(1)
ليس هناك ما يجعلنا نبتهج.. وليس هناك ما يجعلنا أكثر ذهابا إلى المستقبل بفعل ما نرى ونسمع.. ذلك أن المشهد العربي السياسي مشهد غارق في سوداويته.. وفي كآبته، وفي إحباطاته وانتكاساته وارتكاساته المستمرة، وكأنما الأمة فقدت بوصلتها وفقدت كل ما يؤدي إلى واقع يصبح قاراً ومستقراً ويصبح الانسان هو القيمة التي تشكل الهاجس والهم والهدف.
نحن اليوم أمام لحظة تيه.. بالمعنى الحضاري لهذه اللحظة والتي تتبدى فيها حالة العرب، وكأنها حالة خارج سياق ما هو عالمي وكوني، حالة يبدو فيها العرب خارج التاريخ، جراء هذا العنف وهذا الانكسار كأنما نحن أمام غياب حقيقي لمفهوم الأمة، بل إن الأمة.. الكلمة والمدلول والمعنى، ليست موجودة إلا على الورق.. ليس ثمة حضور حقيقي فاعل وتاريخي في تغيير مجرى الاحداث وفي جعل «العرب» قيمة وقوة وحضوراً في المشهد العالمي والكوني، هكذا تأتي مذبحة غزة، وكأنها إدانة ليس لإسرائيل وللعالم، والدول الكبرى، والأمم المتحدة وكل منظمات الدنيا قاطبة، ولكن إدانة للعرب كونهم أصبحوا في هذه الحالة من الهوان.. وكما قال شاعرنا الكبير المتنبي:
من يهن يسهل الهوان عليه
ما لجرح بميت إيلام
(2)
وأتساءل.. والسؤال مفتاح المعرفة.. هل ضعف العرب ناتج عن غياب «الإرادة» أم ناتج عن غياب «الإدارة».. هل هذا الهوان هو انعكاس لواقع عربي ضاعت فيه رموز الوطنية، والنضال والمقاومة أم أن منظومة التنمية في أشكالها وأعمالها، في آلياتها وأدبياتها همّشت هذه الرمزية المضيئة والعظيمة وبالتالي دخل العرب في مرحلة السكون والركون والاستكانة، وأصبحت ثقافة السلام، مع النفس ومع العدو ممثلاً في إسرائيل وكل أعداء وخصوم الأمة هي الثقافة السائدة، تلك الثقافة التي هي في فكرتها وجوهرها ترتهن إلى مشروع الصلح، والتصالح مع الذات.. ومع الآخر ومن ثم الدخول في حقبة تغييب الوطنية والمقاومة والنضال، ذلك أن الأجيال الجديدة تم تهميشها وتغييبها وإلهاؤها عن القضايا الكبرى وجعلها تقع تحت فريسة البطالة.. والانشغال بالقضايا الصغيرة وجعل القضايا الوطنية والقومية قضايا هامشية، وكل ذلك ناتج عن أن العرب لم يأخذوا بمبدأ القوة.. القوة السياسية والعلمية والثقافية والمعرفية في مواجهة أعدائها وفي مقدمة هؤلاء الأعداء إسرائيل، والدول الكبرى التي تتجلى فيها رمزية القوة، وهو ما جعل هذه القوة تتحول إلى غطاء على كل الممارسات والمذابح بحق الفلسطينيين، الذين تحولوا إلى حقل تجارب لكل الأسلحة الخفيفة والثقيلة، لقد تحول الجسد الفلسطيني إلى وثيقة تاريخية ضد الإنسانية.
(3)
وفيما أرى هذا المشهد الجنائزي العام، حيث تتحول الجثث في غزة إلى مشهد دمار ونار وعار معا، وفيما يصبح الموت مجانيا واستهلاكيا ويوميا، كأنما تحول القتل إلى وجبة يومية.
أتذكر تلك المقولة التي أطلقها المفكر الفلسطيني الراحل هشام شرابي والتي رأى فيها الحال العربية وهي تتقهقر وتتراجع, وتسوء أكثر مما كانت عليه.. لقد تراجع فكر النهضة ومشروع التنوير في العالم العربي، لقد قال شرابي بأن العرب يعيشون في أقصى وأعلى حالات التيه, وهو تيه بالمعنى السياسي والثقافي والفكري والحضاري.
ولكي يخرج العرب من زمن التيه إلى زمن الفعل، من الحالة التي وصفهم بها عبد الله القصيمي بأنهم ظاهرة صوتية، لا بد أن يأخذوا بمبدأ القوة بكل ما تعنيه القوة من معنى، وللخروج من زمن الصراخ، والإدانة والشجب.. وشتيمة العدو فقط.
لتكن القوة هي سبيلنا إلى المستقبل، القوة التي تضمن للعرب الكرامة والبقاء والديمومة، وحجز موقع حضاري ومتقدم في العالم المتقدم، إن الحرية والديموقراطية والعلم هي العناوين الرئيسية لكي تصبح للعرب القوة المهابة، فبقوة المعرفة وسلطة العقل تسود العالم وتتحكم فيه.
a_faqehi@hotmail.com

للتواصل ارسل رسالة نصية sms إلى الرقم 88548 تبدأ بالرمز 203 مسافة ثم الرسالة