تختلف الدولة الأموية عن الدولة العباسية التي خلفتها، فالدولة الأموية جاءت في أعقاب دولة الخلفاء الراشدين، إذ إنها أرست قواعد الملك السياسي الإسلامي، فكانت الدولة الأموية دولة عروبية شديدة التعصب للعرب، وهو ما تختلف فيه عن الدولة العباسية، وكان العرب يتعاملون مع غيرهم من الشعوب حتى الذين أسلموا بنظرة استعلائية معتقدين أنهم أصحاب الفضل عندما أدخلوهم في الإسلام، ولعل هذه العنصرية وهذا التعصب، هو الذي عجل بسقوطها، فقد كان الأعاجم يودون التخلص من دولتهم، بل كانوا محبين لمن يدعو إلى إسقاط الدولة الأموية داعمين لكل حركة من حركات المعارضة.
كان من الذين يحقدون على الدولة الأموية يستدرجون أهل بيت النبي صلى الله عليه وسلم، ويوحون لهم بأنهم أولى بالحكم، ويحرضونهم على انتزاع الخلافة من بني أمية، فكانت هناك فئتان كبيرتان تطالبان بالخلافة، تعود بنسبها إلى علي بن أبي طالب كرم الله وجهه، وفئة ترجع في أصولها إلى العباس بن عبدالمطلب عم النبي صلى الله عليه وسلم، وهؤلاء من كان يطلق على شيعتهم (الرواندية).
أما فئة العلويين فهم قسمان، فئة تطالب بالخلافة لأبناء علي رضي الله عنه من زوجته فاطمة بنت النبي صلى الله عليه وسلم، وهماالحسن والحسين، وأخرى تطلبها لابنه محمد بن الحنفية، وكانت هذه الفئة تعرف باسم (الكيسانية).
كانت الدولة الأموية تلاحق المنشقين، فكانوا يختفون في الداخل، وينتشرون في الثغور والمناطق النائية، لكن الدولة الأموية أخذت تضعف بعد انتهاء القرن الأول من الهجرة بسبب الترف والفساد واستمراء العنصرية، فتكاثر دعاة الكيسانية في العراق وخراسان بسبب الحقد الفارسي على العرب، وبسبب التركيبة السكانية في هذه المناطق.
كان رجال الحكومة من الأمويين يقيمون في المدن حيث كانت تتركز قوتهم فيها، أما القرى فكانت في حوزة الدهاقين الذين ظلوا على مجوسيتهم، وهم أشراف الفرس، وكانوا يمتلكون المقاطعات، ويتحكمون في أهل القرى من الآريين الأرقاء. شجع هؤلاء الدهاقين حركات التمرد، وأمدوها بالمال والرجال، لكنهم كانوا أكثر ميلاً إلى الكيسانيين بسبب وعودهم للفرس بمنحهم الاستقلال الذاتي، بينما رفض العلويون ذلك، فكثر دعاة الكيسانيين، وقدموا ولاءهم إلى أبي هاشم بن محمد بن الحنفية، الذي قرر ضم أتباعه إلى العباسيين عندما أستأنس فيهم التنظيم الجيد وكثرة الأتباع.
ما أن مات أبوهاشم حتى انضم الكيسانيون إلى العباسيين بزعامة محمد بن علي بن عبدالله بن عباس فبايعوه، وكان أكثر أتباعه من غير العرب، وبشكل خاص الفرس لبعدهم عن مركز الخلافة الأموية بدمشق.
استطاع محمد بن علي أن يأخذ البيعة لابنه إبراهيم قبل وفاته عام 124هـ، ولقب بالإمام، وبعث بالنقباء وعددهم سبعون إلى مختلف الأقطار يدعون له ويناصرونه، لكن الله عز وجل سخر له داهية من دهاة خراسان، هو عبدالرحمن بن مسلم الخراساني، الذي استطاع أن ينتهز فرصة ضعف الدولة الأموية، والتنافس على الزعامة في فارس، بين نصر بن سيار الوالي على خراسان، وبلاد فارس، وقائد يمني من قادته هو جديع بن علي الذي لقب بابن الكرماني.
لم تلق استغاثة ابن سيار آذاناً صاغية من الخليفة بالشام، ولم ينهض لمساعدته، ولم يلتفت إلى التحذيرات التي أرسلها ابن سيار، فنظم ابن سيار قصيدة عبرت بصدق عن ما يدور في فارس، وما يبيت ضد الدولة الأموية فسار بذكرها الركبان قائلاً فيها:
أرى تحت الرماد وميض نار
وأخشى أن يكون لها ضرام
فقلت من التعجب ليت شعري
أأيقاظ بني أمية ؟ أم نيام ؟
ما أن قويت دعوة إبراهيم حتى تحول الشيعة من آل علي، وانضموا إلى إبراهيم الإمام الذي ظل في (الحميمة) بالبلقاء على مشارف الشام بمنطقة عرفت ببيت الدعاة، لكن الخليفة مروان بن محمد بلغه ما يقوم به إبراهيم الإمام، وأطلع على كتابه إلى أبي مسلم الذي يأمره فيه بقتل كل من يتكلم العربية في خراسان، فبعث مروان بقوة عسكرية إلى المحلة، فطوقت مكان إبراهيم وقادوه إلى مروان الذي سجنه في (حرَّان)، ولما خشى الموت أوصى بالإمامة إلى أخيه أبوالعباس عبدالله بن محمد، وطلب منه أن ينتقل بأتباعه إلى الكوفة.
وفي الشام قتل إبراهيم الإمام، أما مروان بن محمد، فكان آخر الخلفاء الأمويين يقيم في دمشق عاصمة الخلافة، فكان من خيرة خلفاء بني أمية، وكان عازماً على الإصلاح، وقد انتشر الفساد وسرى في جسد الدولة، لكن مروان استطاع أن يتغلب على الانقسام في الأسرة الأموية.
ما أن أهل عام 136هـ حتى توفي أبوالعباس السفاح، وتولى من بعده أخوه أبوجعفر المنصور، وقد اتخذ العباسيون من الأنبار عاصمة لخلافتهم.
بدأت أعراض التمرد تظهر على أبي مسلم الخراساني، فقد حبس الغنائم عن أبي جعفر المنصور، ولما بعث يطلبها منه شتم أباجعفر في مجلسه، وكان أبومسلم في الجزيرة ثم انتقل إلى حلوان، ثم قرر أن يعود إلى خراسان ويستقل بها.
عمد أبوجعفر المنصور إلى الدهاء، فأمَّنه واستدعاه إليه ليوليه على خراسان، ولما تمكن منه قتله في مجلسه، ثم أخذ المنصور في توطيد الحكم وملاحقة المنشقين، وأسس بغداد ونقل الخلافة إليها. إن تعلق الفرس بالعلويين وميلهم إليهم، كان بقصد استعادة امبراطوريتهم الفارسية، والعودة إلى نظرية الحق الإلهي، وحصرها في البيت الساساني، بالإضافة إلى نظرة السخط والكراهية لعمر بن الخطاب رضي الله عنه، الذي قوض دعائم الامبراطورية الفارسية، لهذا تسترت هذه النزعة بستار الدين، وهو ما توصل إليه (جوبينو) المحلل التاريخي الشهير.
eshki@doctor.com
كان من الذين يحقدون على الدولة الأموية يستدرجون أهل بيت النبي صلى الله عليه وسلم، ويوحون لهم بأنهم أولى بالحكم، ويحرضونهم على انتزاع الخلافة من بني أمية، فكانت هناك فئتان كبيرتان تطالبان بالخلافة، تعود بنسبها إلى علي بن أبي طالب كرم الله وجهه، وفئة ترجع في أصولها إلى العباس بن عبدالمطلب عم النبي صلى الله عليه وسلم، وهؤلاء من كان يطلق على شيعتهم (الرواندية).
أما فئة العلويين فهم قسمان، فئة تطالب بالخلافة لأبناء علي رضي الله عنه من زوجته فاطمة بنت النبي صلى الله عليه وسلم، وهماالحسن والحسين، وأخرى تطلبها لابنه محمد بن الحنفية، وكانت هذه الفئة تعرف باسم (الكيسانية).
كانت الدولة الأموية تلاحق المنشقين، فكانوا يختفون في الداخل، وينتشرون في الثغور والمناطق النائية، لكن الدولة الأموية أخذت تضعف بعد انتهاء القرن الأول من الهجرة بسبب الترف والفساد واستمراء العنصرية، فتكاثر دعاة الكيسانية في العراق وخراسان بسبب الحقد الفارسي على العرب، وبسبب التركيبة السكانية في هذه المناطق.
كان رجال الحكومة من الأمويين يقيمون في المدن حيث كانت تتركز قوتهم فيها، أما القرى فكانت في حوزة الدهاقين الذين ظلوا على مجوسيتهم، وهم أشراف الفرس، وكانوا يمتلكون المقاطعات، ويتحكمون في أهل القرى من الآريين الأرقاء. شجع هؤلاء الدهاقين حركات التمرد، وأمدوها بالمال والرجال، لكنهم كانوا أكثر ميلاً إلى الكيسانيين بسبب وعودهم للفرس بمنحهم الاستقلال الذاتي، بينما رفض العلويون ذلك، فكثر دعاة الكيسانيين، وقدموا ولاءهم إلى أبي هاشم بن محمد بن الحنفية، الذي قرر ضم أتباعه إلى العباسيين عندما أستأنس فيهم التنظيم الجيد وكثرة الأتباع.
ما أن مات أبوهاشم حتى انضم الكيسانيون إلى العباسيين بزعامة محمد بن علي بن عبدالله بن عباس فبايعوه، وكان أكثر أتباعه من غير العرب، وبشكل خاص الفرس لبعدهم عن مركز الخلافة الأموية بدمشق.
استطاع محمد بن علي أن يأخذ البيعة لابنه إبراهيم قبل وفاته عام 124هـ، ولقب بالإمام، وبعث بالنقباء وعددهم سبعون إلى مختلف الأقطار يدعون له ويناصرونه، لكن الله عز وجل سخر له داهية من دهاة خراسان، هو عبدالرحمن بن مسلم الخراساني، الذي استطاع أن ينتهز فرصة ضعف الدولة الأموية، والتنافس على الزعامة في فارس، بين نصر بن سيار الوالي على خراسان، وبلاد فارس، وقائد يمني من قادته هو جديع بن علي الذي لقب بابن الكرماني.
لم تلق استغاثة ابن سيار آذاناً صاغية من الخليفة بالشام، ولم ينهض لمساعدته، ولم يلتفت إلى التحذيرات التي أرسلها ابن سيار، فنظم ابن سيار قصيدة عبرت بصدق عن ما يدور في فارس، وما يبيت ضد الدولة الأموية فسار بذكرها الركبان قائلاً فيها:
أرى تحت الرماد وميض نار
وأخشى أن يكون لها ضرام
فقلت من التعجب ليت شعري
أأيقاظ بني أمية ؟ أم نيام ؟
ما أن قويت دعوة إبراهيم حتى تحول الشيعة من آل علي، وانضموا إلى إبراهيم الإمام الذي ظل في (الحميمة) بالبلقاء على مشارف الشام بمنطقة عرفت ببيت الدعاة، لكن الخليفة مروان بن محمد بلغه ما يقوم به إبراهيم الإمام، وأطلع على كتابه إلى أبي مسلم الذي يأمره فيه بقتل كل من يتكلم العربية في خراسان، فبعث مروان بقوة عسكرية إلى المحلة، فطوقت مكان إبراهيم وقادوه إلى مروان الذي سجنه في (حرَّان)، ولما خشى الموت أوصى بالإمامة إلى أخيه أبوالعباس عبدالله بن محمد، وطلب منه أن ينتقل بأتباعه إلى الكوفة.
وفي الشام قتل إبراهيم الإمام، أما مروان بن محمد، فكان آخر الخلفاء الأمويين يقيم في دمشق عاصمة الخلافة، فكان من خيرة خلفاء بني أمية، وكان عازماً على الإصلاح، وقد انتشر الفساد وسرى في جسد الدولة، لكن مروان استطاع أن يتغلب على الانقسام في الأسرة الأموية.
ما أن أهل عام 136هـ حتى توفي أبوالعباس السفاح، وتولى من بعده أخوه أبوجعفر المنصور، وقد اتخذ العباسيون من الأنبار عاصمة لخلافتهم.
بدأت أعراض التمرد تظهر على أبي مسلم الخراساني، فقد حبس الغنائم عن أبي جعفر المنصور، ولما بعث يطلبها منه شتم أباجعفر في مجلسه، وكان أبومسلم في الجزيرة ثم انتقل إلى حلوان، ثم قرر أن يعود إلى خراسان ويستقل بها.
عمد أبوجعفر المنصور إلى الدهاء، فأمَّنه واستدعاه إليه ليوليه على خراسان، ولما تمكن منه قتله في مجلسه، ثم أخذ المنصور في توطيد الحكم وملاحقة المنشقين، وأسس بغداد ونقل الخلافة إليها. إن تعلق الفرس بالعلويين وميلهم إليهم، كان بقصد استعادة امبراطوريتهم الفارسية، والعودة إلى نظرية الحق الإلهي، وحصرها في البيت الساساني، بالإضافة إلى نظرة السخط والكراهية لعمر بن الخطاب رضي الله عنه، الذي قوض دعائم الامبراطورية الفارسية، لهذا تسترت هذه النزعة بستار الدين، وهو ما توصل إليه (جوبينو) المحلل التاريخي الشهير.
eshki@doctor.com