اليوم نأتي الى الحلقة الأخيرة في سلسلة الاعراف القبلية التي سيطرت على حياة بعض القبائل فبعد سيطرة القبيلة على زواج افرادها.. والاتفاقات القبلية المخالفة للشرع أحيانا.. تأتي اليوم (حقوق النساء في المواريث) لدواع قبلية مختلفة.. حيث ان ذلك الوضع اعاد المرأة الى جاهليتها الاولى.. كما ان مطالبة المرأة «مهيضة الجناح» بحقها في الارث تجلب لها العار وسوء السمعة وسط مجتمعها الصغير والكبير. يحدث هذا مخالفا لنصوص صريحة منحت المرأة حقها بلا انتقاص، فالشرع كفل للمرأة حقوقها.. غير ان «الاعراف» القبلية والاتفاقات الجانبية تطل برأسها.. خلافا للنص الصريح.
وتعتبر مطالبة الانثى بحقها في ميراث ابيها «عيبا اجتماعيا» لدى البعض في القرى والهجر.. واقل وصف يمكن ان تواجه بها هو الخروج عن (العادات والتقاليد والاعراف المرعية) ويستتبع ذلك الاعتذار.. والتنازل عن حقوقها!.
لا حقوق للمرأة
المتأمل لوضع المرأة في بعض المجتمعات العربية والقبلية، يدرك الخلل الكبير في تطبيق الحكم الشرعي الذي كفل لها حقوقها ، وضمن لها واجباتها ، واستبداله بمبدأ العرف الاجتماعي والتقليد القبلي ، والغريب في هذا المجال أن نرى حصول المرأة على ما كفلته لها شريعتنا السمحة شيئا من الخيال في ظل القصص الكثيرة والمؤلمة التي نسمع عنها كل يوم.
بين نارين
مطالبة المرأة بحقها من الميراث أصبحت عيبا في عرف بعض القبائل ومتى صدرت منها فهذا يعني انقطاع جميع حبال صلة الرحم بينها وبين اخوانها وأقاربها ، بل ان من تفعل ذلك فانها تلحق العار بنفسها وأسرتها وعليها أن تكفر عن خطيئتها بالطريقة التي ترضي عنها المجتمع وليس غريبا أن تعيش المراة في صراع دائم بسبب الميراث وتتعرض لضغوط نفسية وعصبية مستمرة ، فهي تحاصر بين نارين ، فالزوج يحرضها على أخذ حقها الشرعي من ميراثها ، باعتباره امرا مفروغا منه ، قضت به الشريعة السمحة وضمنته لها. فهي لم تبتدع شيئا ولم تتجاوز حدودها الشرعية، أما الإخوة والأقارب فيعتبرون المرأة التي تقوم بذلك وتطلب بحقها في الميراث ارتكبت احدى الكبائر وقامت بقطع جميع أواصر صلة الرحم وجرت على نفسها المهالك.
هذا الوضع الذي تعيشه المراة في بعض المجتمعات القبلية العربية يحولها الى انسانة مشتتة الذهن لاتقوى على التفكير فالزوج يخاطبها بما يأمر به الشرع والإخوة يجعلون من العادات والعيب الاجتماعي الوسيلة التي يحتكمون اليها ، ويدحرون بها المطالب المفروضة عليهم ، وللأسف فانهم يجدون في العرف الاجتماعي مبررا لهذا التجاوز ومخرجا من هذا المأزق.
الغرباء لايرثون
وهناك من لا يحتمل أمر المطالبة بأي شكل ويعتبر حصول المرأة على ميراثها انتقاصا من شأنه وأن حق أسرته سيذهب للغرباء، الذين يسعون الى نهب أموالهم وممتلكاتهم ، وأصحاب هذا التفكير لا يتورعون عن ارتكاب أي فعل مهما كانت نتيجته فبعض من قضايا الدم التي تحدث بين الأسر داخل بعض القبائل مردها مطالبة المرأة بحقها في الميراث.
تهديد وقطيعة
تقول أم خالد: لدي أربعة أشقاء كانوا يتواصلون معي باستمرار بطريقة جعلتني اشعر بان جميع من حولي يحسدونني على هذا التعامل والاحتواء الأسري الذي أنساني وفاة والدي ووالدتي ، ولأنني اصبحت معلمة فلم أكن بحاجة الى من يصرف علي ولم يكن لدي أي اهتمام بالأملاك أو حقي في الميراث لأنني لم احتج اليها وبعد زواجي انتبهت الى ذلك خاصة أن الأموال لا حصر لها والأملاك تقدر بالملايين، وكان نصيبي منها كبيرا ومجرد الحصول على جزء منه فانه سيكفينا طول العمر .
وتضيف أم خالد لم أتوقع أن مجرد المطالبة بحقوقي التي أغفلتها كثيرا وتنازلت عنها طوال 28 عاما ستدفع أشقائي الى مقاطعتي ولكنه حدث فبعد أن حضرت اليهم اطلب حقي رغم انني ترددت كثيرا تغيرت معاملتهم لي ، وبدأت زياراتهم واتصالاتهم تقل شيئا فشيئا حتى تلاشت وبدأ الكلام يطول وعبارات التهديد تلاحقني في كل مكان ونظرات النساء تتفحصني بعضها مؤيد وبعض شامت وبعضها مستهجن فعرفت أن أشقائي هم وراء كل هذا رغبة منهم في ثنيي عن مواصلة السير للحصول على حقي في الميراث.
صراع نفسي
وتقول أم خالد شعرت في البداية بنوع من الرهبة حتى إن زوجي لم يحاول التدخل أو الوقوف معي بعد أن رأى حالتي النفسية تسوء يوما بعد يوم ولكني استعدت قواي في محاولة للمواجهة واسترداد كرامتي وللأسف وجدت أن الجميع ضدي ومع ذلك لم استسلم ولكن ما حصلت عليه من حقي الشرعي لم يكن يوازي دمعة واحدة ذرفتها.
أعراف جائرة
يشير الدكتور علي محمد الرباعي مدرس العلوم الشرعية بمعهد الباحة العلمي الى ان المرأة خضعت عبر عصور طويلة لأعراف جائرة هضمت حقها وتطاولت على كرامتها وتعدت على خصوصيتها ومن ذلك أنها تتحول بذاتها الى تركة يحظى بها القوي من أفراد العائلة بعد موت زوجها ولما جاء الاسلام أعاد للمراة مكانتها اللائقة التي أعطاها ربها وخالقها وجعلها شريكة للرجل في المغنم والمغرم وأباح لها التملك.
ويقول د. الرباعي هذا يعني ان الله سبحانه وتعالى هو من تولى قسمة الميراث وأعطى للمراة حقها الشرعي وافيا وكاملا ولكن لضعف بعض النفوس وانتكاسها الى الجاهلية عادت حالة المرأة أو لنقل بعض النساء على ما كانت عليه في الجاهلية فلا يجوز لها المطالبة بميراث أبيها أو زوجها وان طالبت هجرت وقطعت وشنع عليها الناس بأنها لا تستحي وهذا كله عرف جائر وعادات جاهلية.
أنا متنازلة
ويلفت د. الرباعي الى أن المراة في مجتمعنا قد تجامل إخوتها وقرابتها فتقول أنا متنازلة ولا أريد مثقال ذرة لكنها لا تعني ما تقول.
الحجر على المرأة
خيرية البشري من القسم النسوي بادارة التربية والتعليم بعسير تقول ان المتتبع لتاريخ الأمم القديمة قبل الاسلام يجد انه لم يكن يعترف للمرأة بأية حقوق فكانت تباع وتشترى.. لا ترث ولا تملك ، وكان أكثر الذين يملكونها يحجرون عليها التصرف فيما تملكه.. وكان للزوج الحق في التصرف بمالها وبينما كانت المرأة تعاني ما تعانيه.. ظهر الاسلام الذي قرر لها من الحقوق والواجبات حيث قرر أهليتها الاقتصادية والاجتماعية والدينية وحررها من القيود وحفظ حقها في الحياة والميراث.

راية سوداء
وتشير خيرية الى أنه بالرغم من هذا الحق الشرعي ما زلنا نسمع من يصرخ قائلا ( المرأة لا تورث ) وهذا حق الرجل دون المرأة. من النساء من تأخذ حقها في الورث من ذويها فتكون بذلك اقترفت ذنبا كبيرا لا يغتفر وترفع لها الراية السوداء بدل البيضاء على سطح المنزل كما يحدث في بعض القبائل.. منطق غريب نظرة قاصرة تحكمها التقاليد والعادات القبلية.