يجلس على الكنبة أمام التلفزيون.. يأخذ الجريدة يقرأها و يتركها.. وتكثر حركاته.. مرّة يرفع رجليه فوق الكنبة و يـثـنـيها ومرّة يرجعها للأرض.. ويطالع في ساعة الجوّال.. يأخذ الريموت ويطقطق فيه.. يقفز من قناة إلى قناة.. باقي خمس دقائق على المسلسل.. يحضر البطانية و ينسدح على الكنبة قدّام التلفزيون.. يسحبها حتى تصل قريبا من أسنانه.. ويكون لبس شماغه ولفّه على خديّه وصابريه ثم يشده.. يشدّ أطرافه ويعقدها فوق العقال.. ويلبس نظارته الحمراء.. فيبكي مع الممثلين والممثلات إن بكوا ويضحك معهم إذا فيه حاجة تضحك.. ويتحرك تحت البطانية.. داخل الشماغ وخلف النظارة.. فوق الكنبة.. هنا أو هناك.. تدخل الفأرة.. في بيته طبعا مش في المسلسل.. وبالمناسبة وهي مناسبة ضرورية.. هو يسمي المسلسل أحيانا بالمشلشل.. خاصة إذا كان المشلشل حلو ويونّس.. فيضرب عنده شوط ويصير عنده التماس.. فإذا ضرب عنده شوط نتيجة التأثر يقلب السين شينا ويقول «خوش مشلشل «.. على كل حال.. تدخل الفأرة وهو يشاهد المشلشل.. بهدوء تمرّ أمامه وتدخل إحدى الغرف و تخرج منها إلى غرفة أخرى.. وتخرج.. وتحاول أن تدخل خلف الدولاب ولكنها ما تقدر لأن الدولاب مرصوص ولاصق بالجدار وما فيه فراغ.. تحاول تصعد الجدار إلى السقف لكن تنزلق.. تحاول مرّة ومرّة ومرّات من دون فايدة.. الجدار أملس ويلصف ويلمع.. تدخل المطبخ.. بعد أن اكتشفته بالصدفة.. تقفز هنا.. هناك.. كل شيء أملس ويلصف ويلمع الأواني والدواليب والجدران والماء.. تبحث عن الأرزاق فلا تلقى شيئا.. كل رزق محطوط في علبة ومقفل عليه.. رجعت عنده وقفت جواره وحرّكت ذنبها.. يمينا.. شمالا.. ما كو فايدة كان غارقا في المشلشل.. حتى عيونه خلف النظارة الحمرا ما ترمش ولا تتحرك.. هاذا طبعا حسب ظن الفأرة.. قالت له «ما عندكم شيء؟ ما عندكم مطبخ؟ ما لكم سقف؟ ما عندكم جحر؟» فحرّك رأسه يمينا وشمالا.. يعني لا.. مشت طولا وعرضا ثم رجعت له وقالت «طيّب ما عندكم بساسة؟ على الأقل نشغل فيها وقتنا».. فهزّ رأسه يمينا وشمالا.. يعني لا.. فنفخت الفأرة هواء طفشانة.. وقالت «طيّب ودّي أطلع.. من وين؟ تراني ضيّعت».. فأشّر لها بيده إلى مكان الخروج.. فراحت تمشي بهدوء.. ثم رجعت وسألته «الباب الأيمن أو اللي مقابل؟» فأخبرها بأصبعه أنه الباب المقابل.. ولمّا جاءت الدعاية خرج من تحت البطانية و راح هناك ولمّا خلص من هناك رجع إلى مكانه.. وسحب البطانية حتى أسنانه.. فدخل بسّ.. دخل بهدوء.. ملاصقا للجدار.. ودخل غرفة.. وغرفة أخرى.. ورجع و وقف أمام باب المطبخ وهو ينظر إليه بصمت وهدوء.. دخل المطبخ.. قام بعدد من الحركات.. مثل أنه قفز على سطح الفرن.. ثم نطّ قريبا من المجلى لأنه سمع الماء ينقط.. نقطة في كل دقيقة تقريبا.. حسب تقدير البسّ طبعا.. ثم خرج من المطبخ وأقبل إليه وكأنه بايعها.. قال «مياو.. مياو.. ما مرّت من عندك يا لحبيب فأرة من شوي أو قبل ساعة أو حتى قبل سنة؟».. فهزّ رأسه فوق وتحت.. يعني إلا.. فقال البسّ وهو يضع يديه على طرف الكنبة قريبا من النظارة الحمرا «وين راحت يالغالي؟».. فهزّ كتفيه.. يعني وش يدريني.. أو ما أدري.. خرج البسّ بهدوء و محتار ما يدري وين يلقى هالفأرة.. على كل حال انتهى المشلشل.. راح هناك ولمّا خلص من هناك.. رجع إلى مكانه وأخذ البطانية و وضعها فوق سريره في الغرفة وفسخ شماغه وظهرت شوشته.. وسحب نظارته و حطّها فوق التلفزيون.. تذكّر أنه رأى فأرة دخلت بيته.. ثم دخل بسّ.. كان يتذكّر وهو يبحث عن كتاب الفيران في بيتهم.. كانت في كل مكان تلقى مكانا.. خلف التنكات.. خلف الصناديق.. في السقف.. داخل الملابس.. تمشي من مكان إلى مكان دون خوف.. مع أن السكان الكرام يرمونها بالنعول أحيانا.. خاصة بعد العصر وهم جالسين يشربون الشاهي في القبّة.. أو قريبا من القبّة.. ولكن يمكن تكون حذرة لأنها ما تتعرض لأي إصابة قويّة.. ويمكن أيضا يرميها السكان.. سكان البيت.. من باب المحارشة مش أكثر من ذلك.. في إحدى المرّات كانت الفأرة تمشي في السقف.. تمشي على هونها بهدوء وما شافت البسّ اللي واقف تحت يطالع فيها.. ولمّا شافته طار عقلها وخافت وراحت تركض لكن من خوفها سقطت عند شوارب البسّ.. فقال لها متبسما «باسم الله عليك يا قلبي.. عسى ما تعوّرتي يا قلبي... تعالي.. تعالي أشوفك على النور».. فأخذها إلى النور لأنهم كانوا في أقصى الغرفة ولا يوجد بصيص نور.. طبعا لا يعني دايما أن الفأر خوّاف.. وهاذي من التعميمات اللي في غير محلّها.. ومن أسوأ الأمور التعميم.. فالتجارب تثبت دايما خطأ التعميم.. فالحمار مش دايما صبور.. ولا دايما مطيع وطيّب.. أو أي حاجة زي كذا.. وعلى كل حال أرجع لصلب الموضوع.. أنا خرجت قليلا حتى فقط أضع النقط على الحروف.. كان يضحك وهو يبحث عن كتاب مخصوص لأنه لا يمكن ينسى أن الفأر خرج من جحره في إحدى المرّات.. طبيعي أن يخرج الفأر من جحره بعض المرّات.. خرج وراح يدور من هنا ومن هناك ولأنه عطشان وجد ماء أحمر.. يمكن يكون خمرا.. لأنه ممكن يكون في بيت رجل غير مسلم أو حاجة زي كذا.. على كل حال شرب الفأر وشرب وشرب وبدأ رأسه يستدير.. مشى إلى جحره ثم وقف وقال وهو يتلفّت يمينا وشمالا «كل البساسة تحت رجلي».. خرجت أمّه وهي فأرة فاضلة وخواته وهن فاضلات وفيهن عقل وحكمة ومسكنّه.. «يا بن الحلال ادخل لا تسمعك البساسة.. أنت مهبول؟.. ادخل يا بن الحلال... «.. بعنجهيّة وثقة بالنفس.. مصطنعة طبعا.. رفض يدخل وقال وهو يترنّح «وين البساسة؟ أتحداها... كل البساسة بطرف صبعي أحوسها.» وكان البس عنده.. قريب منه.. يضحك.. ميت من الضحك.. فمسك يد الفأر وهو يقول له «يا حليلك.. أجل حطّيت كل البساسة تحت رجلك... حتى أنا وأنا ما عملت لك شيء؟».. قال الفأر بتبجّح «لا.. لا.. إنت ما إنت منهم.. إنت حبيب».. الحقيقة أن الفأر ذكي أحيانا.. وأنا ذكرت أن التعميم غير منطقي.. هل تستطيع أن تحكم بأن الفيران كلّها غبيّة أو ذكيّة؟.. أنا ما أرى هاذا منطقي أبدا.. وهو يبحث عن كتابه هزّ رأسه متعجبا من ذكاء الفأر.. دخل مرّة.. طبعا الفأر.. جحرا فيه حيّة.. ما كان يدري ولكن لأنه خايف لأن البسّ كان يطارده.. فلمّا شاف الحيّة وفرحتها به لأنها جيعانة.. ويمكن تبلعه وتزرطه بطرفة عين.. قال لها «أنا كنت أساعد الحاوي.. صاحب الحيّة.. وتعبت جدا فقال لي رح يا حبيبي واسترح عند الحيّة في بيتها.. فجئت عندك.. وإذا فيه مضايقة عليك أرجوك قولي لي رجاء بدون إحراجات... «.. فهزت الحيّة رأسها.. يعني بالعكس... وفرشت له فراشا يليق بمقامه... وأنا أقول إن الفأر ذكي لأني لا يمكن أصدّق أن الحاوي أرسله... على كل حال وجد الكتاب.. وقرأ فيه.. سبحان الله.. عن الفيران.. وهو باب من أبواب الكتاب...

للتواصل ارسل رسالة نصية sms
الى الرقم 88548 تبدأ بالرمز 139 مسافة ثم الرسالة