ما ان يذكر اسم محمد بن علي السنوسي شاعر جازان ومغنيها حتى يذكر اسم مؤرخها محمد بن احمد عيسى العقيلي وما بين الشاعر والمؤرخ حياة غير الحياة الادبية.. هي حياة الناس والمجتمع والوجه الآخر لكليهما حيث كانت جيزان المدينة في الستينات والسبعينات والثمانينات الهجرية وما بعدها زخماً من الذكريات والتحولات، وحيث اختفت اشياء وبرزت اشياء ورحل اشخاص وبقي اشخاص، وحيث أطياف ذلك الماضي الجيزاني بكل عبقه لازال يشكل حضوره القوي في أذهان وأعماق الذين احبوا مدينتهم وعشقوها..

يقول عنه صديقه ورفيق دربه محمد احمد العقيلي: لقد نشأ السنوسي نشأة كريمة وحفظ كتاب الله على يد الشيخ علي بن احمد عيسى وبعدها اخذ مبادئ العربية وشيئاً من الفقه على يد والده القاضي العلامة علي بن محمد السنوسي ثم التحق بحلقة الشيخ عقيل بن احمد عالم جازان في عصره -درسنا سوياً ومعنا عدد من الاخوان.
ويضيف العقيلي في اضاءته عن السنوسي: «كان ذكياً تواقاً الى المعرفة بشتى فروعها وفنونها فحصل في الوقت القصير على الشيء الكثير وبدأ في قرض الشعر وكان بيتانا قريبين من بعضهما البعض وروحانا اشد ارتباطاً وتقارباً وتوثقت أواصر الصداقة والإخاء فيما بيننا، فاذا خرجنا من الدوائر كان هو في جمرك جيزان وانا في ماليتها نتفق في عصر كل ليلة في مجلس الشيخ عبده علاقي رئيس بلدية جيزان مع نخبة من الاخوان والاصدقاء -اخص بالذكر منهم الاستاذ محمد زارع عقيل فاذا صلينا المغرب انصرف كل منا الى داره وبعد نصف ساعة يكون اجتماعنا في بيتي ونمضي الوقت في المذاكرة والمحادثة في شتى فروع العلم وفنون المعرفة- حتى اذا حان وقت صلاة العشاء صلينا جماعة فاذا بقي لنا نشاط استأنفنا الجلسة حتى الحادية عشرة والا فودعنا بعضنا على موعد آخر على نفس الطريقة.

من المسطاح.. الى الميدان
ويضيف العقيلي: في حوالى سنة 1372هـ -انتقلنا هو وانا من حارة «المسطاح».. هو الى حارة الميدان وانا الى حارة الجبل.. وبعدت الشقة فيما بيننا وانما بقيت تمشية العصر سوياً حتى شغلت مشاغل الحياة كلا منا عن تلك اللقاءات لقد بدأت تشغلنا الحياة -ويبدأ طموح كل منا نحو تحقيق آماله واحلامه.

شفافية عالية
يتحدث الاستاذ عبدالعزيز هويدي احد اصدقاء السنوسي واحد الذين اقتربوا منه اثناء ادارته لنادي جيزان الادبي: اذكر انني تعرفت علي السنوسي سنة 1385هـ في بيته الواقع قرب حي الميدان.. وكان الرجل -للحق- يتأثر من بعض المواقف التي كانت تؤلمه وتؤذي مشاعره ولعل اكثر ما يميزه هو حساسيته حتى يُشعر الآخرين بانه معهم -وبينهم- انه يملك شفافية عالية وقد شاهدته في لحظات يقترب فيها من الناس البسطاء بدون ترفع -او تعال- علاقته بكل شرائح المجتمع جعلته يستفيد منها في كتابة قصائده التي تتحدث عن التفاصيل الصغيرة في الحياة.

روح النكتة
وقال الهويدي عن السنوسي انه كريم نفس -وكريم مشاعر- ويتميز بروح النكتة سواءً جاءت منه، او يستعيد هو مواقف ونكات الآخرين بطريقة جميلة انه شخص يميل الى المرح والظروف ويستأنس مجالسة العاديين من الناس لان العفوية سمة اساسية فيه اضافة الى انه تميز بالصراحة والجرأة في قول الحق، وعندما كنت سكرتيراً في المجلس الاداري وكان عضواً فيه ضمن عدة اعضاء ممثلاً للاهالي مع آخرين هم: محمد احمد عيسى العقيلي ومحمد زارع عقيل ومحمد عبدالله بركات ومحمد علي طبيقي وكان يرأس المجلس امير المنطقة الاستاذ محمد بن تركي السديري فكان ان تحدث الحاضرون في أمر او قضية تهم المنطقة وجدته يبدي رأيه بشجاعة -وبصراحة لا يجامل- وكان السدبري يتقبل ذلك بصدر رحب لمعرفته بشخصيته وصدقه.

«الشنفرى» في التهامي
ويضيف الهويدي: ان الشيء الملفت في تعامل السنوسي مع الناس انه كان لا يستنكف مجالستهم ولا مباسطتهم بل انه يستشف من هذه الشرائح بعض الافكار وهو ما ينعكس على ما يكتبه من شعر ولعل تجربته في بلدية جيزان ومعايشة المواطنين ومعرفة طباعهم وامزجتهم، أغنته كثيراً في هذا المجال.
اما ادارته للنادي فقد تميزت بتلك العلاقة التي استفاد منها كل من اقترب منه من الزملاء استفادة معرفية وادبية وخلقية وحسن رفيع في التعامل -ولازلت اتذكر تلك السنوات التي كان فيها متألقاً- في الحياة والشعر ولعلي لن انسى تلك المحاضرة التي حضرتها في النادي التهامي في عام 1392هـ وكانت عن قصيدة الشنفري.. -او ما تسمى بلامية العرب- كان يتفاعل مع كل بيت من ابيات القصيدة التي قدم عنها اضاءة كاملة وشاملة مع وقفات نقدية لتلك القصيدة الذائعة الصيت.

العمل في الجمارك
ويتحدث حسن حوذان احد زملاء السنوسي في ادارة الجمارك عن تلك الفترة الهامة في حياة السنوسي وفي تاريخ جيزان الاداري قائلاً:
في تلك الايام توظفت في الجمارك تحت مسمى كاتب تخريجية.. وكان السنوسي يعمل رئيس محاسبة ومن ابرز الموظفين عبده هاشم -يرحمه الله- وعبده بن احمد وناصر مصطفى ومحمد اسماعيل بهكلي.. وقد ارتقى الى مدير محاسبة ثم الى مدير جمرك.. وكان يرأس الجمارك في ذلك الوقت عبدالله العمير.

شخصية بسيطة
ويضيف حوذان: لقد كان السنوسي شخصية ادارية وفي نفس الوقت كان يتابع دراسته في اللغة والنحو هو والاستاذ العقيلي عند الشيخ عقيل بن احمد حنين، فاسفر ذلك عن تكوين شاعر يتمتع بشخصية اجتماعية ظريفة ولقد كانت تجمعنا به الى جانب عبده علاقي جلسات يوم الخميس التي كان السنوسي احد وجوهها المعروفة في ذلك الوقت وكانت تجمع ابرز وجوه المجتمع في جيزان، في بداية السبعينات الهجرية.. وكانت اجواء جيزان الاجتماعية فيها الكثير من المحبة والحميمبة في العلاقات الاجتماعية وكل واحد يعرف الآخر والاسر متداخلة ومتقاربة.

السنوسي والعقيلي
استفدنا من السنوسي من كثرة اطلاعنا على احدث قصائده في مسوداتها الأولى وكنا ننظر اليه في محبة واحترام واجلال.. لما يتمتع به من شخصية محبوبة وكنا اكثر ميلاً الى شخصيته البسيطة والمتواضعة وبالرغم من انه اكثر شاعرية وموهبة الا ان العقيلي كان اغزر منه علماً ويظهر ذلك في جلال مؤلفاته في التاريخ بل ان السنوسي كان ينظر للعقيلي على انه استاذ لذلك كان ملازماً له اضافة الى ان العقيلي كان راقياً في شعره وله مكانة كبيرة لكن شعر السنوسي كان اكثر موهبة منه وهو على هذه المكانة كان اكثر اندماجاً في المجتمع من العقيلي ومن هنا كان شعر السنوسي يردده الناس في تلك السنوات التي شهدت تنافسهما الشديد وخلاصة الكلام كانت شخصية السنوسي سلسة وشعره اكثر سهولة واكثر وصولاً للناس من العقيلي.
ويواصل حوذان السنوسي كان زميلي وصديقي وجاري وكنا نسكن في حارة الميدان.. بالقرب من المقبرة الرئيسية وقبل ذلك كان يسكن في حي المسطاح.. اما والده القاضي السنوسي فقد كنت اراه في مجلس احمد عبدالرحمن البهكلي والد الشيخ حسن البهكلي وكان يأتي الى المجلس شخصيات معروفة من امثال عمر صالح والد صالح عمر والعيدروس وعلي ابو طالب البهكلي، وكنت انا والسنوسي الابن صغيرين في السن وفي مجلس البهكلي الذي كان يسمي البايكة وكنا نرى وجوه جيزان المعروفة اضافة الى مجلس عبده علاقي.

ابرز الاسر
ويضيف حوذان: لقد كانت ابرز الاسر المعروفة بيت زميم وبيت غبين والهواشمة وآل الطبيقي وال عقيلي وال زيدان وآل الدويري وآل عيدالحق وآل الحربي وشخصيات معروفة مثل الشيخ حمود وعثمان شاكر اضافة الى بيوت معروفة اخرى مثل الشيخ محمد عقيل بن احمد حنين والبهاكلة وآل حوذان واسر اخرى معروفة لا اتذكر هاالآن.

سنوات البلدية
يقول احمد ابراهيم زيلعي احد الموظفين الذين عملوا مع السنوسي في بلدية جيزان: عرفت الاستاذ الشاعر محمد بن علي السنوسي وانا طالب في المدرسة الثانوية بجازان وكنا نحن الشباب نحضر له بعض المناسبات والاحتفالات التي تقيمها المدينة في تلك السنوات وكنا نستمع له وهو يلقي قصائده الشعرية في هذه المناسبات.
كنت انا وزملائي في المدرسة الثانوية نتسابق في سرعة حفظ قصائده الشعرية المشوقة وكنت اعرف عنه بانه شاعر واديب وكاتب مرموق يمتاز بموهبة شعرية عظيمة واحضر له جلسات ثقافية متعددة.

زملاء البلدية
ورغم ان شعر السنوسي من السهل الممتنع.. ويعد من الشعراء الكبار الا ان شخصيته كانت تتميز بالسلاسة والعذوبة والتواضع لقد تعرفت عليه عن قرب وكنت موظفاً في البلدية التي رشح نفسه وقتئذ رئيساً لها، وكان معنا من الزملاء: المرحوم صالح عمر صالح، حسن علي طواشي، عيسى علاقي، محمد حيدر منصور.
وكان يرحمه الله يجتمع بنا كثيراً وخاصة في عطلة الاسبوع ونستمع الى أدبه وثقافته وكانت تسيطر علينا عبارته التي كانت كما قال ابراهيم ناجي في قصيدته: «الاطلال» «عبق السحر كانفاس الرُبى».
لقد ربطتني علاقة زمالة، اما اسلوبه في الادارة فيتميز باسلوب حضاري ويعامل كل الزملاء بالسواسية بعيداً عن الترفع والفوقية وبعيداً عن الشدة والتوبيخ.. انه بحق اداري ناجح يتمتع بكل الصفات.. وكانت تغلب على شخصيته شفافية الشاعر ولغته الادبية هي ما قربته الى الموظفين.
ويضيف زيلعي: من ابرز الاعمال التي انجزها السنوسي انه هو صاحب فكرة تخطيط أرض «السبخة» وهو تخطيط فني خال من الفوضى والعشوائية وكذلك تخطيط شارع المطار بأسلوب جديد وكانت لديه الكثير من المشاريع التي كان ينوي القيام بها لكن كانت الظروف المالية لا تساعده على تنفيذ احلامه وتطبيقها على الواقع وكان لديه الكثير من الاماني لمدينة جازان.
ولكن لم تتحقق له في حياته غير انه بقي في اذهان الناس كشاعر يحظى بتقديرهم.