تظل محافظة عنيزة غنية بآثارها وامكنتها التراثية التي تؤدي دورا فاعلا في تاريخها وقد كنا في الحلقات الأربع السابقة نستعرض أهم الآثار والأمكنة التاريخية كل واحد على حدة لأن كل واحدمنها ذو مكانة تاريخية وحضور تراثي كبير وفي هذه الحلقة نشير الى مجموعة من الأماكن التاريخية التي اكتشفت من قبل وحدة الآثار والمتاحف بعضها طمرتها عوامل التعرية فلم يتم العثور على صور واضحة لامكنتها ولعل أبرز تلك المواقع والأمكنة الأثرية التي اكتشفت أخيرا ما يلي:
رامة أو رامتان كما ورد في الكتب والمعاجم ودواووين الشعر القديمة سواء في الجاهلية أو ما بعد الإسلام الحنيف وفي الوقت الحاضر أطلق عليها "رامات" بالجمع اضافة الى التسميات القديمة وهما تلان رمليان متسعان ومرتفعان حتى انك تشرف من خلالهما على منطقة القصيم وعند صفاء الأجواء يمكنك مشاهدة الجبال الشهيرة مثل أبان وخراز وقطن.. وتقع رامة الى الجنوب الغربي من محافظة عنيزة وإلى الجنوب من محافظة البدائع وإلى الجنوب من محافظة الرس قريبة من مركز الأحمدية والموقع الأثري يتكون من تل أسمر مرتفع يحتوي على بقايا قصر متهدم مبني من الحجارة ولا زالت بقايا تقسيماته موجودة حتى الآن.. وبالقرب من هذين الأثرين تنتشر مجموعة من الآبار التي حفرت بشكل دائري بديع وبعد موسم الأمطار تكتسي رامة أو رامتان بغطاء نباتي يعطي لوحة فنية رائعة من طبيعة ساحرة وكانت سببا في الهام الشعراء منذ القدم يقول زهير بن ابي سلمى:
لمن طلل برامة لا يريم
عفا وخلاله حقب قديم
ويقول بشر بن ابي حازم الأسدي
عفا رسم برامة فالتلاع
فكثبان الحفير الى القاع
فجنب عنيزة فذوات خيم
بها الغزلان والبقر الرتاع
والموقع أحد محطات طريق الحج من العراق الى مكة المكرمة وقد عثر بالموقع على بعض الملتقطات السطحية ووجد أيضا عملة ذهبية ترجع الى عام 1651هـ أيام الخليفة المهدي.
الصنقر
قبل التطور العمراني في محافظة عنيزة كان هناك ما يسمى بالجال الشرقي ويطل على المدينة القديمة وقد بني حصنان دائريان كانت لهما اهميتهما القصوى اثناء الحروب التي شهدتها عنيزة قبل توحيد البلاد على يد المغفور له الملك عبدالعزيز طيب الله ثراه.. وكان احدهما يسمى (الصنقر) وهما اثنان احدهما داخل مبنى الجمعية الصالحية (مركز صالح بن صالح الاجتماعي) والآخر الى الشمال منه ولا زال باقيا حتى الآن.. والصنقر مبنى دائري من الحجارة المهزية والسمكية وقطر الدائرة قرابة 8 أمتار ويتفاوت ارتفاعه وربما يصل الى ثلاثة أمتار ويقل ذلك في بعض أجزائه وتوجد فيه فتحات للمراقبة والدفاع.. ويتميز بسماكة حائطه الحجري.. ويذكر انه بني عام 1302هـ وكان لهذا الحصن (الصنقر) والأرض المجاورة له أهمية كبرى لدى الأهالي حيث نصب بجانبه مدفع لتنبيه الأهالي وقت الافطار والسحور في شهر رمضان المبارك وبعد التطور الحديث وامتداد المدينة في كل اتجاه أصبح هذا المكان وسط المدينة وانتفي معه دور المدفع الرمضاني وبقي الصنقر أثراً من الآثار.
بركة الأشرفية
ضمن المواقع الأثرية في محافظة عنيزة حجارة مبنية بشكل دائري تم تسميتها (بركة الأشرفية) وتقع في الجهة الشرقية على بعد 5 كيلو من المدينة القديمة ويبلغ قطر الدائرة من 16 إلى 17 م والخط الحجري الممتد فيها يبلغ طوله 100 متر تقريبا وقد اختلف الباحثون حول تحديد مهام تلك الدائرة فمنهم من يرى انها بقايا بركة قديمة وترجع إلى اعمال زبيدة زوجة هارون الرشيد بوضع البرك والآبار والعيون لتسهيل طريق الحاج الى الديار المقدسة وهناك من يرى أنها محاجر للمياه يستفاد منها لتجميع مياه الأمطار لفترة طويلة ليستفيد منها الرعاة ومن الباحثين من يرى انها بقايا أعلام الطريق للاهتداء بها أثناء مسيرة القوافل ويرى آخرون أنها مهيأة للاستعداد أثناء الحروب للدفاع والمراقبة الا أن المؤكد أنه موقع أثري يعود لفترة قديمة.
زبيدة «العمارة»
يعتبر موقع زبيدة من أقدم المواقع الأثرية المكتشفة في عنيزة حيث أجريت العديد من الدراسات من قبل الجهات المعنية بالآثار منذ عام 1399هـ ويعتقد ان هذا الموقع يعود إلى أعمال زبيدة زوجة هارون الرشيد واهتمامها بطريق الحاج إلا انه تبين فيما بعد ان هذا الموقع يعود لفترات تاريخية موغلة بالقدم ربما تعود للقرن الأول الميلادي وقد أظهرت المجسمات والدراسات التي أجريت على هذا الموقع بأنه يعود إلى تلك الحقبة من الزمن ويشاهد هذا الموقع قرب جسر وادي الرمة على طريق عنيزة/ بريدة والذي يبعد عنه حوالى 500 م تقريبا ملاصقا لبطن الوادي على الضفة الشمالية حيث يتدرج الارتفاع ليشكل منطقة رملية مرتفعة هي التي أدت إلى طمر الموقع واختفائه على مر السنين ويلاحظ في الموقع أساسات بناء قديم وانتشار الفخار بشكل لافت للنظر كما تم العثور على عملات قديمة وآنية فخارية وكسر الفخار المتنوعة في التصاميم والالوان وهناك من يعتقد ان هذا الموقع هو لأحدى القريتين اللتين ذكرتهما المراجع التاريخية القديمة التي تعود لطسم وجديس حيث كانت قبل البعثة النبوية تسمى بـ "ذات أبواب" أو "أبوي" وتم تعميرها مجددا من قبل عبدالله بن عامر بن كريز وجعفر بن سليمان على أكثر ما أوردته المراجع التاريخية والموقع خاضع لاشراف وحدة الآثار والمتاحف بمحافظة عنيزة.
بدأ الاهتمام بهذا الموقع منذ عام 1400هـ حينما أبلغ أحد المواطنين وهو الاستاذ عبدالرحمن بن ابراهيم البطحي رحمه الله احد المهتمين بالدراسات المتعلقة بتاريخ المنطقة ببرقية عاجلة عن وجود مواقع أثرية هامة إلى الجنوب الغربي من عنيزة وتم ايفاد المختصين لمعاينة الموقع وهذا الموقع عبارة عن تل مرتفع يحتوي على قطع حجرية قليلة وتم العثور على قطعتين حجريتين تحتويا على كتابات إسلامية والموقع غير واضح المعالم لأن الرمال تغطي أجزاء كبيرة منه خاصة ان المنطقة المحيطة بالموقع رملية وتتسع لمسافات بعيدة، وسبب تسمية المكان بأم مسجد وجود حجارة مصفوفة على شكل محراب لتأدية الصلاة ويمر بالموقع طريق اسفلتي يصل ما بين عنيزة والبدائع والخرماء كما يوجد بالقرب من الموقع مركز الأبرق وقامت وكالة الآثار باحاطة الموقع بسور لحمايته.
موقع التكروني
يسمى التكروني أو ضلع العبد بسبب سمرة الاحجار التي تكون هذه الجبال او الاكمات لوقوعها وسط رمال ذهبية وهي جزء من منتزهات الغضا في محافظة عنيزة على بعد 21 كم تقريبا على الطريق المعروف (طريق الضلعة) الموقع الذي وجدت فيه الآثار عبارة عن أكمة سوداء مستطيلة طولها واحد كيلو تقريبا ممتدة من الشرق الى الغرب والموقع وجدت فيه بعض الكتابات والرسوم وقد لوحظ وجود أعمدة حجرية اسطوانية الشكل مختلفة الاحجام والاطوال ويتراوح قطر العامود ما بين 40 إلى 70 سم تقريبا واطوالها تتراوح ما بين 2.50م إلى 3م ويتضح ان لهذه الأعمدة اشجارا متحجرة استعملت كأعمدة او مسلات سجلت عليها بعض احداث المنطقة حيث نجد ان جزءا من عمود طوله 1م وقطره 42 سم اسطواني الشكل على احدى واجهاته صورة واضحة ودقيقة لشخص يرفع يديه الى الأعلى وعلى الجهة المقابلة من نفس الحجر تكررت نفس الصورة إلا انها اقل دقة من سابقتها ووجد بالاسفل كتابة غير واضحة ويحتمل ان يكون المكان عبارة عن معبد أو مغارة استخدمت للسكن وانهارت أو هدمت في أوقات لاحقة ويوجد على بعض الصخور بعض الكتابات المتآكلة بفعل العوامل الجوية وقد وجدت في الجهة الشمالية الغربية من الموقع ويوجد أيضا نقش على شكل صورة حصان أو جمل في سفح الأكمة من الجهة الجنوبية اضافة لرسم صخري لفارس يمتطي جوادا ورسوم أخرى وهذا الموقع يرتاده الناس لوقوعه في منتزهات الغضا المعروفة في عنيزة والموقع خاضع للمراقبة من قبل وحدة المتاحف والآثار في عنيزة.
قارة الكيس
تقع إلى الشمال الشرقي من محافظة عنيزة على بعد حوالى 7 كم وهي عبارة عن مرتفع أو تل يشرف على وادي الرمة يسمى قارة الكيس ويذكر بعض كبار السن الذين عايشوا المكان في فترات سابقة أن هذا الجبل يوجد به مغارات وكهوف، كما يذكر انه وجد فيها ملتقطات ثمينة من بينها كنز داخل كيس لذلك سمي الموقع بهذا الاسم.. ويقع الموقع ضمن خدمات مركز وادي أبو علي على مقربة من قربة البويطن التي كانت تسمى قديما (بطن فلج) حسب الآراء التي أوردها اصحاب المؤلفات المتأخرة ولا يستبعد ان يكون هذا الموقع هو (الشجا) كما أورده الشيخ محمد بن ناصر العبودي في كتابه (معجم بلاد القصيم) نقلا عن البكري لقصة شيخ كبير السن كان يخبر عن أماكن بعض المواقع قال فهل وجدتم عنيزة؟ قلنا نعم.. قال أين؟ قلنا عند قفا الضرب الذي سد الوادي قال ليس تلك عنيزة بل الشجا ولكن عنيزة بينهما وبين مطلع الشمس عند الأكمة السوداء.. وقد استخرج محمد بن سليمان أمير البصرة الماء بناء على هذا الوصف.. يقول امرؤ القيس:
تراءت لنا بين النقا وعنيزة..
وبين الشجا مما أحال على الوادي
ثم أمر الحجاج بالحفر وقال احفروا بين عنيزة والشجا حيث تراءت للملك الضليل فانها لم تتراءى له إلا على ماء فحفروا فاستخرجوه، كانت تلك مجموعة من المواقع التاريخية التي شهدت في محيط محافظة عنيزة بصمات تاريخية ومواقع أثرية كان لها مع التاريخ موعد ومع التراث مساحة فاحتضنتها وحدة الآثار والمتاحف بمحافظة عنيزة لتروي حقبة تاريخية كان لابد من الاشارة اليها وما سجلته صفحات التاريخ لتبقى في يوم من الأيام صحيفة عكاظ شاهدة على تلك الحقبة من الزمن قبل ان تندثر وتكون مصدرا علميا لهذه الآثار.