«الحلقة الثانية »

تحدثنا في الحلقة السابقة عن «بواط» ومعاناتها من نقص الخدمات وصعوبة الوصول اليها الا عبر الطرق الوعرة.. لنتجه بعدها الى قرية «المليليح» التي لا تبعد عنها سوى خمسة كيلو مترات.. وقد شهدت حادثة مقتل العقيد العروي الشهيرة على أيدي عمالة وافدة. وقبل ان نستعرض مستوى الخدمات والقضايا التي تحتاج الى حلول نقف على بعض من الملامح الجغرافية والاقتصادية لهذه القرية.
تقع المليليح قرب وادي الحمض وعلى بعد نحو 55 كيلو مترا شمال غرب المدينة المنورة على وصلة متفرعة من طريق (المدينة المنورة- تبوك)، وتبلغ مساحة المركز حوالى 298،4كيلو متر مربع، وتمثل حوالى 8،3% من اجمالي مساحة نطاق المدينة المنورة ومراكزها، ويضم المركز 37 قرية، ويبلغ عدد السكان عشرة آلاف نسمة، حيث تمثل حوالى 9،2% من اجمالي سكان القرى، وتبلغ الكثافة العامة حوالى 3،6شخص. كيلو متر مربع وتتوفر الأراضي الزراعية على ضفاف وادي الحمض وتشعبات الاودية المتفرعة منه بالقرب من قرية المليليح في حين تظهر الدراسات التحليلية وجود مساحة كبيرة من الأراضي الصالحة للرعي بالمركز تقدر بنحو 15،7% من مساحة المركز الاجمالية.
ويخترق مركز المليليح طريق (المدينة المنورة- تبوك) بطول حوالى 40كم تخرج منه وصلة قصيرة مسفلتة تربطه بقرية المندسة، اما الطرق الداخلية فكلها ترابية وغير ممهدة، وتبلغ مساحة الطرق المرصوفة والترابية نحو 2،14كم2، تمثل الطرق الترابية منها نحو 61،2% وتتوفر المياه الجوفية والآبار الصالحة للزراعة بالاضافة الى مرور خط انابيب مياه التحلية محاذيا لطريق (المدينة المنورة- تبوك) بقطر 26 بوصة ليصل الى المليليح، ويغذي المراكز الواقعة شمال المدينة المنورة.
خزانات جوفية للمياه
ويغلب على التربة السطحية للمليليح التركيبة الصخرية المتطابقة شديدة الطي والتكسر والمتحولة من أصول رسوبية، وتمثل المناطق الجبلية نحو 4،5% من مساحة المركز، وتظهر بعض المتداخلات النارية الحامضية المتقدمة في العمر مع حدود مركز شجوى وشمال غرب المليليح، كما يوجد جيب صغير شمال غرب قرية أبو زباير، وتنتشر التربة الطميية العميقة الصالحة للزراعة شرق وادي الحمض وشمال المليليح، وغير القابلة للزراعة منها غرب وادي الحمض، كما تظهر البروزات الصخرية الجبلية ومناطق الحمم البركانية غرب المليليح، وتشير الدراسات الجيولوجية الى وجود خزانات مياه جوفية في الطبقات الثانوية الحاملة للمياه (رسوبيات وديانية) بوادي الحمض، وكذلك طبقات ثانوية حاملة للمياه (البازلت) شمال شرق وغرب المليليح ويستفاد حاليا من هذه المياه في الري.
الزراعة والرعي
تعد الزراعة من أهم المقومات الاقتصادية بالمركز وخاصة على ضفاف السهول والاودية كوادي الحمض حيث تقدر المساحة المزروعة بحوالى 12،3كم2 وتتوفر المياه الجوفية بكميات جيدة صالحة للري، وتتم زراعة النخيل وبعض الخضروات بكميات تجارية وتصدر للمدينة المنورة والمدن الأخرى القريبة ويشتهر المركز ايضا بالرعي وتربية المواشي حيث يشتغل فيها عدد كبير من السكان ويعد المصدر الثاني للدخل بعد الزراعة، وتمثل المواقع الصالحة للرعي حوالى 11،7% من مساحة المركز.
ويتغذى مركز المليليح من خزانين للمياه تقع على تقاطع (الخط الدائري الثالث بالمدينة وطريق المدينة المنورة- تبوك) بمياه التحلية بخط انابيب حديدي متفرع من الخط الرئيسي المتجه الى المدينة المنورة عند الكيلو 160،5 وطاقته الاستيعابية 40 ألف م3/ يوم، ويسير هذا الخط محاذيا لهذا الطريق، حتى يتقاطع مع طريق المليليح بقطر 26 بوصة، ثم يتحول الى 12 بوصة حيث يصل الى قرية المليليح بطاقة 10 آلاف م3/ يوم.
كهرباء وصرف صحي
ومن القضايا التي يعاني منها المركز مشكلة الصرف الصحي اذ يتم التخلص من مياهه من خلال البيارات ذات القاع المفتوحة اما الصلبة فيتم جمعها يوميا والتخلص منها بالطمر الصحي في مرامٍ تابعة للمركز.
ولا توجد شبكة كهرباء وانما يتم توفيرها عن طريق المولدات الخاصة والتجارية في حين ان الخدمات الهاتفية التي كانت متوفرة من قبل قد توقفت.
ومن الملاحظ ايضا انتشار العمالة الوافدة وهيمنتهم على سوق العمل رغم محدوديته ما أجبر الشباب على امتهان المهن والأعمال الهامشية اذ اشتكى أحدهم من انتشار البطالة بين أوساط الشباب وفضّل الكثيرون منهم العمل في المدينة لعدم توفر أعمال.
ونقل إلينا صالح الجهني أحد سكان المليليح معاناة الأهالي مع المياه قائلا: الكثيرون منهم يعتمدون على وايتات لنقل المياه والتي يصل سعرها الى 70 ريالاً.
عمالة وجرائم
وتنتشر العمالة الوافدة بشكل لافت في المزارع والهجر المجاورة ولا يظهرون كثيراً إلا في الليل، وقد شكل هذا الوجود هاجساً وقلقاً للسكان خصوصاً بعد مقتل العقيد المتقاعد العروي على أيدي أربعة من العمالة الوافدة اذ ألقت هذه الجريمة بظلالها على مشكلة ايواء وتشغيل العمالة الهاربة وتسهيل انتقالهم وضرورة تعاون المواطنين مع الأجهزة الأمنية في الحد منها وهو ما تمخض عنه تكثيف الوجود الأمني للقبض على المطلوبين أمنياً ومخالفي الإقامة النظامية ممن يعملون في المزارع.
المعاناة الصحية
وتعاني المليليح من سوء الخدمات الصحية كما يقول المواطن صالح الجهني إذ ان المركز الصحي في حالة يرثى لها ويوجد فيه طبيب واحد تعوزه الإمكانات التي تعينه على أداء عمله إذ لا يتوفر لديه سوى بعض المسكنات وقد فوجئنا عند زيارة المركز انه مغلق وغرفة الطوارئ والاستقبال مفتوحة ولا يوجد فيها سوى سريرين فقط وأغطية غير نظيفة مما يوحي ان الأهالي يعانون كثيراً من مستوى الخدمات الصحية.
لوحة فقط لـ«الصحي»
وأدت وفاة طفلة في التاسعة من عمرها في فترة سابقة كما يقول الجهني إثر ما يعتقد بأنها تداعيات لإصابتها بالتهاب الكبد الوبائي من الفصيلة (أ) وإصابة 6 اطفال آخرين باختلال في وظائف الكبد لإشاعة حالة من الهلع بين أهالي القرية مصحوبة باستياء واسع من الإجراءات التي اتبعتها ادارة الشؤون الصحية بمنطقة المدينة المنورة وتسببت في شيوع المرض على هذا النحو.
ويعتقد سكان القرية ان الحالة جاءت كنتيجة منطقية لرفض مطالبات الأهالي بمركز صحي مؤهل في حين فشل مركزها الصحي الموجود في اكتشاف أية اصابة بين الأطفال الذين اضطر ذووهم للذهاب بهم الى مستشفيات خارج القرية قبل ان يكتشفوا المأساة.
وقال حسين العروي: إن الرعب الذي بات يسيطر على القرية وخشية الأهالي على أطفالهم من الموت كما حدث للطفلة تتحمله الشؤون الصحية التي لا تزال تصر على مركز صحي ليس له نصيب من اسمه إلا لوحته!
وأضاف: إن مركزا صحيا بلا مختبر، وبطبيب واحد، لا يمكن ان ينجح في حماية أهالي القرية من الأمراض، فضلا عن اكتشافها وان أيا من الأسر التي راجعت بأطفالها المركز الصحي في القرية لم يتلقوا علاجا صحيا للحالة، ولم يتلقوا معاملة تنسجم مع خطورة الفيروس، ولم يحصلوا على تحويل الى احدى المستشفيات في المدينة. ولم يطلب منهم حتى اجراء أية تحاليل، مضيفا أن رداءة هذا المركز وضعف تجهيزاته وتدني مستوى الطبيب المخصص له تجعله في مصاف الصيدليات ولا يجد الجهني وبقية سكان القرية بدا من التوجه بذويهم خارج القرية وقطع أكثر من 50 كلم الى المدينة المنورة في حال داهمهم مرض يحتاج الى عناية طبية أثناء الليل وبذلك يفقد المركز الصحي في القرية الى حد بعيد الهدف الذي أسس من اجله.
وقال هليل الجهني: ان المنطقة تعاني نقص كثير من الخدمات خاصة فيما يتعلق بالكهرباء.
شجوى.. مكانا وسكانا
اتجهنا الى قرية شجوى التي تبعد 80 كلم شمال غرب المدينة المنورة على وصلة متفرعة من طريق (المدينة المنورة - تبوك)، وتبلغ مساحة المركز حوالى 263،73 كيلو متر مربع وتمثل حوالى 10.4% من اجمالي مساحة نطاق المدينة المنورة ومراكزها ويضم المركز 26 قرية والتي تتسم بالانتشار على طول وادي الحمض ويبلغ عدد سكان مركز شجوى طبقا لتقديرات الاستشاري لعام 1420 هـ نحو 4.3 الف نسمة حيث تمثل حوالى 5.3% من اجمالي سكان القرى وتبلغ الكثافة العامة حوالى 1.6 شخص /كم2.
ويغلب على التركيب الجيولوجي لمركز شجوى صفة الصخور المتطابقة شديدة الطي والتكسر والتصدع والمتحولة من أصول رسوبية كما يحدها شرقا وشمالا بعض اجزاء صغيرة من حرة خيبر التي يغلب عليها التركيب البازلتي حيث تمثل حوالى 13.5% من مساحة المركز الذي يوجد فيه بعض الصدوع الظاهرة والطيات المحدبة على ضفاف وادي الحمض المتعامدة وغير المتعامدة على البحر الاحمر كما توجد بعض تكوينات المتداخلات النارية الحمضية الحديثة جنوب غرب المركز وشمال قرية القطاع مما يستدعي دراسة تلك المناطق دراسة تفصيلة وتحديد مستوى الاشعاع بها ومدى تأثيره على حياة السكان.
ويشتهر مركز شجوى بالرزاعة لتوفر الاراضي الزراعية والمياه على ضفاف وادي الحمض ويتم زراعة أنواع مختلفة من الخضروات بكميات تجارية وتصديرها الى المدينة المنورة وينبع والمدن الاخرى ويعتبر ملتقى وادي الحمض مع وادي الجزل من أفضل الاراضي الرعوية بمنطقة المدينة المنورة ويشتغل الكثير من السكان بتربية الماشية والرعي التي تعتبر من أهم مصادر الدخل.
الطرق والمياه
ويعتبر طريق (المليليح- شجوى) المحور الرئيس بالمركز، ويتفرع منه طريق يصل الى قرية شجوى ويستمر حتى يصل الى قرية الجديدة بمحافظة العلا بطول حوالى 40كم، اما الطرق الداخلية فجميعها ترابية وغير ممهدة. وتبقى مشكلة مياه الشرب أحد أبرز المشاكل التي تواجه السكان حيث يتم نقلها بالوايتات من مركز المليليح ويتم التخلص من مياه الصرف الصحي من خلال البيارات ذات القاع المفتوح والتي يتم نزحها بالجهود الذاتية.
عزلة خارجية
ويشكو حمدان الجهني أحد سكان القرية من عدم وجود برج للهاتف النقال ما يجعل القرية أشبه بالمعزولة عن العالم.. مشيرا الى ان هناك هاتف اسقاط ممتدا من خيبر يتعرض للعطل بشكل مستمر مؤكدا ان القرية محتاجة الى مدرسة ثانوية للبنات.. كما ان المركز الصحي صغير الحجم وفي مبنى شعبي ويعمل به طبيب عام فقط وتتوقف خدماته تماما نهاية الاسبوع (الخميس والجمعة) كما يوجد فيه اسعاف صغير لا يفي بالغرض منه ولا يستطيع ان يخدم سكان القرية الذي يصل عددهم لنحو 10 آلاف نسمة.