استعمل الدكتور محمد الطالبي في كتابه (ليطمئن قلبي) تسمية غريبة بعض الشيء من جهة المبنى والتركيب, وغير مألوفة في اللغة العربية من جهة التداول والشيوع, ولعلها تستعمل لأول مرة على ما أعلم في اللسان العربي, وهي تسمية الانسلاخسلامية.
هذا الاستعمال من الدكتور الطالبي ليس اعتباطياً بالتأكيد, ولم يأت عنده من خارج نطاق الفن, وبعيداً عن المهارة والحذق, وهو المعروف عنه علاقته الوثيقة والمبكرة باللغة العربية التي ترجع إلى عهد الصبا ابتداء من أسرته, وإلى ما قبل المدرسة, فقد حفظ ألفية ابن مالك عن طريق جده, كما حفظ متن الأجرومية في النحو أيضاً منذ الصغر, وبقيت علاقته بهذه اللغة متنامية ومستمرة بلا انقطاع حيث درسها تعلماً, ودرسها تعليماً لغة وأدباً وحضارة لمدة طويلة في الجامعة التونسية.
ومن الواضح أن تسمية الانسلاخسلامية هي من نمط التسميات المركبة التي تدمج كلمتين في كلمة واحدة بقصد الاختصار والاختزال والاشتراك في المعنى, ولفت الانتباه, وهي طريقة متبعة مألوفة ومعروفة عند أهل اللغة واللسان العربي.
والانسلاخسلامية تسمية تدمج كلمتين هما انسلاخ وإسلامية, وتعني الانسلاخ من الإسلام, وعند الدكتور الطالبي هي أوسع دلالة وأشد خطورة من ذلك.
وتمثل هذه التسمية مكوناً أساسياً في بنية كتاب الدكتور الطالبي, ووثيقة الصلة بأطروحة الكتاب ومقاصده وغايته, كما تمثل أيضاً نموذجاً تفسيرياً استند عليه المؤلف في تحليل وتفكيك وتركيب حزمة من الأفكار والمواقف والمفاهيم المتصلة بها.
وهي التسمية الأكثر شيوعاً وتداولاً في الكتاب, والأكثر اعتماداً وتأكيداً من المؤلف, كما أنها الأكثر إثارة وجدلاً, وحتى نقداً وسجالاً من النقاد, وتحديداً من المختلفين مع المؤلف, ومن المستهدفين منها بطبيعة الحال.
وأراد الدكتور الطالبي من هذه التسمية أن يوجه نقداً واضحاً وصريحاً من جهة, ولاذعاً وقاسياً من جهة أخرى لشريحة من المثقفين والباحثين والمفكرين الذين يرتبطون بالفكر الإسلامي بصور من البحث والاشتغال والتدريس في مراكز ومعاهد وجامعات, لكنهم في نظره منسلخون عنه ديناً وعبادة وسلوكاً, ومن هؤلاء من هو وثيق الصلة والزمالة بالدكتور الطالبي ولسنين طويلة, وأشار لأسمائهم أيضاً.
وقد تعامل الدكتور الطالبي مع هذه التسمية بوصفها تمثل في نظره ظاهرة خطيرة بحاجة إلى تشريح لكشف ملابساتها وما يكتنفها من غموض وإبهام, ورفع الغطاء عنها, وإظهارها على حقيقتها.
وتركز هذا التشريح على أبعاد في مقدمتها البعد الذي يتصل بالجانب الديني والعبادي حيث أولاه الدكتور الطالبي أهمية وتأكيداً, وفي هذا الشأن يرى أننا نعيش في زمان عم فيه الغموض بالنسبة للإسلام, وأصبحنا لا نعرف من المسلم من غير المسلم, ويضيف ونرى الانسلاخسلاميين من المثقفين ثقافة غربية يتزعمون الحديث عن الإسلام وهم لم يتوجهوا إلى القبلة قط, وإن توجهوا إليها صبياناً, وأعطوا اسماً من أسماء المسلمين, فقد هجروها وتنكروا إليها يافعين وشباباً وكهولاً, فأصبح التوضيح في نظره ضرورياً حتى لا تختلط المفاهيم, ولا يفقد الكلام وظيفته كبيان فيصبح تمويهاً وتعمية وتعتيماً, فهم لا يعتبرون الإسلام – والكلام للدكتور الطالبي – عقيدة حرة بالقلب, وشهادة باللسان, وعملاً بالجوارح, كما لا يعتبرونه صلاة وزكاة وحجاً وصياماً, ويرفضون الفرائض, وتجنب المحرمات, رفضاً مقصوداً واعياً بحكم انسلاخهم عن الإسلام, انسلاخاً رفض كل اعتقاد مهما كان نوعه لأنهم ينفون الإيمان أصلاً وتفصيلاً.
وعن الجانب الأخلاقي في تشريح هذه الظاهرة, يرى الدكتور الطالبي أن القضية هي قضية صدق وصراحة, فلولا أن المنسلخ عن الإسلام يستدرج ويغوى لتركناه وشأنه, ولكن عندما يصبح في نظره من الغاوين المغويين يجب التنبيه إلى غوايته, وإن عدم الإفصاح عن الانسلاخ من الإسلام صراحة هو من باب الكيد المبيت, والتدليس المقصود لنشر الانسلاخسلامية خلسة بطرق التمويه والكذب والنفاق.
وعن الجانب الفكري, يرى الدكتور الطالبي أن الانسلاخسلاميين يقلبون الإسلام من دين حر إلى هوية تاريخية, ويعتبرونه إرثاً تاريخياً لا اختيار لهم فيه, فرض عليهم فرضاً وقهراً, ويضيف الطالبي ويعتبرون القرآن عملاً بشرياً يجب أن ترفع عنه القداسة لتقع مقاربته مقاربة انطروبولوجية تستخدم كل العلوم الإنسانية على طريقة ما حصل مع باقي الكتب المقدسة التوراة والإنجيل, وهم يعيدون ويكررون الأطروحات المعروفة عند المسيحية والاستشراق.
هذه هي بعض ملامح وهوية وطبيعة ظاهرة الانسلاخسلامية في نظر الدكتور الطالبي.
almilad@almilad.org


للتواصل ارسل رسالة نصية sms إلى الرقم 88548 تبدأ بالرمز 115 مسافة ثم الرسالة