احتوى المؤتمر الطبي لعلاج الإيدز الذي عقد في جدة في الأسبوع الماضي بتنظيم من قبل البرنامج الوطني لمكافحة الإيدز على عدة مفاجآت سارة. أولى هذه المفاجآت كانت التوسع في افتتاح مراكز جديدة تابعة لوزارة الصحة لعلاج الإيدز في مناطق مختلفة من المملكة بحيث أصبح عدد هذه المراكز ثمانية في كل من الرياض وجدة والدمام والمدينة المنورة وجازان ونجران والهفوف والجوف, وكانت سابقا مقتصرة على ثلاثة مراكز في الرياض وجدة والدمام. هذا التوسع يسهل على المرضى تلقي العلاج الفعال بالقرب من أماكن إقامتهم ويجنبهم عناء السفر إلى مناطق أخرى. كما يتيح انتشار هذه المراكز فرصة أفضل لتطبيق إستراتيجية المشورة والفحص الطوعي التي تهدف إلى توفير الفحص لكل من رغب في فحص نفسه دون الكشف عن هويته, مع تقديم المشورة اللازمة له والمناسبة لحالته, وهي إستراتيجية أثبتت نجاحها في البلدان التي تم تطبيقها فيها. بالإضافة إلى ذلك يساهم وجود هذه المراكز في تقوية جهود التوعية بهذا المرض وطرق الوقاية منه وذلك لتوفر الممارسين الصحيين ذوي الخبرة في القيام بهذه الجهود. ثانية هذه المفاجآت كانت توفر عددا متزايدا من الأطباء المحليين والاستشاريين, سعوديين وأجانب من الملمين بجوانب علاج الإيدز المختلفة. هؤلاء الأطباء لم يعودوا يهابون هذا المرض كما كانت عليه الحال في السابق و لا زالت مع كثير من غيرهم, بل اكتسبوا خبرة كبيرة في التعامل مع الإيدز وعلاجه, بعضهم أثناء دراسته أو عمله في الخارج حيث بات هذا الموضوع من الأمور العادية في كثير من المستشفيات والمراكز العلاجية وبعضهم اكتسبها من التعامل مع الحالات المحلية. ويشجع توفر هؤلاء الأطباء وانتشارهم في كثير من المستشفيات الكبيرة في المملكة على التوسع في علاج الإيدز أكثر وأكثر.
أما ثالثة المفاجآت فقد كانت التغطية الجديدة لجوانب معينة ذات علاقة وثيقة بمرض الإيدز, وعلى الأخص جانب الطب النفسي, مما يعكس اكتساب الأخصائيين المحليين في هذا المجال خبرة متزايدة في التعرف على الآثار النفسية لمرض الإيدز بسبب تعاملهم مع عدد أكبر من المرضى.
بالإضافة إلى هذه المفاجآت غطى المؤتمر أغلب الجوانب الأساسية المتعلقة بوبائية مرض الإيدز في المملكة وطرق انتقاله وأعراضه وأنواع العدوى الانتهازية والأورام المصاحبة له ووسائل تشخيصه وطرق رعاية النساء والأطفال المصابين, والتعرض المهني للإصابة, وجوانب الوقاية المختلفة, وكانت التغطية الأبرز لجميع جوانب العلاج حيث بلغ عدد الأدوية التي تستهدف فيروس الإيدز حوالى أربعة وعشرين دواء تتوزع على ست مجموعات مختلفة ويمكن استعمالها في تركيبات متعددة ذات فعاليات عالية, كما أن هناك أنواعا أخرى من الأدوية لعلاج الأمراض الانتهازية المصاحبة. وعلى الرغم من فعالية هذه الأدوية إلا أنها لا تخلو من آثار جانبية أو جوانب أخرى قد تمنع استعمالها في ظروف معينة مما يتطلب معرفة متعمقة في هذا المجال.
ما الذي يمنع توسعة قاعدة العلاج لمرض الإيدز لكي تشمل عددا أكبر من المستشفيات والمراكز الصحية؟ أولا: عدم توفر الأدوية اللازمة للعلاج إلا في أماكن محدودة. وقد أصبحت قائمة أدوية الإيدز الطويلة والمتشعبة والمكلفة تشكل عبئا لا تتمكن كثير من الجهات، بل لا ترغب، في تحمله، ولذا فهي تترك لوزارة الصحة أو لمستشفيات أخرى قليلة, عبء توفير هذه الأدوية. وقليلا ما يتمكن مرضى الإيدز أنفسهم من تحمل تكاليف العلاج على الرغم من انخفاض هذه التكاليف بصورة ملموسة في السنوات الأخيرة , كما أن علاج الإيدز يتطلب إجراء عدد من الفحوص المخبرية اللازمة لقياس عدد الخلايا المناعية ومستوى الفيروس في الدم ومدى استجابته أو مقاومته للعلاج, وهذه أيضا فحوص عالية التكاليف ولا تتوفر إلا في مراكز متخصصة. ثانيا: لم تكن الخبرة اللازمة لتقديم العلاج الذي يستمر مدى الحياة وللتأكد من فاعليته وتجنب مضاعفاته متاحة لكثير من الأطباء, وقد تغير هذا الوضع, كما أسلفت. ثالثا: لا يزال بعض المستشفيات ينظر إلى مرض الإيدز وكأنه وصمة يستنكف التعامل معها علنا , مع أن أرقى المستشفيات في العالم أصبحت تتعامل مع هذا المرض كل يوم. بل إنه لم يعد بإمكان أي طبيب أو مستشفى أو مركز صحي عدم التعامل معه لسبب بسيط وهو أن مرض الإيدز لا يعلن عن نفسه بل يبقى عند أغلب المرضى مستترا لسنوات طويلة , وقد تنكشف إصابة المريض فجأة دون أي توقع. وربما يكون ذلك عند الكشف لدى أي طبيب في أي من التخصصات المختلفة مثل الأمراض الجلدية أو أمراض النساء والولادة أو الجراحة أو طب الأطفال أو أمراض العيون أو الأسنان أو الأمراض النفسية أو عند التبرع بالدم. ولذا لا يمكن لأي طبيب أو عامل صحي تجنب التعامل مع الإيدز بل ينبغي عليهم جميعا توقع مصادفته والتزام الحيطة باستعمال وسائل الوقاية العالمية التي تفترض احتمال الإصابة لدى أي مريض.
على الرغم من هذه الصعوبات تبقى توسعة قاعدة علاج الإيدز أمرا ممكنا بل محبذاً عند توفر الأطباء والاستشاريين المؤهلين والأدوية اللازمة. ويمكن تحقيق ذلك بالتنسيق بين وزارة الصحة والمستشفيات التي يعمل بها هؤلاء الاستشاريون بحيث تتمكن هذه المستشفيات من الحصول على الأدوية اللازمة للعلاج بسهولة. ويتطلب ذلك مراجعة وتعميم أفضل طرق العلاج المتبعة, وتدريب الأطباء الذين ينوون المشاركة في علاج مرضى الإيدز من خلال ورش العمل والندوات والمؤتمرات, مثل المؤتمر المشار إليه هنا . كما أنه لا بد من وضع ترتيب شامل لتحويل المرضى عند اللزوم إلى الاستشاريين المتخصصين في حالة تقدم المرض عندهم أو ظهور المضاعفات. وبذا تتم الاستفادة من مشاركة عدد أكبر من الاستشاريين المؤهلين في المستشفيات المناسبة لتقديم أفضل خدمة للمرضى.
علاج الإيدز أصبح أمرا واقعا وأدويته متعددة ومتشعبة، وتتطلب الاستفادة المثلى من العلاج توفير هذه الأدوية في مناطق ومستشفيات أكثر مما كان في السابق, وتأهيل العدد المناسب من الأطباء والاستشاريين على طرق وصفها. وكل جهد مبذول في هذا الاتجاه سوف يساهم إنشاء الله في التغلب على هذا الوباء الذي يعتبر من أخطر الأوبئة التي عرفتها البشرية إن لم يكن أخطرها.




للتواصل ارسل رسالة نصية sms إلى الرقم 88548 تبدأ بالرمز 133 مسافة ثم الرسالة