يواصل امين العاصمة المقدسة سابقا د.غزالي رؤيته للواقع التعليمي فيضرب لنا مثلا بكلية الهندسة التي التحق بها وبالدور الفاعل الذي لعبه مؤسسها الحقيقي د.صالح امبه –يرحمه الله- وكيف كانت الكلية تهتم بطلابها وخريجيها ويحرص مديرها على ان يكون مثاليا في معالجته للامور. ويكشف غزالي عن محاربة ارامكو للكلية في مهد انشائها قبل ان تعود وتحتفي بخريجيها.
ويتحدث غزالي بلغة المهندس الخبير والاكاديمي المخضرم عن جامعة الملك فهد للبترول والمعادن ويحدد الاسباب التي جعلتها تفقد تميزها بعد انضمامها للتعليم العالي، الى ان يطالب باستقلال الجامعات واعطاء كل منها مجالا يميزها عن غيرها مؤكدا ان تعيين الجامعات بنظام واحد وقوانين جامدة يحد من تميزها وابداعها.
لكن ما عرف عن الكلية أنها كانت آنذاك أمريكية بحتة.. في العادات وفي التقاليد؟
- في الوقت الذي التحقنا فيه بالكلية كان كلامك صحيحا وينطبق عليه وصفك لان غالبية أعضاء هيئة التدريس بما يعادل تقريبا 80 % كانوا أمريكيين ومنهم من كان أمريكيا من أصل عربي فمنهم من كان اسمه اسبر شاهين من أصل لبناني، ولكنه كان أمريكيا وكان اسمه قد ورد في كتاب "who is who” الذي كان منتشرا أيام زمان وكان بروفيسورا مشهورا وعلامة في علوم الكيمياء، ولكنه كان يفتخر بأصوله اللبنانية، ولغته لم يكن فيها كلام عربي كثيرا وكان يغلب على حديثه اللغة الانجليزية، ومنهم دكاترة عرب كانوا يدرسون في جامعات أمريكية.
هل كان للدكاترة الأمريكان دور ؟
- لا، ولتوضيح ذلك أقول كان رئيس مجلس إدارة الجامعة ـ آنذاك ـ هو وزير البترول والثروة المعدنية وهو الدكتور احمد زكي يماني وكان يأتي ويزور الكلية ويلتقي بالطلاب والاساتذة وكان الشخص المسؤول في الجامعة هو الدكتور صالح امبه.
الذي اعرفه أن ارامكو كانت تحارب الكلية ولم تكن تريد لها أن تنجح؟
- صحيح لأن ارامكو لم يكن لها دور في الكلية، وكان الدكتور صالح امبه هو المسؤول عن الكلية، وقد شكل مجلساً استشارياً مكوناً من 9 جامعات أمريكية متميزة من ضمنها "جامعة بيركلي و الـ(أم أي تي) وغيرهما، وكان هذا الـ "كونسرتيوم” هو المتعهد بإحضار الأساتذة الأكاديميين المتميزين من هذه الجامعات وأيضا كان يتولى وضع البرامج الأكاديمية للكلية.
أساتذة بالإعارة
وكيف كان يتم استقدام الأساتذة الأكاديميين؟
- كانوا يأتون على نظام الإعارة، بما يضمن عدم تركهم لجامعاتهم هناك، وكانوا يمددون إعارتهم لأربع سنوات وكانوا يأخذون معاشات عالية جدا، وكان نظام "ريجستر” معمولا به في الحذف وفي الإضافة وفي التسجيل حسب النظام الانجليزي، وهناك من الزملاء الدارسين من هبط معدلهم الدراسي بعد سنتين واستمروا معنا لسنة، ومن ثم تجد مع نهاية كل فصل ان هناك 40 أو 50 دارسا على (المحك) ولم تكن هناك مجاملة ولا يحزنون، وكانوا يدخلون امتحانا بعد كل فترة كانوا يسمونه امتحان الجامعة الأمريكية في بيروت، وهذا كان يحدد في أي مستوى يمكن ان يضعوك فيه من حيث إجادتك للغة الانجليزية، وهناك أشخاص كانوا يدخلون لهذا الاختبار منذ البدء ويجتازونه وعندها لا يكونون في حاجة لأن يدخلوا في السنة التحضيرية، فكانوا يدخلون مباشرة في السنة الأولى.
بماذا تميزت جامعة البترول والمعادن عن غيرها من جامعات المملكة؟
- أنا اعتقد أن جامعة البترول والمعادن كانت متميزة تميزا كبيرا جدا من حيث تميزها بالاستقلالية في القرار وفي وضع البرامج، والمشتركون في وضع هذه البرامج أناس مختصون وعلى أعلى مستوى والذين يقومون بالتدريس هم أناس متميزون جدا.
وهل لا زلت على تواصل مع الجامعة؟
- كنت على تواصل إلى العهد الذي سبق تنصيبي عميدا لكلية الهندسة في جامعة الملك عبدالعزيز، حيث انشغلت وقتها في الأعمال الإدارية الأخرى، خاصة بوكلاء الجامعة.
فقدت تميزها
يقال انه بعد أن انضمت الجامعة إلى وزارة التعليم العالي انخفض مستواها؟
- أنا لا استطيع أن أقول إن مستواها انخفض، ولكن ما استطيع قوله إن الحرية المتاحة لها في وضع برامجها وفي الدراسات التي تضعها ربما لم تكن كالسابق، والذي حصل أنها فقدت تميزها الذي كانت تعرف به من قبل.
وفيم يكمن هذا التميز؟
- جامعة البترول والمعادن اشتهرت من خلال كلية الهندسة والكليات التطبيقية والكليات العلمية، ولو آتيت مثلا لأعضاء هيئة التدريس غالبيتهم بفعل تطبيق السعودة تجدهم من السعوديين او من العرب وأصبحت كغيرها من الكليات، وتجد مثلا التجهيزات المخبرية أصبحت لا تختلف عما هو موجود في جامعة الملك سعود أو جامعة الملك عبدالعزيز، لدرجة ان بعض الأجهزة من الممكن أن تجدها مثلا في جامعة الملك عبدالعزيز ولا تجدها في جامعة البترول والمعادن، لكن بقي لجامعة البترول والمعادن تميز واحد يتمثل في برنامج اللغة الانجليزية، فمنذ أن بدأت الجامعة ككلية إلى الآن عرفت بتميزها في تطبيق برنامج اللغة الانجليزية، فهو ينفق عليه ويعد إعدادا جيدا ويتم تدريسه للطلبة بشكل جيد جدا وتجد دائما خريج جامعة البترول والمعادن لغته الانجليزية ممتازة وليس في هذا أدنى شك، الشيء الثاني انه في جامعة البترول وجود السكن الداخلي للطلاب وخطوط الباصات تعطيهم جواً من التنافس ونوعاً من الوقت ليقضوه في المذاكرة وتجدهم في جو دراسي جيد جدا، هذا الجو كنا نعيشه حينما كنا طلبة، إذ كنا في ذلك الوقت نعتمد في تنقلاتنا على "البسكليتات” الدراجات، ومن ثم تطورنا إلى استخدام "الدبابات”، أما الآن فثلاثة أرباع الطلبة لديهم سيارات.
ولكن الجامعات الأخرى متميزة أيضا؟
- نعم. ودعني أقول لك بأنني عندما تخرجت اكتشفت ان كلية الهندسة في جامعة الملك سعود كانت تشرف عليها الايسكو وكانت من الناحية التعليمية أقوى من جامعة الملك فهد للبترول والمعادن.
اسباب التميز
لماذا؟
- لأنني حسب ما أتذكر كان يلزمنا للتخرج 140 أو 145 ساعة هم كانوا يطبقون نظام الساعات منذ زمن وكانوا يتخرجون على 180 ساعة وكانت المواد التخصصية كنا نأخذ فيها مادة او مادتين في التخصص، فالمادة التي نأخذها نحن كانوا هم يأخذونها مادتين، والتي نأخذها مادتين كانوا يأخذونه ثلاث.. فكانت عندهم زيادة في التصاميم، وبالذات حينما كانت تشرف عليها الايسكو، وعندما كنت ادرس في جامعة البترول رغم التميز الذي عرفت به جامعتنا لكن أنا كنت أرى زملاء لي تخرجوا وعملنا مع بعضهم من جامعة الملك سعود كانت إمكانياتهم في الديزاين أفضل مني، لماذا؟ لأنني وجدت عندهم (كورسات) مكثفة في هذا المجال.
وكلية الهندسة في جامعة الملك عبدالعزيز؟
- لم تكن موجودة في ذلك الوقت، والحقيقة بدأت حينما جئنا لنتعين معيدين بها، الآن لا استطيع أن احكم عليها لأنني لم اطلع على برامجها، وأنا طبعا كنت عميدا لكلية الهندسة لمدة 6 سنوات .
وكيف كانت في ذلك الوقت؟
- اتجاه الكلية طبعا كان دائما يخضع لنوع من التقييم او التقويم للبرامج الدراسية وتكون عرضة دائما للتعديل، بمعنى لم تكن لتستمر على نهج واحد، وأنا أتذكر حتى أيام الدكتور الفطاني تم نفس الشيء.
الهندسة تتطور
ألم يكن ذلك يحدث في جامعتي البترول والملك سعود؟
- لا استطيع أن احكم في ذلك لكوني مررت بمرحلة واحدة ولكن بعدها اكيد حصل هذا، فالمواد الهندسية من اكثر المجالات تطورا، لارتباط المجالات الهندسية، بتطور التكنولوجيا الخاصة بالالكترونيات والاتصالات وأجهزتها، كما ان المواد النظرية الخاصة بها تتطور ايضا، حتى في علوم البحار طبعا هناك عدة اجهزة بامكانها ان تحلل لك اشياء وتطور لك اشياء بحيث تعطيك مجالاً اوسع في الاستكشاف ومجالاً اوسع في التطبيق الخاص بك.
وما الذي جعلك انت متميزاً في الجامعة؟
- سأعود بك الى الفترة التي عشتها في سن الـ 13 او 14 سنة حينما ظهر اهتمامي بالاشياء الفنية والهندسية، فعندما يتجه الشخص الى الشيء الذي يرغبه يتميز فيه، فالاتجاه العام كان الهندسة، ولكن عندما تتجه في الهندسة الى مجال ملائم لك اكثر من غيره تكون فرصتك كبيرة لتبدع فيه اكثرواكثر، وانا اذكر عندما دخلت كلية الهندسة كان مستواي مثل غيري وليس بذلك التميز، ولكن عندما بدأت حقيقة من اول فصل دراسي الا وانا في قائمة المتفوقين، وطبعا هي ثلاث درجات وعندما كنت تأتي لترى اللوحة التي كانوا يضعونها في مدخل الكلية في ذلك الوقت، فتجد كل مستويات الكلية سواء الفصل الدراسي الاول او الثاني او غيره، في كل فصل يحددون الـ "honor list”، فبعضهم كانوا يخرجون لانهم لم يدخلوا في قائمة المتفوقين، ولكن انا افتكر والحمد لله منذ ان دخلت الى الـ”freshman” وحتى تخرجت وانا اسمي دائما كان موجودا، وهذا من توفيق الله سبحانه وتعالى.
يعني من اولى جامعة؟
- من "freshman” وانا مستمر في التميز، وانا لم اكن لاصدق نفسي لاني زاملت الذين كانوا من المتميزين معي في الاعدادية مثل عيسى محتسب الذي كان من الاوائل في ذلك الوقت.
ومن ايضا من زملائك الذين كانوا معك في الاعدادية وزاملوك في الجامعة؟
- هناك ربيع عشقي وآخرون لا اتذكرهم، المهم انه عندما يوجه الطالب الى التخصص الذي يعشقه تجده ينتج فيه، ولم يكن عندي تردد في اختيار الهندسة المدنية وطبعا لم تكن في ذلك الوقت هندسة معمارية وغيرها، وكل الذي كان في الجامعة هي هندسة مدنية، وهندسة كهربائية وكيميائية. ومن الاشياء التي اذكرها انه كانت تقام مسابقات رياضية وكانوا يهتمون بالناحية الرياضية بشكل غير طبيعي، يعني لابد ان تعرف السباحة ويعلموك اياها رغماً عنك، وهناك سباق للجري ورياضات مختلفة مثل كرة السلة او التنس وغيرها، وهم من اوائل الناس الذين خصصوا للرياضة مادة وتحصل فيها على علامات فيها رسوب ونجاح وتفوق، تطبيقا للمثل القائل” العقل الصحيح في الجسم الصحيح”.
ميداليات رياضية
يخيل لي انك تتحدث عن مدرسة وليس جامعة؟
- كان هناك تشديد على هذا الامر، وانا في السباحة اتذكر انني اخذت الميداليات البرونزية والفضية والذهبية،واخذت ايضا شهادة الانقاذ، وكانوا ينظمون مسابقات في الجري لمسافة 100متر، حتى في ناحية الخطابة وفي المواد العلمية التي كانت عندهم، انا اعتبر هذا تجربة من ارقى واثرى التجارب التدريسية التي تمت في المملكة خلال تلك الفترة.
هل كانت تتخللها رحلات طلابية؟
- نعم ففي عطلة الحج كانوا ينظمون لنا رحلات ومن ذلك اتذكر رحلة الى تركيا والى ايران ايام الشاه وكان هناك من يقوم بالاشراف عليها وكانت رحلات مرتبة ومنظمة، وفيها فعلا تتعلم معنى الانضباط وبناء شخصيتك، معظم زملائي الآن من القياديين في سابك سمارك.. يعني الدراسة كانت تخلق الشخصية قبل العلم والتعليم الشخصية تصقل..
هذا هو الانطباع عرف عن خريج جامعة البترول.. حيث يختلف عن خريج أي جامعة اخرى؟
- اتفق معك في فترتنا اما بعد ذلك لا ادري.. فالفترة الاولى التي درسنا فيها في جامعة البترول والمعادن يعتبر من اثرى التجارب التعليمية في المملكة العربية السعودية.
استقلالية الجامعات
هذه التجربة تشجعنا على ان نعطي استقلالية للجامعات ونجعل كل جامعة تاخذ مجال تميز يميزها عن غيرها، وانا اعتقد انك عندما تقيد الجامعات بنظام واحد وقوانين ونظم تحد من تميزها في تخصصات معينة وفي مجالات معينة.
حتى في الابداع؟
- نعم حتى في الابداع، انت اختار الشخص المناسب الذي تثق فيه ليدير هذا الكيان، مثل ما حصل مع الاستاذ صالح امبه، فهو لم يفكر في احداث تغيير، كانت لديه نظرة ثاقبة للمستقبل ولتربية الاجيال هذه بتثقيفها ولرفع معنوياتها ولخلق الشخصية القيادية والمنتجة ومن ثم غرس روح الانتماء وروح الوطنية، وطبعا جاء بعد صالح امبه الدكتور بكر عبدالله بن بكر امد الله في عمره.
وماذا كان تخصصه؟
- لا اعلم حقيقة، ولكن لايخرج تخصصه عن الجانب الهندسي التقني.
ارامكو الم يكن لها دور في الجامعة؟
- لا ابدا ليس لها دور، ولكن كان لها دور في تشغيل الخريجين، لانها كانت تعتز بخريجي جامعة البترول والمعادن، وكانت تستقطبهم، وانا سبق لي ان عملت بها قبل التخرج من الجامعة.