تقف على كتف البحر في ميناء القنفذة وانت تطالع في كتاب التاريخ, تستحضر روح الميناء القديم ومشاهد السفن القادمة من القرن الافريقي ومصر والهند وجنوب الجزيرة العربية حيث كان ميناء القنفذة منفذاً لاستقبال وتوريد البضائع ومحطة لرسو سفن الحجاج ولازالت المنازل القديمة المشيدة من "ملح" البحر وطبقات الطين المكسوة بالكلس تقف شامخة وتنتظر اعادة الحياة اليها بعد عقود من النسيان بعد ان فقد الميناء خصوصيته واصبح مجرد اطلالة على البحر يستقبل "سنابيك" صائدي الاسماك في رحلات الذهاب الى الصيد والعودة منها. عندما اقتربت من حوض الميناء شعرت في البداية برهبة ورعشة فالمكان في كثير من الاحيان يبدو موحشاً يستلقى على ايقاع الموج والرياح العابثة بمراكب الصيد.
دور حيوي
تلتقي في الميناء بعدد من صائدي الاسماك تحاول ان تستعيد معهم ذكريات الميناء حينما كان في رونقه غير انك تشعر انهم لايعرفون شيئاً عن نشأة هذا الميناء او اهميته في الماضي لذا فانك تطرق باب الباحث التاريخي والمؤرخ.
حسن ابراهيم الفقيه عميد كلية المعلمين في القنفذة سابقا واحد الذين عاصروا نشاط الميناء في السابق يقول: ان ميناء القنفذة كان في السابق له دور حيوي في استقبال بواخر الحجاج من جميع البلدان الاسلامية.
كما ان ميناء القنفذة كان له في الماضي اتصال وثيق بميناءي جدة وجازان وكان من اهم الموانئ على الساحل الشرقي للبحر الاحمر خاصة انه يبعد عن مكة المكرمة بمسافة350 كيلاً الى الجنوب.وتابع انه رغم الاهمية الكبرى لميناء القنفذة فانه لم يرد ذكره في المصادر التاريخية الا مؤخراً.
وتابع ان اقدم الاشارات في هذا الميناء تعود الى مطلع القرن العاشر الهجري السادس عشر الميلادي وبعد ذلك توالى ذكر الميناء في المصادر التاريخية.
واضاف ان ارتباط القنفذة بالقرن العاشر الهجري يقودنا الى حقيقة ان الميناء كان له اهمية حربية كبيرة في العهد العثماني.
وبعد توحيد المملكة اصبح الميناء مركزا لرسو قوافل الحجاج ومن ثم تفويجهم الى مكة المكرمة.
نشاطات تجارية
وعن النشاط التجاري لهذا الميناء قديماً قال الفقيه: كان ميناء القنفذة تستورد عبره المحاصيل الزراعية والمنتجات ويتم توزيعها الى مدن الجزيرة العربية وخارجها ما يدل على الانشطة التجارية الكبيرة لهذا الميناء وقد ادى ازدهار الميناء في السابق الى ازدياد كثافة السكان في القنفذة وظهور بيوتات تجارية كبرى خاصة ان قوافل التجارة كانت تنطلق من القنفذة الى القرى والهجر والمدن البعيدة وتابع الفقيه انه تم اجراء دراسات موسعة عن الميناء من قبل الجهات المختصة لمدة 30 عاما مضت شملت الدراسة الناحية المناخية المؤثرة على انشطة الميناء وقد سجلت خلال هذه الفترة اعلى مستويات التأثيرات المناخية من رياح وامطار وحرارة تتعلق بالمعلومات الاساسية للاحوال المناخية المؤثرة في اقامة الميناء ولكن لم يظهر لهذه الدراسة أي اثر لعدم اقامة مبان للميناء وارصفة ومنشآت حديثة تتطلبها طبيعة انشاء الميناء واحياء حركته ونشاطه خاصة ان القنفذة مدينة تتداخل في عمق الامتداد الصحراوي والجبلي الذي يبدأ من منطقة عسير حتى جنوب الطائف وهذا الوعاء الجغرافي من مدن وقرى واودية واسواق متعددة يعج بالحركة ويعد غطاء لاهمية احياء ميناء القنفذة.
ومن جانبه قال سعيد احمد باسندوة احد المهتمين بتاريخ القنفذة ان الكثيرين من افراد اسرته عاصروا النشاط الحيوي لميناء القنفذة واضاف ان جده لامه سعيد محمد هبيلي - رحمه الله - كان "نوخذة" ويمتلك بالشراكة مع بلغيث عبدالله سنبوك "ساعية" تسمى فتح الخير واخرى تسمى نور البحر كما توجد الجوهرة والعلوي والغزالة والمحروسة وكلها كانت سنابيك تجارية تمخر عباب البحر وترسو في ميناء القنفذة.
واضاف ان المصادر التاريخية تشير الى ان تلك السنابيك كانت تنطلق من ميناء القنفذة الى موانئ عدن ومصوع وكمران وحديدة وجدة وكانت العملة النقدية المتداولة في المعاملات بذلك الوقت الريال الفضة السعودي والفرنك الفرنسي وهو من الفضة ايضا وان البضائع كانت تنقل بالمحناط وهي عربة تجرها الحمير والجمال الى الاسواق.
وفي ذات السياق قال عبدالرحمن حلواني وهو من المهتمين بتاريخ ميناء القنفذة ان الميناء في حاجة الى نفض غبار السنين عنه واحيائه مرة اخرى حتى يكون احد الثغور البحرية ويكمل دوره الذي بدأه في الماضي واضاف ان موقع ميناء القنفذة موقع استراتيجي وان احياءه من الاهمية بمكان لاستعادة نبضه القديم كميناء تجاري هام.
ميناء حجاج الشرق
د.احمد عمر الزيلعي استاذ الاثار بجامعة الملك سعود عضو مجلس ادارة الهيئة العليا للسياحة, يقول "ان القنفذة في بدايات توحيد المملكة كانت ميناء الملك عبدالعزيز الاول على ساحل البحر الاحمر, واخذت الارزاق والامدادات تصل اليه, اثناء حصار جدة".
ويشير الى ان "الحجاج القادمين الى مكة من شرق العالم اخذوا يصلون اليها عن طريق ميناءي القنفذة والليث" موضحا بان الميناء جهز بكل الامكانات حتى يستطيع استيعاب القادمين اليه في ذلك الوقت.
وارجع الزيلعي السبب في اندثار وتوقف ميناء القنفذة الذي كان يعد اهم ميناء لمنطقة عسير والمناطق المجاورة لها, الى نشاط مدينة جدة ومينائها وسهولة النقل البري بواسطة السيارات بين القنفذة وجدة, لافتاً الى ان استقبال الحجاج وتجارة النقل البحري وصناعة السفن الشراعية توقفت تبعاً لذلك, واصبحت القنفذة مرتبطة تجارياً بمدينة جدة.
رجال الاعمال يطالبون
ومن ناحية اخرى عبر عدد من رجال الاعمال بمحافظة القنفذة عن اهمية اعادة الحياة لمينائهم لموقعه الاستراتيجي حيث يتوسط جدة وجازان ومدن السراة والحجاز اضافة الى انه سينشط الحركة التجارية بالمحافظة اضافة الى مساندة ميناء جدة الاسلامي في استقطاب الحجاج كما كان في السابق. كما ان انشاء الميناء يخفف من الازدحام الذي يشهده طريق الساحل من ناقلات النفط التي تغذي شركة الكهرباء بالمنطقة حيث يبلغ عددها 150 ناقلة يوميا.