ذكرت «عكاظ» أن محكمة التمييز أعادت صك المحكمة القاضي بجلد معلم أمام طلابه وطالبت بعقوبة أخرى في خطوة محمودة للمحكمة. فالمعاكس والمختلي في الأماكن العامة والقاذف والمغتصب وشارب الخمر ومشاغب الملاعب ومتجاوز السرعة وقاطع الإشارة والمفحط كلهم يُجلدون، يتساوى في ذلك الكبير والصغير والجاهل والعالم فلا تفرق العصى بين ظهر وآخر وكأنها لا توجد عقوبة غيرها في الاسلام رغم أن أغلبها ذنوب لم يشرع فيها حد مخصوص، فالتعزير يعني تأديب عن ذنوب لم تشرع فيها الحدود ويختلف حكمه باختلاف حاله وحال فاعله. وقد اتفق الفقهاء في أن الجَلد حداً يجب على من ارتكب إحدى جرائم ثلاث هي:
الزنى والقذف وشرب المسكر (فالزانية والزاني مائة جلدة). والذين يرمون المحصّنات ثمانين جلدة.
أما حد المُسكر فقد جلد النبي عليه السلام رجلا بجريدتين نحو أربعين وفعله أبو بكر.
وذهبت المالكية والحنيفية والحنبلية إلى أن السكران يُجلد ثمانين جلدة في الحر وفي غيره أربعين وأجمع الصحابة على ذلك. وكان عمر رضي الله عنه إذا أتى الرجل الضعيف الذي كانت منه الزلّة ضربه أربعين.
وقالت الحنفية أقل التعزير بالجلد ثلاث وقال أحمد لا يزيد جلد التعزير عن عشر جلدات وفي الحاشية لابن عابدين بأن لا يُلقى المجلود على وجهه ولا يُمد ولا يُجرّد عن الثياب ويُجلد الرجل قائماً والمرأة جالسة.
وجاء في التبصرة التعزير لا يختص بالسوط واليد والحبس وإنما هو موكول إلى اجتهاد الإمام وقال القرافي المالكي أن التعزير يختلف باختلاف الاعصار والأمصار.
وفي التعزير يختار القاضي من العقوبات الشرعية ما يناسب الحال، فيجب على الذين لهم سلطة التعزير الاجتهاد في اختيار الأصلح لاختلاف ذلك باختلاف مراتب الناس وباختلاف المعاصي فلا يتساوى الأكاديمي والمعلم مع أصحاب السوابق.
ويجوز في التعزير العفو والشفاعة وليس التعزير للتعذيب أو إهدار الآدمية أو الإتلاف حيث لا يكون ذلك واجباً فالتعزير للتأديب ولا يجوز الإتلاف وفعله مقيّد بشرط السلامة يقول عليه السلام:
"اشفعوا تُؤجروا.." ويقضي الله على لسان نبيه ما يشاء.
يقول الشافعي إن التعزير ليس بواجب استناداً إلى قوله تعالى: (واقم الصلاة طرفي النهار وزلفاً من الليل إن الحسنات يُذهبن السيئات).
وإلى قوله صلى الله عليه وسلم في الأنصار: "اقبلوا من محسنهم وتجاوزا عن مسيئهم".
وقد منعت الحنفية تفويض التعزير للقاضي لاختلاف حال القضاة.
والراجح في المذهب الحنبلي التحديد سواء كان بعشر جلدات أو بأقل من أدنى الحدود أو بأقل من الحد المقرّر لجنس الجريمة وقيل إن اختيار التعزير إلى القاضي من واحد إلى تسعة وثلاثين، وقالوا بأنه لا يجوز للحاكم أن يزيد في التعزير بالضرب على ثلاثين صوتاً..
وأخرج البخاري ومسلم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "لا تجلدوا فوق عشرة أسواطاً إلا في حدٍ من حدود الله".
وقد أخذ بهذا الحديث أحمد والليث وإسحاق وجماعة من الشافعية.. والتعزير لا يكون بالجلد دائماً كما هو حاصل اليوم وعلى كل كبيرة وصغيرة وللعالم والجاهل بل أيضاً يكون بالتوبيخ والزجر والوعظ والحبس ولا يُجمع بين الجلد والحبس كما يحدث الآن.
وقد فرض زمنا ببعض الأحكام التعزيرية التي صدرت مثل نظافة المسجد وحفظ آيات من القرآن ثم اختفت..
فالحكم بالتعزير على شخص بآلاف الجلدات مع السجن لم يفعله رسول الله ولا صحابته.
إن جريمة الزنا وهي من الجرائم الكبيرة قدّر الله لها مائة جلدة ولا أدري على أي أساس تم التوسع في الجلد لأدنى خطيئة وأقل معصية، فهذا علي رضي الله عنه ضرب رجلاً وامرأة مائة جلدة وجدهما في لحاف واحد.
فلا بد أن تكون ثمة مناسبة بين العقوبة والجريمة فلا يُسرف في عقاب لمجرد التشفي والإهانة، فقد أمرنا نبي الرحمة أن ندرأ الحدود بالشبهات ما استطعنا.
إن غاية الإسلام من العقاب هو حماية الفضيلة والمجتمع من أن تتحكم فيه الرذيلة، والشريعة جاءت لحماية المصالح الإنسانية الحقيقية..
فالتعزير بالجلد لا يكون واجباً في كل الأحوال خاصة إذا كانت الفعلة سقطة من الإنسان وليست في طبعه ولا من أخلاقه التعود على مثل هذه الأفعال، فالعفو قد يرطِّب قلبه فيجعله أليفاً محباً للخير ليستحيي من صنعته والعقاب بالجلد أمام الناس والتشهير به وهتك ستره قد تنفره وتفقد الشخص المضروب كرامته وتذلّه وتهينه ويصبح مجرماً متمرساً يعود شرّه على المجتمع كلّه.
فاكــس: 6975040