التقيتُ به لأول مرة عام 1386هـ عندما كان وكيلاً لوزارة الداخلية، وكنت مذيعاً في الإذاعة السعودية، وكان اللقاء بناء على اقتراح منه لمهمة إذاعية وتلفزيونية، في ظروف بالغة الدقة والحساسية، حيث تعرض المجتمع السعودي لمحاولة خارجية استهدفت أمنه واستقراره، ثم تجذرت العلاقة بينه وبيني عندما تولى حقيبة الإعلام (1390 - 1395هـ) ومن ثم أثناء توليه وزارة العمل والشؤون الاجتماعية (1395 - 1404هـ) فوزارة الشؤون البلدية والقروية (1404 - 1409هـ) فمستشاراً خاصاً لخادم الحرمين الشريفين الملك فهد بن عبدالعزيز رحمه الله (1409 - 1426هـ) واستمرت العلاقة بينه وبيني هاتفياً تارة، وشخصياً تارة أخرى في منزله بمدينة الرياض ومحافظة جدة، حتى آخر محادثة هاتفية معه، قبل أسبوع من وفاته، رحمه الله.
إنه «إبراهيم بن عبدالله العنقري» الذي انتقل إلى جوار ربه بمدينة جنيف يوم الاثنين الخامس من شهر المحرم عام 1429هـ/ 14 يناير (كانون الثاني) 2008م، ودُفن -بناء على وصيته- في مكة المكرمة، تاركاً فراغاً في قلوب محبيه وأصدقائه، ناجماً عن كثير من المناقب، والخصال، والصفات المحمودة التي كان -رحمه الله- يتمتع بها، بالإضافة إلى علاقاته الإنسانية التي ربطته بكثير من الناس، فضلاً عن إنشائه بعض المساجد، وقيامه بأعمال البر والخير للمحتاجين والفقراء.
وفي هذا الحيز، أتحدث عن بعض ما أتذكره عن هذا الرجل، بوصفي شاهد عيان، وقربي منه، وعملي معه، إذ اختارني -لشهور قلائل- مديراً مكلفاً لمكتبه عندما كان وزيراً للإعلام (1393هـ) وكان المدير الأصلي (ماجد الحسيني رحمه الله) في إجازة مرضية.
* * *
كانت له فلسفة خاصة في الحياة، إذ كان يردد دائماً المثل المعروف «امشي عدل يحتار عدوك فيك».
* * *
أثناء عملي في الإذاعة السعودية، كُلفت بنقل حفل افتتاح الملك فيصل بن عبدالعزيز للمدينة العسكرية التي حملت اسمه في تبوك، على الهواء مباشرة، فأخطأت خطأ إذاعياً فادحاً، استرعى انتباهي إليه زميلي الدكتور علي بن عبدالعزيز الخضيري (عضو مجلس الشورى حالياً) الذي كان يشاركني نقل الحفل، وعندما أدركتُ خطورة الخطأ، أسرعتُ إلى «إبراهيم العنقري» وأبلغته به، وعندما لاحظ الحالة النفسية السيئة التي كنت عليها، ربّت على كتفي وقال لي: «روح شوف شغلك».
* * *
رأى أن أتولى كتابة محاضر اجتماعات لجنة الإذاعة الخاصة بالدورات الإذاعية، وعندما انتهيت من كتابة أول محضر، أتيتُ به إليه للتوقيع عليه، بوصفه رئيس الاجتماع، إلا أنه طلب مني أن أضع أولاً توقيعي في الجانب الأيمن من نهاية كل صفحة من صفحات المحضر، ولما سألته لماذا؟ قال: «هذه هي الأصول» فتعلمتُ منه ما لم أكن أعلم.
* * *
طلب مني الصديق «الدكتور هاشم عبده هاشم» -عندما كان رئيساً لتحرير صحيفة «عكاظ» وكنتُ نائباً له- إجراء مقابلة موسعة معه، حينما كان وزيراً للشؤون البلدية والقروية، وذلك بمناسبة انعقاد مؤتمر للبلديات بالمدينة المنورة، فلم يستجب إلا بعد إلحاح، ومتابعة شبه يومية، وبعد إتمام المقابلة، جئت والمصور الفوتوغرافي للصحيفة لالتقاط صور له، فطلب الاطلاع عليها قبل النشر، فاستجبتُ لرغبته وأتيتُ بالصور، فإذا به يختار صورة واحدة فقط، ولما قلت له: «إن المقابلة ستنشر على صفحتين في قلب الصحيفة، وتحتاج إلى مزيد من الصور «رفض وأصر على نشر صورة واحدة فقط له وقال: «يا أخ بدر.. كثرة الأضواء تحرق».
أسأل الله أن يرحم «إبراهيم العنقري» فقد كان -يشهد الله- رجلاً بكل ما تعنيه كلمة «الرجولة» من معنى، وعزاء لابنه «مازن» وشقيقته «عبير» ووالدتهما، ولكل أسرة «آل العنقري» وأصدقائه ومحبيه.
فاكس: 014543856
badrkerrayem@hotmail.com