هو الشيخ عيسى المطرودي القاضي بمحكمة حائل العامة، ويشغل في نفس الوقت منصب رئيس لجنة فائض الولائم بالجمعية الخيرية السعودية، وقد نادى بمنع وضع الحاشي (الجمل البيبي) كاملا على صحن واحد لأن في ذلك سفها وبطرا بالنعمة وتبديدا لقوت، هناك كثيرون بحاجة إليه.. سألت صديقا بدويا قطريا عما إذا كان هناك قِدر يصلح لطبخ جمل، ولو كان بيبي غير مكتمل النمو، فقادني الى مكتبة قناة الجزيرة الفضائية – حيث يعمل كلانا – وعرض علي شريط فيديو عن الولائم في الخليج، ورأيت تجويفا حسبته في بادئ الأمر فتحة بئر بترول، ولكن ومع حركة الكاميرا أدركت أنه قدر يصلح لطبخ ناقة في سن اليأس، وليس مجرد بيبي «جمُّول».. ثم رأيت المشهد الذي أثار غضب الشيخ عيسى ألا وهو وضع الجمل الصغير بكامل هيئته على طبق واحد.
غدر بي صديق سعودي ذات يوم عندما دعاني لوجبة صباحية في مطعم في الرياض أكلت فيه بشراهة «كبدة» مقلية.. وسألني بعد ان شبعت عن رأيي في كبد الحاشي.. ولم أكن وقتها أعرف معنى «حاشي»، وما ان عرفت انها تعني الجمل الصغير حتى ثار بركان في بطني وقذف بالحمم في ملابس صديقي (سابقا).. كان – سامحه الله – يعرف أنني أعاني من فوبيا (رهاب) الإبل بسبب عدوان غاشم من ناقة وأنا صغير، سبب لي كوابيس وهلاويس.. ثم شربت حليب ناقة طازج في بيت بدوي في مدينة العين بالأمارات.. وعينك ما تشوف إلا النور.. فقدت سوائل لأسباب لا داعي لذكرها.
وأكتب هذه السطور لأشد على يد شيخنا عيسى، لأنه فعلا من السفه والبطر بالنعمة ان أضع جملا أو حتى خروفا كاملا في صحن واحد، كي تعبث به الأيدي وتتركه ركاما لا يصلح للاستخدام الآدمي، رغم أنه يكفي لإطعام عشرين شخصا من فصيلة أشعب لو نتج عن أخذ كل من المستطعمين حاجته في طبق صغير.. أنا مثل كل أبناء هذا الجزء من العالم أحب تناول الطعام بمشاركة أيدٍ كثيرة، ولكن تصرفا وملاحظة بسيطة من ولد لي كان عمره وقتها 4 سنوات، جعلاني أواصل الاستمتاع بالأكل مع الجماعة، ولكن في صحن خاص بي.. فنحن السودانيين – مثل أهل الجزيرة العربية والخليج – نتناول طعامنا الشعبي من صحن واحد مشترك.. وكان ولدي يعزف عن مشاركتنا الطعام من نفس الصحن، من منطلق أن ذلك غير صحي (هو استخدم كلمة «مقرف»).. ومنذ يومها صرنا – حتى في وجباتنا اليومية - نعمل بطريقة البوفيه المفتوح، التي اقترحها الشيخ عيسى.. نعم تكون عندنا أصناف محدودة في الطعام في الوجبات المنزلية، ولكن على الأقل لا نضطر الى التخلص مما تبقى من طعام بإلقائه في مقلب القمامة.
نعم يا جماعة فكثير من عاداتنا في الأكل هي السفه بعينه، فمخلفات الوجبات المنزلية في حي واحد تكفي لإطعام كتيبة من الأشعبيين، فما بالك بولائمنا.. أنا لا أتحدث فقط عن ولائم الأفراح، بل حتى في الوليمة التي نقيمها لضيف واحد، نتصرف وكأننا نسعى لتسجيل رقم قياسي يؤهلنا لدخول موسوعة غينيس في مجال التبذير الغبي.. والأمر ليس نكتة: فكلما قال لي شخص ما إنه يريد إقامة وليمة على «شرفي»، يدعو إليها بعض الأصدقاء أقول له: أعرف أنك ستنفق على الوليمة كذا ألف.. ولن يكون نصيبي منها أكثر من نحو خمسين جراما من اللحم ومثلها من الخبز والرز.. أعطني ربع كلفة الوليمة عدا نقدا وسيكون كلانا رابحا!!

jafasid09@hotmail.com
للتواصل ارسل رسالة نصية sms إلى الرقم
88548 تبدأ بالرمز 151 مسافة ثم الرسالة