منذ الوهلة الأولى وأنا أحاول العثور على رحلة إلى منطقة الجوف سكن في نفسي انطباع بأنني ذاهب إلى منطقة نائية ولا حركة اقتصادية فيها أو حتى صحية أو سياحية فضلا عن الثقافية والإعلامية نظرا لأن الصحف لن تصل قبل الثانية ظهرا، شكّل ذلك الانطباع كون ما يربط الجوف بجدة هي رحلة واحدة فقط يوميا ويربطها بالرياض رحلتان فقط يوميا ولا تسأل عن طوابير الانتظار الطويلة ، ومما يزيد الأمر بؤسا ان تلك الرحلات متقلبة المواعيد وفق ما قاله لي المواطنون . وفي مطار الجوف "الصغير" ذهبت إلى شركتي تأجير السيارات فوجدت إحداهما مغلقة والاخرى واجهتني بأنه لا توجد سيارات قبل أن أسأل ، فخرجت ابحث عن ليموزين لكن طال انتظاري وكثير ممن جاؤوا على ذات الرحلة دون أن نظفر بسيارة واحدة تقلنا الى مدينة سكاكا حاضرة الجوف. وهنا أوشك الانطباع الذي تشكل في نفسي أن يتحول الى قناعة حقيقية لولا أن المفاجأة صدمتني حين تعرفت أكثر على الجوف وأهلها ومميزاتها.
قال لي أحد رجال الأعمال بأن قلة الرحلات أدت إلى تأثير شديد على حركة السفر من والى الجوف ومن أهم مظاهر ذلك الضعف أن الحركة الاقتصادية ضعيفة ولك أن تتجول في سكاكا فلا تكاد ترى الماركات الاقتصادية الشهيرة المحلية والعالمية الا قليلا ، كما اثر على حركة طلب العلاج فلو احتاج أحدهم الذهاب لمستشفى في جدة يحتاج الى ثلاثة أيام يوم قبل الموعد ويوم بعده وهذا يعني انه سيتحمل تكلفة ثلاثة أيام بما فيها العلاج الأمر الذي دفع بالكثير للذهاب الى الأردن طلبا للعلاج نظرا لقربها وكذلك لرخص أسعارها ، واستدرك طبعا ضعف المستشفيات في الجوف جزءا من المشكلة ، وتابع نحن هنا تحدثنا عن أثرين ولم نذكر الحركة السياحية شبه المعطلة برغم من امكانات المنطقة السياحية والتي انبنى عليها انعدام الفنادق الخمسة نجوم وكذلك شركات النقل " الليموزين " مع أنه بإمكان الخطوط السعودية أن تتعامل مع الجوف كمنطقة سياحية وتسوقها كما تفعل مع كثير من المواقع السياحية في العالم ، وكذلك الصحف لا تصل الا بعد الظهر وهذا يعني أن قراء الصباح منعدمون وكذلك تمثيل الصحف في الجوف ضعيف ربما لأن العائد الاقتصادي على تلك الصحف ليس عاليا بسبب ما ذكرناه سالفا.. ورغم ذلك النقص الحاد في الرحلات على الخطوط السعودية الا أن الأهالي متوجسون من تحول الأمر إلى الأسوأ إن استلمت شركات الطيران الأخرى زمام الرحلات خوفا من تكرار تجربة حائل والقصيم غير المشجهة مع شركات الطيران الجديدة.
أعود للمفاجأة سالفة الذكر والتي تكمن في كون منطقة الجوف يقطنها وفق احصائية 1420هـ 355 ألفا، و400 ألف نسمة وفق احصائية 1425 مع ملاحظة كون معدل النمو السنوي يوازي 4% ، ونسبة 60% من عدد السكان تتركز أعمارهم دون سن الـ20 مما يعني تزايد حاجتهم للخدمات وخصوصا في مجال الاسكان والتعليم والصحة وبالتالي الطلب المتزايد على فرص العمل وهنا مؤشر خطير يجب الالتفات اليه كون البطالة في منطقة الجوف- حسب وزارة العمل – الأعلى في المملكة. وليست هذه المفاجأة الوحيدة بل الثروات الطبيعية والسياحية التي تملكها منطقة الجوف تعطي انطباعا بأنك في منطقة منحها الله مواصفات عالمية قل أن تجتمع في مكان واحد كما هي في الجوف.
والجوف لمن لا يعرفها تقع في الجزء الشمالي الغربي من المملكة وتبلغ مساحتها 107.794 كم2 أي مايوازي نحو 4.9% من إجمالي مساحة المملكة ، وتتألف من سكاكا حاضرة لها ومحافظتي دومة الجندل والقريات ويتبع لها 29 مركزا اداريا.
ولمنطقة الجوف أهمية استراتيجية منذ قديم الزمان فهي اليوم البوابة الشمالية للمملكة حيث أنها منطقة حدودية يقع فيها منفذ الحديثة أكبر منفذ بري للمملكة كما تربط مناطق وسط المملكة بمنطقة الحدود الشمالية وتمر فيها الطرق البرية المؤدية الى الأردن والشام.
وبذات الأهمية اليوم كانت منطقة الجوف قديما مهمة جدا نظرا لكونها من أقدم المواقع المأهولة بالسكان في الجزيرة العربية وأقدم ذكر مكتوب – ما بعد التاريخ – عن الجوف في العهد الآشوري يعود إلى ما بين القرنين الثامن والسابع ما قبل الميلاد ، وتبدأ الإشارة إليها في القرن الثالث الميلادي في عهد الملكة العربية " زنوبيا " التي حكمت تدمر ما بين 267-272 م ويبدو أن هذه الملكة غزت دومة الجندل ولكن قلعة المدينة كانت حصينة بحيث لم تستطع فتحها فقالت قولتها المشهورة " تمرد مارد وعز الأبلق " ومارد هو قصر في دومة الجندل بينما الأبلق هو قصر مشهور في تيماء ، وتظهر الاشارة مرة أخرى في القرن الخامس الميلادي عندما سيطر عليها الملك العربي امرؤ القيس ، أما قبيل الفتح الإسلامي لدومة الجندل فقد كانت رئاستها في بني كلب وآخر من عرف منهم الأكيدر بن عبد الملك الكندي.
أقدم قرية
وبحسب أستاذ الآثار الدكتور خليل المعيقل فإن في الجوف واحدة من أقدم مواقع الاستيطان البشري على مستوى غرب آسيا إلا وهي "الشويحطية" حيث يوجد بها مجموعة كبيرة من المواقع تدل على فترة استيطان طويلة.
الجوف «علمت» مكة
المتجول في منطقة الجوف يلفت نظره كثرة الكتابات والرسوم المنتشرة على صخور الجبال وواجهات القصور والقلاع وفي المغارات والكهوف ، الأمر الذي يعطي انطباعا أكيدا بان تلك المنطقة كانت مثقفة وهو امتداد للحراك الاقتصادي والسياسي الذي تعاقب عليها ، و قد علق عالم الآثار الدكتور عبدالرحمن الأنصاري على ذلك بقوله "إن مقولة أن أهل دومة الجندل أو سكان الجوف يقرأون ويكتبون شيء نسلم به وهذا ما تدل عليه كثرة الكتابات المسجلة على سفوح الجبال وعلى الصخور وكأن همهم أن يكتبوا وهم الآخرين أن يقرأوا".
لكن المثير في الأمر ما ذهب إليه علامة الجزيرة الشيخ حمد الجاسر "رحمه الله" بقوله "إن منطقة الجوف لها آثار كقصر مارد الذي ذكره كثير من المؤرخين وكذلك قصر "الأبلق في تيماء، كما كانت بدايات انتشار الكتابة العربية والخط العربي في الجزيرة العربية في منطقة الجوف، وهذا يعني أن الكتابة العربية انتقلت من شمال المملكة إلى مكة المكرمة، وهناك نصوص كثيرة في كتب التاريخ تدل على هذا"، الأمر الذي نفاه الأنصاري حيث قال: أعتقد بأنها من جملة الأمور التي فبركت بطريقة تجعل الجوف لها فضل على مكة المكرمة في التعليم" وتابع "عندما سقطت دولة الأنباط في سنة 106م معظمهم هاجروا إلى مكة فلابد أنهم علموهم الكتابة في القرن الثاني الميلادي، والأمر الآخر أن الكتابات في دومة الجندل كتابات نبطية وليست الخط الذي عرف بالخط المكي أو المدني"، من جانبه اتفق الدكتور خليل المعيقل مع ما ذهب إليه الأنصاري وقال "الرأي القائل بأن مكة تعلمت من دومة الجندل استند الى روايات تاريخية تقول بأن بشر بن عبدالملك - أخو الأكيدر ملك دومة في حينه - كان يتردد في تجارته بين الحيرة ومكة، وحين كان في الحيرة تعلم الكتابة هناك ، وعندما جاء إلى مكة رآه أهل مكة يكتب فطلبوه أن يعلمهم الكتابة فعلمهم" ويعلق المعيقل على هذه الرواية بأن " الروايات التاريخية لا يمكن التعامل معها كمسلمات ولا تصلح أن تكون كدليل علمي يتكئ عليه فضلا على ضرورة التثبت من صحة الرواية " وتابع " وفوق ذلك الدراسات العلمية الحديثة تشير إلى أن أصول الخط العربي تعود أصولها لمرحلة مبكرة للحرف وهي أصول نبطية حيث أن الدولة النبطية التي كانت تتمركز في البتراء امتدت إلى دمشق شمالا والى المدينة جنوبا، وبعد انهيار الدولة النبطية وعودت جزء كبير من الأنباط إلى الحجاز ساهموا في التحول من الحرف النبطي إلى العربي".
ويظهر أن ذلك انعكس في كون اغلب شباب الجوف الآن يعملون في التدريس كما أن نسبة عالية جدا من نسائها متعلمات ، وإلى هذا يشير الرحالة جيفورد بلغريف الذي زار الجوف عام 1278هـ - 1862م بقوله : إن الشباب في الجوف يدرسون ويتعلمون مبادئ وأصول دينهم ، وأن القراءة والكتابة منتشرة بينهم أكثر مما هي الحال في البلدان العربية التركية"، ويقول الرحالة آرتيشييا فوردر 1901م-1318هـ "إن عددا كبيرا من الرجال والصبيان يجيدون القراءة بذكاء وعددا كبيرا منهم يمتلكون الساعات".
«بلقيس» في الجوف
في عام 1416هـ ألقى الدكتور الأنصاري محاضرة في الجوف أشار فيها الى " أنه في مطلع النصف الأول قبل الميلاد كانت هناك ملكات في شمال الجزيرة وتعرفنا على خمس منهن أو ست كن يحكمن في شمال الجزيرة العربية في فترة تسبق سائر الممالك في جنوب الجزيرة العربية " وحول ما إن كان الأنصاري
ما زال يعتقد إلى اليوم بأن " بلقيس " ملكة سبأ إحداهن أجابنا " نعم ، قد تكون ملكة سبأ هي التي في دومة الجندل "مبررا" إلى الآن آلاف النصوص التي تأتي لم تعط المرأة في جنوب الجزيرة سلطة لأن المجتمع كان ذكوريا ، بينما في الشمال تداول الملك الكثير من النساء و إحداهن تسمى "خالدة" وكرر الأنصاري "أعتقد بأن ملكة سبأ كانت هناك".
لماذا الجوف؟
وأينما تولي وجهك في منطقة الجوف ترى الشواهد الأثرية "المكتشفة" -التي لم يفنها الاندثار- ماثلة أمام عينيك، وما خفي من آثار المنطقة أعظم نظرا لانعدام التنقيب ، وكذلك اينما رحلت ترى أرضا خصبة تثمر طيلة فصول العام ، كما يشدك ماؤها العذب الذي يوجد على مسافات قريبة من سطح الأرض التي تكاد أن تنفجر من كثرتها على غرار البحيرة الشهيرة " المهملة " بين سكاكا ودومة الجندل ، كل ذلك وقصة اجتماع النخل والزيتون في الجوف شيء لم يحدث كما قيل الا في منطقتين في العالم اضافة للجوف، كما للصحراء حديث شاعري مختلف تراه في أعين المستمتعين بها ربيعا.
وفي الجوف أحاديث يرويها التراث الذي ينسج من منطقة الجوف حكاية حضارة عالمية تمد يدها لمن ينتشلها ، ويطلق منها نافذة للعالم تضيء بأمجاد منطقة سعودية مجّدها التاريخ.. فهل سيكمل تمجيدها الحاضر!!
قال لي أحد رجال الأعمال بأن قلة الرحلات أدت إلى تأثير شديد على حركة السفر من والى الجوف ومن أهم مظاهر ذلك الضعف أن الحركة الاقتصادية ضعيفة ولك أن تتجول في سكاكا فلا تكاد ترى الماركات الاقتصادية الشهيرة المحلية والعالمية الا قليلا ، كما اثر على حركة طلب العلاج فلو احتاج أحدهم الذهاب لمستشفى في جدة يحتاج الى ثلاثة أيام يوم قبل الموعد ويوم بعده وهذا يعني انه سيتحمل تكلفة ثلاثة أيام بما فيها العلاج الأمر الذي دفع بالكثير للذهاب الى الأردن طلبا للعلاج نظرا لقربها وكذلك لرخص أسعارها ، واستدرك طبعا ضعف المستشفيات في الجوف جزءا من المشكلة ، وتابع نحن هنا تحدثنا عن أثرين ولم نذكر الحركة السياحية شبه المعطلة برغم من امكانات المنطقة السياحية والتي انبنى عليها انعدام الفنادق الخمسة نجوم وكذلك شركات النقل " الليموزين " مع أنه بإمكان الخطوط السعودية أن تتعامل مع الجوف كمنطقة سياحية وتسوقها كما تفعل مع كثير من المواقع السياحية في العالم ، وكذلك الصحف لا تصل الا بعد الظهر وهذا يعني أن قراء الصباح منعدمون وكذلك تمثيل الصحف في الجوف ضعيف ربما لأن العائد الاقتصادي على تلك الصحف ليس عاليا بسبب ما ذكرناه سالفا.. ورغم ذلك النقص الحاد في الرحلات على الخطوط السعودية الا أن الأهالي متوجسون من تحول الأمر إلى الأسوأ إن استلمت شركات الطيران الأخرى زمام الرحلات خوفا من تكرار تجربة حائل والقصيم غير المشجهة مع شركات الطيران الجديدة.
أعود للمفاجأة سالفة الذكر والتي تكمن في كون منطقة الجوف يقطنها وفق احصائية 1420هـ 355 ألفا، و400 ألف نسمة وفق احصائية 1425 مع ملاحظة كون معدل النمو السنوي يوازي 4% ، ونسبة 60% من عدد السكان تتركز أعمارهم دون سن الـ20 مما يعني تزايد حاجتهم للخدمات وخصوصا في مجال الاسكان والتعليم والصحة وبالتالي الطلب المتزايد على فرص العمل وهنا مؤشر خطير يجب الالتفات اليه كون البطالة في منطقة الجوف- حسب وزارة العمل – الأعلى في المملكة. وليست هذه المفاجأة الوحيدة بل الثروات الطبيعية والسياحية التي تملكها منطقة الجوف تعطي انطباعا بأنك في منطقة منحها الله مواصفات عالمية قل أن تجتمع في مكان واحد كما هي في الجوف.
والجوف لمن لا يعرفها تقع في الجزء الشمالي الغربي من المملكة وتبلغ مساحتها 107.794 كم2 أي مايوازي نحو 4.9% من إجمالي مساحة المملكة ، وتتألف من سكاكا حاضرة لها ومحافظتي دومة الجندل والقريات ويتبع لها 29 مركزا اداريا.
ولمنطقة الجوف أهمية استراتيجية منذ قديم الزمان فهي اليوم البوابة الشمالية للمملكة حيث أنها منطقة حدودية يقع فيها منفذ الحديثة أكبر منفذ بري للمملكة كما تربط مناطق وسط المملكة بمنطقة الحدود الشمالية وتمر فيها الطرق البرية المؤدية الى الأردن والشام.
وبذات الأهمية اليوم كانت منطقة الجوف قديما مهمة جدا نظرا لكونها من أقدم المواقع المأهولة بالسكان في الجزيرة العربية وأقدم ذكر مكتوب – ما بعد التاريخ – عن الجوف في العهد الآشوري يعود إلى ما بين القرنين الثامن والسابع ما قبل الميلاد ، وتبدأ الإشارة إليها في القرن الثالث الميلادي في عهد الملكة العربية " زنوبيا " التي حكمت تدمر ما بين 267-272 م ويبدو أن هذه الملكة غزت دومة الجندل ولكن قلعة المدينة كانت حصينة بحيث لم تستطع فتحها فقالت قولتها المشهورة " تمرد مارد وعز الأبلق " ومارد هو قصر في دومة الجندل بينما الأبلق هو قصر مشهور في تيماء ، وتظهر الاشارة مرة أخرى في القرن الخامس الميلادي عندما سيطر عليها الملك العربي امرؤ القيس ، أما قبيل الفتح الإسلامي لدومة الجندل فقد كانت رئاستها في بني كلب وآخر من عرف منهم الأكيدر بن عبد الملك الكندي.
أقدم قرية
وبحسب أستاذ الآثار الدكتور خليل المعيقل فإن في الجوف واحدة من أقدم مواقع الاستيطان البشري على مستوى غرب آسيا إلا وهي "الشويحطية" حيث يوجد بها مجموعة كبيرة من المواقع تدل على فترة استيطان طويلة.
الجوف «علمت» مكة
المتجول في منطقة الجوف يلفت نظره كثرة الكتابات والرسوم المنتشرة على صخور الجبال وواجهات القصور والقلاع وفي المغارات والكهوف ، الأمر الذي يعطي انطباعا أكيدا بان تلك المنطقة كانت مثقفة وهو امتداد للحراك الاقتصادي والسياسي الذي تعاقب عليها ، و قد علق عالم الآثار الدكتور عبدالرحمن الأنصاري على ذلك بقوله "إن مقولة أن أهل دومة الجندل أو سكان الجوف يقرأون ويكتبون شيء نسلم به وهذا ما تدل عليه كثرة الكتابات المسجلة على سفوح الجبال وعلى الصخور وكأن همهم أن يكتبوا وهم الآخرين أن يقرأوا".
لكن المثير في الأمر ما ذهب إليه علامة الجزيرة الشيخ حمد الجاسر "رحمه الله" بقوله "إن منطقة الجوف لها آثار كقصر مارد الذي ذكره كثير من المؤرخين وكذلك قصر "الأبلق في تيماء، كما كانت بدايات انتشار الكتابة العربية والخط العربي في الجزيرة العربية في منطقة الجوف، وهذا يعني أن الكتابة العربية انتقلت من شمال المملكة إلى مكة المكرمة، وهناك نصوص كثيرة في كتب التاريخ تدل على هذا"، الأمر الذي نفاه الأنصاري حيث قال: أعتقد بأنها من جملة الأمور التي فبركت بطريقة تجعل الجوف لها فضل على مكة المكرمة في التعليم" وتابع "عندما سقطت دولة الأنباط في سنة 106م معظمهم هاجروا إلى مكة فلابد أنهم علموهم الكتابة في القرن الثاني الميلادي، والأمر الآخر أن الكتابات في دومة الجندل كتابات نبطية وليست الخط الذي عرف بالخط المكي أو المدني"، من جانبه اتفق الدكتور خليل المعيقل مع ما ذهب إليه الأنصاري وقال "الرأي القائل بأن مكة تعلمت من دومة الجندل استند الى روايات تاريخية تقول بأن بشر بن عبدالملك - أخو الأكيدر ملك دومة في حينه - كان يتردد في تجارته بين الحيرة ومكة، وحين كان في الحيرة تعلم الكتابة هناك ، وعندما جاء إلى مكة رآه أهل مكة يكتب فطلبوه أن يعلمهم الكتابة فعلمهم" ويعلق المعيقل على هذه الرواية بأن " الروايات التاريخية لا يمكن التعامل معها كمسلمات ولا تصلح أن تكون كدليل علمي يتكئ عليه فضلا على ضرورة التثبت من صحة الرواية " وتابع " وفوق ذلك الدراسات العلمية الحديثة تشير إلى أن أصول الخط العربي تعود أصولها لمرحلة مبكرة للحرف وهي أصول نبطية حيث أن الدولة النبطية التي كانت تتمركز في البتراء امتدت إلى دمشق شمالا والى المدينة جنوبا، وبعد انهيار الدولة النبطية وعودت جزء كبير من الأنباط إلى الحجاز ساهموا في التحول من الحرف النبطي إلى العربي".
ويظهر أن ذلك انعكس في كون اغلب شباب الجوف الآن يعملون في التدريس كما أن نسبة عالية جدا من نسائها متعلمات ، وإلى هذا يشير الرحالة جيفورد بلغريف الذي زار الجوف عام 1278هـ - 1862م بقوله : إن الشباب في الجوف يدرسون ويتعلمون مبادئ وأصول دينهم ، وأن القراءة والكتابة منتشرة بينهم أكثر مما هي الحال في البلدان العربية التركية"، ويقول الرحالة آرتيشييا فوردر 1901م-1318هـ "إن عددا كبيرا من الرجال والصبيان يجيدون القراءة بذكاء وعددا كبيرا منهم يمتلكون الساعات".
«بلقيس» في الجوف
في عام 1416هـ ألقى الدكتور الأنصاري محاضرة في الجوف أشار فيها الى " أنه في مطلع النصف الأول قبل الميلاد كانت هناك ملكات في شمال الجزيرة وتعرفنا على خمس منهن أو ست كن يحكمن في شمال الجزيرة العربية في فترة تسبق سائر الممالك في جنوب الجزيرة العربية " وحول ما إن كان الأنصاري
ما زال يعتقد إلى اليوم بأن " بلقيس " ملكة سبأ إحداهن أجابنا " نعم ، قد تكون ملكة سبأ هي التي في دومة الجندل "مبررا" إلى الآن آلاف النصوص التي تأتي لم تعط المرأة في جنوب الجزيرة سلطة لأن المجتمع كان ذكوريا ، بينما في الشمال تداول الملك الكثير من النساء و إحداهن تسمى "خالدة" وكرر الأنصاري "أعتقد بأن ملكة سبأ كانت هناك".
لماذا الجوف؟
وأينما تولي وجهك في منطقة الجوف ترى الشواهد الأثرية "المكتشفة" -التي لم يفنها الاندثار- ماثلة أمام عينيك، وما خفي من آثار المنطقة أعظم نظرا لانعدام التنقيب ، وكذلك اينما رحلت ترى أرضا خصبة تثمر طيلة فصول العام ، كما يشدك ماؤها العذب الذي يوجد على مسافات قريبة من سطح الأرض التي تكاد أن تنفجر من كثرتها على غرار البحيرة الشهيرة " المهملة " بين سكاكا ودومة الجندل ، كل ذلك وقصة اجتماع النخل والزيتون في الجوف شيء لم يحدث كما قيل الا في منطقتين في العالم اضافة للجوف، كما للصحراء حديث شاعري مختلف تراه في أعين المستمتعين بها ربيعا.
وفي الجوف أحاديث يرويها التراث الذي ينسج من منطقة الجوف حكاية حضارة عالمية تمد يدها لمن ينتشلها ، ويطلق منها نافذة للعالم تضيء بأمجاد منطقة سعودية مجّدها التاريخ.. فهل سيكمل تمجيدها الحاضر!!