وبعد أن سمع صوتها قال: "هذي صغيرة وصوتها حلو لكن لازم نجد نصا يناسب سنها تغنيه”، فاختار لها أغنية "لا يا بنت”، ومن هنا كانت البداية، ومن أحاديثها أحسست أنها أحبت أن تكون مشروع نجمة، وليست مطربة أفراح فقط ،لذا اختارت لها اسم "عتاب” واشتقته من إحدى أغاني الفنانة الكبيرة فيروز.
عادات وتقاليد
نشأت عتاب في عصر كان الجميع فيه أهل بيت واحد واخوة، فظلت هذه النشأة بها إلى يوم مماتها، وعندما انتقلت للعيش مع طليقها في القاهرة ذهبت بعاداتها وتقاليدها إلى هناك، رغم أنها سافرت وتنقلت لعدة بلدان في العالم لكن النشأة السعودية بقيت راسخة بها. في بادئ الأمر، تعاملت مع المجتمع والمحيط المصري بقناعاتها وأسلوبها كما في المملكة، وعندما أحست بالاختلاف، حاولت الاختصار بقدر الإمكان من العلاقات الاجتماعية إلى جانب أن طليقها ابن هذه البيئة أيضا، لم يستطع أن يتكيف معها، فبدأت الخلافات تظهر على السطح تدريجيا وبما أنها أنجبت ابنتها دارين وحامل بابنها أحمد، اضطرت كأي أم أن تتحامل على نفسها من أجل ابنيها إلى أن وصلت لمرحلة الاكتئاب، بعد أن أصبح طليقها يتدخل في كل صغيرة وكبيرة، وقد نفر منه ناس كثر بسبب أسلوبه وطريقته، لكنهم كانوا يدارونه لأجل خاطرها. وقد انعكس ذلك على أبنائها إلى أن اتخذت القرار الحازم في العودة لحضن الوطن العام 99م، ورغم هذا أصر أن يأتي معها مع أنها طلبت الانفصال، ورضيت أن يأتي معها لئلا تحرم من أبنائها. أدركت حينها ما يرمي إليه، وفسرتها أنه أكلها لحما ورماها عظما.. وحمدت الله أنهما في بلدها وبين ناسها ولن تضيع، وإن الله الرازق الوهاب.
تحدي طليقها
عادت إلى عملها وأنتجت شريط "وش لي بالتعب” رغم أن طليقها قال في إحدى المطبوعات: "أتحدى أن تقف عتاب على خشبة المسرح بعدي”. وهذه مناسبة لأرد عليه وأقول له: عندما تزوجت عتاب تزوجتها وهي نجمة، ولست أنت من صنعها، كما يخيل لك عقلك.. لقد عانت والدتي مع هذا الرجل كثيرا ولا أحتاج لقول التفاصيل، إلى أن أصيبت بسرطان الثدي، ولم تخبرنا بذلك إلا بعد ما تفاقمت حالتها ووصلت إلى المرحلة الرابعة من المرض، وهي مرحلة خطيرة. وكانت طوال فترة الإصابة تتمتع بروح المداعبة والتسامح، ولم تحاول أن تشعر أي مخلوق سواء من الأقارب أو الأصدقاء ونحن الأبناء، بمدى ألمها.. كنت أدخل عليها إلى غرفتها، قبل أن أعلم بمرضها، فأجدها في سريرها وأسألها "لماذا أنت متضايقة”، تجيبني "أبدا شوية صداع”، أو "معدتي تؤلمني”.
أما عن سبب انتقالها لدولة الامارات فكان السبب الرئيسي هو ما طلب مني لرغبتي دخول مجال الإعلام في العام 2003م وطلبت منها الاذن كي تسمح لي بالسفر والاستقرار هناك، عندما طلب أخواي دارين وأحمد أيضا لاستكمال دراستهما هناك، وعندما وجدت هذه الرغبة لدينا لم تتوان ولا لحظة في تلبيتها ومما عزز الموقف، تواجد أقاربها لوالدتها أيضا في دولة الامارات وأقمنا هناك، وكانت تتنقل بين المملكة والامارات لزيارة صديقات العمر وزيارة بيت الله الحرام، وعندما اشتد عليها المرض، ذهبت لمصر لإنهاء بعض القضايا العالقة في المحاكم بينها وبين طليقها إلى أن وافتها المنية في القاهرة في 20 / 8 / 2007م.
كلمة حق أود أن أقولها: "لم تغيبي يا عتاب، فأنت باقية في قلوب السعوديين والخليجيين..”، وهذا الانطباع أجده عند جميع من يصادفني، فالجميع يدعون لك بالرحمة، ويعيشون معك الذكريات، ويذكرونك بالخير.. ويحكون لي المواقف والحكايا والكثير الكثير.. نامي قريرة العين. وهذا ما كنت تسعين إليه: الذكر الطيب، ورب العالمين لم يحرمك من الذكر الطيب في الدنيا إن شاء الله”.