تعتبر الرياضة ضرورية لأنها تغذي العقول وتقوي الأجسام, وقد ورد في الأثر أن النبي صلى الله عليه وسلم سابق عائشة في بداية حياته فسبقها وسابقها في آخر حياته فسبقته, وقال صلى الله عليه وسلم "هذه بتلك” ونفهم من هذا أن الرياضة بشكل عام وكرة القدم بشكل خاص ليست أمرا محرما ولكن حينما تأخذ كل الاهتمام والعناية والتمجيد على حساب بقية القضايا الهامة في المجتمع فهذا الأمر الذي لا نستحسنه. طالما أن الشيء بالشيء يذكر فإن التلفزيون السعودي أنشأ في السنوات الأخيرة قناة (الرياضية) مركزة كل اهتمامها على الشأن الرياضي من حيث نشر أخبار النوادي والفرق والحكام ونقل المباريات الرياضية وإجراء اللقاءات المكثفة مع لاعبي الكرة وتمجيدهم وكأنهم الواجهات الحضارية في المجتمع مع أن هناك نماذج أخرى في المجتمع تستحق الرعاية والإشادة والتمجيد لما لهم من دور فعال في خدمة المجتمع وهم طبقة المثقفين والأكاديميين ورجال التربية والتعليم, فكم من طالب سعودي ضحى بوقته وجهده وقصر في حق أسرته للدراسة خارج المملكة وداخلها ليحصل على الدرجات العلمية المتقدمة ويقدم بحوثا تستحق الإشادة والتمجيد لما فيها من فوائد نظرية وتطبيقية في خدمة المجتمع لكننا مع ذلك لانجد مجرد خبر صغير عنه في جريدة أو لقاء مصغر في التلفزيون وينتهي الأمر بهؤلاء الى ان يعينوا في الجامعات أو مراكز البحوث أو المؤسسات والمصالح الحكومية برواتب لاتسد حاجاتهم في ظل الارتفاع الجنوني لأسعار الأغذية والأدوية الطبية وارتفاع تكاليف الخدمات العامة على خلاف لاعبي كرة القدم الذين تباع عقودهم بملايين الريالات بالإضافة الى الرواتب الخيالية التي يتقاضونها, بل إن معظمهم اصبح من اصحاب العمارات والمقاولات ليتني لم أحرق أعصابي طوال هذه السنوات من أجل الدراسة حتى حصلت على درجة الدكتوراه فالآن أعمل في مؤسسة حكومية براتب لا يسمن ولا يغني من جوع ومن جانب آخر فإن إظهار كرة القدم بهذا الشكل المبالغ فيه أثر تأثيرا كبيرا على ثقافة الشباب السعودي إذ أصبح همه الأول متابعة النوادي والفرق وأخبار النجوم واللاعبين حتى تجد أن هؤلاء الشباب لديهم قدرة فائقة في التحليل الرياضي ومعرفة قوانين لعبة كرة القدم على حساب ثقافته العلمية وتحصيله الدراسي ولو قدر أن طالبا جامعيا من هؤلاء طلب منه إعداد بحث تخرج لما استطاع أن يكتب صفحة واحدة بل يذهب الى إحدى المكتبات ويشتري بحثا جاهزا وهذا أمر مؤسف كذلك فإن الاهتمام الكبير بلعبة كرة القدم له أثر كبير على عدم الاهتمام بالقضايا والظواهر الاجتماعية السلبية التي تظهر في المجتمع مثل قضايا العنف العائلي وتعاطي المخدرات والسطو والسرقات وانتشار الجرائم الناتجة عن العمالة السائبة لأن مثل هذه الظواهر بحاجة الى الدراسة والتحليل والتأصيل النظري وهذا لا يتأتى إلا من خلال الأساتذة الأكاديميين والمثقفين المتخصصين في العلوم الاجتماعية والإنسانية ومن هنا فإنني اقترح تحويل مسمى القناة الرياضية الى قناة رياضية ثقافية بحيث تخصص جزءا من ساعاتها لاستضافة رجال الفكر والعلم وتتبع سيرهم الذاتية وإنجازاتهم العلمية والاستفادة من تفسيراتهم وتحليلاتهم في دراسة الظواهر السلبية التي تظهر في المجتمع وذلك لأنني أؤمن تمام الإيمان بأن المجتمع يتقدم ويتطور بعقول المفكرين والمثقفين لا بعقول لاعبي كرة القدم.
الدكتور محمد أحمد العرياني