مدائن صالح من أقدم الآثار وأشهرها وأعظمها عبرة . وهي تقع بالقرب من مدينة تبوك في شمال المملكة وتشمل عدة كهوف ومقابر منحوتة في الجبال لأقوام حكموا شعوب هذه المنطقة من آشوريين وأنبار ورومان وعرب.
ارتبطت المدائن بقوم ثمود الذين عايشوا النبي صالح .وأول انطباع يتكون لدى زائر هذه المدينة هو الرهبة والخشوع رغم مرور عهود طويلة على هلاك قومها الذين ورد ذكرهم في القرآن الكريم .
مدخل المدائن
وحينما تدخل مدائن صالح ترى كأنك مقبل على كتلة جبلية واحدة متراصة بعضها متشابك في بعض، وهذه الكتلة هي سلسلة جبال (الأناصف) والفرق بين هذه الكتلة والأخرى هو بعض انخفاض بسيط في قممها بحيث ترى أن منظر (الأثالث) أقل في الارتفاع من الجبال النصفية، لكن إذا ولجت داخل مدينة الحجر وجدت نفسك بين جبال متقطعة كل جبل على حدة، ويفصل بين كل جبل وآخر شارع مستقيم إلا أن الرمال الكثيفة تغطي الشارع كله تقريباً في بعض الأماكن،وتارة ترى بين كل ثلاثة جبال أو أربعة شارعاً، والشوارع كلها منظمة وفسيحة كأنها قد خططت في العصر الحاضر، ثم ترى الجبال منفصلة عن بعضها انفصالا فنيا.
صدق الله وأخطأ معاوية
هذه جملة خالدة قالها معاوية بن أبي سفيان رضي الله عنه عندما قصد الحج إبان حكمه ومر على مدائن صالح وقال خلال سيره: أين الزروع والنخيل وأين المياه والعيون وأين الجنات والفواكه، والله سبحانه وتعالى يقول في أهل هذه الديار (كم تركوا من جنات وعيون).
ويقول العلامة (حمد الجاسر) يرحمه الله – ان منطقة مدائن صالح كانت معروفة ومسكونة وباقية إلى ما بعد القرن الثالث الهجري،ويدل على ذلك ما نقش على آثارها وقد سميت بهذا الاسم بعد أن كان اسمها (الرحبة).
وخلال جولتنا في هذه الديار وجدنا أنفسنا بين آلاف الجبال المنفصلة عن بعضها بشكل هندسي رائع حتى تخيل لنا أننا نمشي بين شوارع من جبال وكل جبل منها منحوت بنقوش غاية في الدقة والإتقان.
مدينة الرحبة
ومدائن صالح سميت في عهد الرسول عليه الصلاة و السلام بمدينة (الرحبة) وقد مرّ عليها في طريقه إلى غزوة تبوك، وكان اتباعه قد نزلوا بها وأعدوا فيها الطعام، فلما علم الرسول صلى الله عليه وسلم بذلك أمرهم بالكف عن الطبخ وأن يقدموه للإبل مع الرحيل من ذلك المكان.
ويشاهد عند مدخل كل جبل دهليز مفرغ، ثم سلم من الصخر يصعد إلى بعض المجالس الجبلية وبعض المصاعد التي توصل إلى غرف واسعة، أمامها مقدمة جبلية فيها نحت كالشباك تطل منه على نوافذ صغيرة يدخل منها نور وشمس وريح، حتى أن الهواء إذا انطلق بشدة في جوف هذه الجبال يخيل إلى الزائر أنه أصوات موسيقية،كما يشاهد على المداخل ونوافذ معظم الجبال نقوش قديمة الحفر، وبعض الكتابة "الثمودية” توحي باسم صاحب الجبل المنحوت وأفراد عائلته وتاريخ نحته.
حكاية الناقة.. والوادي المشؤوم
وعند مدخل المدينة بعد اجتياز سهول أودية يطلق عليها (أودية المعظم) القريبة من الشام يرى الزائر جبلا شامخا رفيعا منفصلا عن بقية الجبال يسمى بجبل (الحوار) أي فصيل الناقة التى عقرها قوم نبي الله صالح عليه السلام بعد أن طعنها «قدار بن سالف»، وسبب عقر الناقة كما قال ابن كثير وابن جرير وأصحاب التاريخ: أن قدار يهوى(قطام) – ومصدع يهوى (قبال) فيجتمعان بهما – وفي بعض الليالي قالتا لقدار ومصدع لا سبيل لكما إلينا حتى تعقرا الناقة وتقتلاها فقالا: نعم وخرجا وجمعا أصحابهما وقصدوا الناقة وهي على حوضها فقال الشقي قدار لأحدهم أذهب فاعقر فأتاها متعاظماً ذلك وهاب منها فبعث آخر فكان مثل صاحبه حتى أرسل كثيراً منهم فكانوا يتعاظمون قتلها – فمشى إليها وتطاول فضرب عرقوبها فوقعت تركض، وكان ذلك في واد فسيح يتخلله شعب أسود بين جبلين أسودين شاهقين على شكل الهرمين، ويسمى هذه الشعب بالمزحم، وبالقرب من هذا الوادي بئر مطمورة تسمى حتى اليوم (بئر الناقة ).