هل العولمة هي تطور موضوعي يتصل بحركة العلم والتقدم التكنولوجي في مجال الاتصالات والمعلوماتية, وهي بعيدة عن أشكال التحيزات الفكرية, أو التوظيفات السياسية, وبالتالي فإن العولمة لا إيديولوجية لها, ولا علاقة لها بالإيديولوجيا؟ أم أن العولمة هي إيديولوجيا, ولا يمكن تصورها أساساً بعيداً عن الإيديولوجيا, ومن السذاجة عند أصحاب هذا الرأي تصور براءة العولمة من الإيديولوجيا, فهي في قلب وصميم الإيديولوجيا, وتعبر عن تطور واستمرار لأفكار وسياسات تتصل وترتبط بآليات التحكم والسيطرة على العالم.
فما هي الصورة الحقيقية للعولمة؟ هل هي الصورة التي تنفك وتنفصل عن الإيديولوجيا؟ أم هي الصورة التي لا تنفك وتنفصل عن الإيديولوجيا؟
في نطاق الفكر العربي المشبع بالإيديولوجيا, هناك قطاع من المفكرين يميل بقوة إلى تصوير العولمة بالإيديولوجيا, ومن هؤلاء الدكتور محمد عابد الجابري الذي يرى أن العولمة ليست مجرد آلية من آليات التطور الرأسمالي, بل هي أيضاً وبالدرجة الأولى إيديولوجيا تعكس إرادة الهيمنة على العالم, ومن عناصرها الأساسية محاربة الذاكرة الوطنية والتاريخ والوعي بالتفاوت الطبقي, وبالانتماء الوطني والقومي.
وهناك العديد من المفكرين العرب الذين يميلون إلى مثل ما ذهب إليه الجابري. في حين يرى الدكتور برهان غليون أن العولمة تجمع بين الصورة الذاتية والصورة الموضوعية.
ويتصل بهذا الجدل أيضا, الحديث عن العلاقة بين العولمة والأمركة, وفيما إذا كان هناك تلازم وتطابق بينهما, وأنهما تعبير عن صورة واحدة؟ أم لا تلازم وتطابق بينها, وأنهما يعبران عن صورتين مختلفتين؟
وأمام هذا الجدل هناك من يرى التلازم والتطابق بين العولمة والأمركة, واعتبار الأمركة على أنها إيديولوجية العولمة, وهناك من يرى أن بعض العولمة هي أمركة, وليست العولمة هي بتمامها أمركة, إلى جانب من يرى أن العولمة هي شيء مختلف عن الأمركة.
والذي أراه في هذا الشأن عند النظر المعرفي للعولمة, أن بالامكان تفكيك النظر وتمييز ثلاثة أبعاد في العولمة, هي:
البعد الأول: ويتصل بجانب العلم والواقع الموضوعي. ويرتبط هذا البعد أساساً بالتطور والتقدم في ميادين العلم والتقنية والتكنولوجيا, وميادينه الإعلام والمعلوماتية والاتصالات والمواصلات, وتقنياته الهاتف والتلفاز والكومبيوتر والأقمار الصناعية التي جعلت من العالم الكبير والواسع متقارباً ومتداخلاً بصورة كما لو أنه قرية صغيرة, أو هكذا يوصف افتراضاً ومجازاً. هذا الجانب الذي يتصل بالعلم والتطور العلمي, لا يمكن رفضه أو مناهضته أو استنكاره. كما ليست له علاقة من حيث الذات بالإيديولوجيا.
البعد الثاني: تحويل العولمة إلى إيديولوجيا. وهذا هو منشأ الحذر والخوف من العولمة, وذلك من خلال توظيف العولمة لخدمة بعض الأهداف والمصالح, وتحقيق بعض الامتيازات, والاستفادة منها في فرض بعض الاتجاهات, وقولبة بعض المفاهيم والأفكار, وتكوين خطاب يحاول أن يحتكر تفسير وفهم العولمة بحيث يكون متلازماً معها, والترويج لهذا الخطاب وتعميمه.
البعد الثالث: التفسير الإيديولوجي للعولمة. والنظر لها من زاوية الإيديولوجيا, أي من خلال قوالب وتركيبات فكرية وسياسية واقتصادية متحيزة, وتوليد فهم محدد والتمسك به لدرجة التشدد, والانغلاق عليه لدرجة الجمود. وهذا ما وقعت في إشكاليته معظم القراءات اليسارية, ومنها القراءات العربية التي تسرعت في إعطاء أحكام اتصفت بالنهائية والجزم والقطع, وربطت العولمة بآليات تطور الرأسمالية, كالذي ظهر في قراءات صادق جلال العظم وسمير أمين وغيرهما. الذين قدموا قراءات صافية للتفسير الإيديولوجي للعولمة.
almilad@almilad.org
فما هي الصورة الحقيقية للعولمة؟ هل هي الصورة التي تنفك وتنفصل عن الإيديولوجيا؟ أم هي الصورة التي لا تنفك وتنفصل عن الإيديولوجيا؟
في نطاق الفكر العربي المشبع بالإيديولوجيا, هناك قطاع من المفكرين يميل بقوة إلى تصوير العولمة بالإيديولوجيا, ومن هؤلاء الدكتور محمد عابد الجابري الذي يرى أن العولمة ليست مجرد آلية من آليات التطور الرأسمالي, بل هي أيضاً وبالدرجة الأولى إيديولوجيا تعكس إرادة الهيمنة على العالم, ومن عناصرها الأساسية محاربة الذاكرة الوطنية والتاريخ والوعي بالتفاوت الطبقي, وبالانتماء الوطني والقومي.
وهناك العديد من المفكرين العرب الذين يميلون إلى مثل ما ذهب إليه الجابري. في حين يرى الدكتور برهان غليون أن العولمة تجمع بين الصورة الذاتية والصورة الموضوعية.
ويتصل بهذا الجدل أيضا, الحديث عن العلاقة بين العولمة والأمركة, وفيما إذا كان هناك تلازم وتطابق بينهما, وأنهما تعبير عن صورة واحدة؟ أم لا تلازم وتطابق بينها, وأنهما يعبران عن صورتين مختلفتين؟
وأمام هذا الجدل هناك من يرى التلازم والتطابق بين العولمة والأمركة, واعتبار الأمركة على أنها إيديولوجية العولمة, وهناك من يرى أن بعض العولمة هي أمركة, وليست العولمة هي بتمامها أمركة, إلى جانب من يرى أن العولمة هي شيء مختلف عن الأمركة.
والذي أراه في هذا الشأن عند النظر المعرفي للعولمة, أن بالامكان تفكيك النظر وتمييز ثلاثة أبعاد في العولمة, هي:
البعد الأول: ويتصل بجانب العلم والواقع الموضوعي. ويرتبط هذا البعد أساساً بالتطور والتقدم في ميادين العلم والتقنية والتكنولوجيا, وميادينه الإعلام والمعلوماتية والاتصالات والمواصلات, وتقنياته الهاتف والتلفاز والكومبيوتر والأقمار الصناعية التي جعلت من العالم الكبير والواسع متقارباً ومتداخلاً بصورة كما لو أنه قرية صغيرة, أو هكذا يوصف افتراضاً ومجازاً. هذا الجانب الذي يتصل بالعلم والتطور العلمي, لا يمكن رفضه أو مناهضته أو استنكاره. كما ليست له علاقة من حيث الذات بالإيديولوجيا.
البعد الثاني: تحويل العولمة إلى إيديولوجيا. وهذا هو منشأ الحذر والخوف من العولمة, وذلك من خلال توظيف العولمة لخدمة بعض الأهداف والمصالح, وتحقيق بعض الامتيازات, والاستفادة منها في فرض بعض الاتجاهات, وقولبة بعض المفاهيم والأفكار, وتكوين خطاب يحاول أن يحتكر تفسير وفهم العولمة بحيث يكون متلازماً معها, والترويج لهذا الخطاب وتعميمه.
البعد الثالث: التفسير الإيديولوجي للعولمة. والنظر لها من زاوية الإيديولوجيا, أي من خلال قوالب وتركيبات فكرية وسياسية واقتصادية متحيزة, وتوليد فهم محدد والتمسك به لدرجة التشدد, والانغلاق عليه لدرجة الجمود. وهذا ما وقعت في إشكاليته معظم القراءات اليسارية, ومنها القراءات العربية التي تسرعت في إعطاء أحكام اتصفت بالنهائية والجزم والقطع, وربطت العولمة بآليات تطور الرأسمالية, كالذي ظهر في قراءات صادق جلال العظم وسمير أمين وغيرهما. الذين قدموا قراءات صافية للتفسير الإيديولوجي للعولمة.
almilad@almilad.org