سركون بولص، أو سرجون حسب اللغة الاشورية، شاعر يبدو كأنه خرج للتو من اساطير بلاد الرافدين وملحمة جلجامش وفضاء بابل وارووك، شاعر بليغ حد الصمت مهاجر كأنه عوليس هذا الناس، حاضر في أقصى حالات غيابه. هذا الشاعر الملفت، الذي نال الاعجاب من الجميع، بالرغم من أن البعض اعتبره حالة اسثتنائية حد ان الاقاويل عنه تجاوزت الكتابة عن شعره كأنه والقصيدة التحما فصارا نصا واحدا. هذا الشاعر رحل في الغربة، او المنفى الارادي، هناك في الصقيع الاوروبي الذي منح للعراقيين الملاذ.. والمكان الأخير للموت رحل مثلما رحل جان دمو.. وآخرون. وفي برلين كانت النهاية الأولى لبدايات كثيرة، كل من رآه هناك توقع مأساة كارثية سوف تحدث.. ولهذا كتب الشاعر الكبير سعدي يوسف في مستشفى برلين في تموز هذا العام، وفي الجنوب الفرنسي، في مهرجان لوديف تحديدا، التقى سركون لقاء غريبا .. كنت اعرف انه في لوديف لكنني لم أجده في الأيام الأولى انطلقت باحثا عنه في الفنادق والمنازل بلا جدوى، أنا أعرف انه مريض وانها بحاجة الى انتباه واهتمام لم اعثر عليه في هذه البلدة الصغيرة التي لا تصلح ان تكون بوابة حتى لنفسها سألت عنه أصدقاء فلم يجيبوا.. عجبا.. وفي صباح باكر عند مخبز يقدم قهوة صباح رأيت سركون جالسا على الرصيف كنت مع اندريا، قبلته: أين انت؟ كان شاحبا مرتجفا من الوهن.
هذه هي ملامح اللحظات قبل الأخيرة ولكن قبل ان يستكمل فصل النهايات لا بد ان تستعيد ملامح البدايات ويسعفنا في ذلك الحوار الطويل الذي اجراه الشاعر خالد المعالي معه.. واستمر لجلسات عدة ونلتقط من الحوار أهم المحطات من هذه السيرة الصاخبة.. الضاجة المليئة بالشعر.. والسفر.. والاصدقاء.
الحبانية والولادة
ولدت في عام 1944 على ضفاف بحيرة الحبانية، واقدم ذكرياتي.. اتذكر جلوسي أمام نوع من الكوخ الصفيحي، وكانت بيوتنا التي لا تزيد عن عشرة، كما اتذكر، تقع على ضفة البحيرة اتذكر، اذن، تلك الشمس وتلك الامواج والسكون الشامل وأنا جالس على صخرة اضرب بحجر على عظمة لاستل منها النخاع وامتص ذلك النخاع بلذة حقيقية لا زلت اتذكرها.
عائلتي
ترتيبي في العائلة الثالث قبلي اخ أكبر واخت وأنا وبعدي طبعا اخ آخر واخت اخرى.
وكان الوالد يعمل للانجليز الذين كانوا في هذه الفترة وفي هذا المكان الذي نتحدث عنه قبل ان ننتقل الى الحبانية بذاتها الى البلدة نفسها، لكن هذه (دسكرة) صغيرة جدا ملحقة طبعا بمجموعة من الانجليز. أتذكرهم كأشباح وردية يعيشون في بضعة قصور وأحد هذه القصور كان يقع فوق الماء مباشرة.
خالد العالي: هل هذا يعني انك ولدت هناك؟ حتى اقامت عائلتك في الحبانية؟
- بعد سنة او سنة ونصف من هذا الوقت الذي اتحدث عنه الآن، البحيرة -لكي اوضح الامور- تقع على مسافة 20 دقيقة أو اقل من البلدة الرئيسية نفسها وكان هذا جزءا من المعسكر او المعسكرات (كنا مستعمرين طبعا)، كانوا يعيشون فيها، هم الانجليز وعوائل الاشوريين التي جيء بها الى الحبانية كلاجئين وكانوا قبل ذلك في عدة مناطق عاشوا في اماكن مثل معسكر الهنيدي وحكارى في شمال العراق واكثر من عاشوا في الحبانية جاءوا من الشمال حيث كانت معارك مشهورة ومذابح الاشوريين التي اشترك فيها بكر صدقي والاكراد والفرس والاتراك والعرب وهي مذابح مشهورة تاريخية واكبرها مذبحة السميلي وقد كتب عنها الكثير ومنهم مصطفى جواد، وإذن جيء بالاشوريين الى الحبانية حيث اصبحت فيما بعد نوعا من المقر الرئيسي لهم وبقيت عائلتي هناك الى سنة 1956 وبعد ذلك الى كركوك.
الدراسة
دخلت المدرسة الابتدائية في الحبانية وكانت هناك مدرسة واحدة وكنت اتذكر حافظا جيدا للشعر منذ البداية. قاطعه خالد المعالي هل تتذكر انت البياتي؟ أنا لا اتذكر البياتي. اتذكر معلمين كثر من حيث الشكل فكيف لي وأنا في ذلك العمر ان اعرف ان هذا شاعر اسمه عبدالوهاب البياتي؟ لكن البياتي نفسه عندما التقيته أول مرة آنذاك وكان في عام 1985 احتضنني وأكد لي انني كنت أذكى تلاميذه في الصف حيث كان يدرس هناك.
أنا والعربية
في البيت نتكلم العربية ايضا، أمي من الشمال من الموصل ولغتها عربية بالاضافة الى انها تتكلم اشورية الكلدان، لكنها تربت على اللغة العربية بلهجة نقية وأكثر المسيحيين في الشمال وخصوصا الكلدان يتكلمون العربية بشكل ممتاز لذلك فأمي كانت سببا في ان اللغة العربية كانت ترن في آذاني منذ البداية كما اعتقد الآن بحيث انني كنت كما قلت منذ البداية منذ الصف الثاني والثالث في الابتدائية كنت متميزا عن اقراني التلاميذ الآخرين.
الذهاب الى كركوك
الاشياء الجديدة الغريبة تلك التي واجهتني في كركوك كانت بالنسبة لي آنذاك جديدة حقا، كركوك مدينة قديمة جدا بينما الحبانية نوع من المعسكرات كما قلت نوع من المدينة الصغيرة ليس فيها اي بناية او معمار له نوع من التاريخية، بينما كركوك كانت أشبه ما تكون بالتاريخ وقد تمثلت في بنايات كقلعة كركوك التي تواجهك على الضفة الثانية من نهر (خاصة صو) كما يسميه التركمان (واسمه القائم) وهو نهر يابس اكثر ايام السنة.
كان والدي يأخذني معه احيانا الى العمل حيث كان يخترق السياج ويشتغل مع الانجليز في مقراتهم وكنت كثيرا ما اسمع الانجليز يتحدثون حتى والدي الذي كان يعرف كلمات متواضعة من اللغة الانجليزية.ان التحديات التي وجدتها في الازقة عند انتقالنا الى كركوك من اطفال شرسين اصبحت بالنسبة لي نوعا من التحدي الشرس اللذيذ الذي يستفز طاقات اخرى كانت كامنة الى حد الآن وكركوك مدينة فَضة فيها -مثلاً- اطفال تركمان كانوا شرسين بشكل لا يعقل ولذلك كان التحدي كبيرا.. معارك، شجارات، وكما تعرف ان الاطفال يؤلفون نوعا من العصابات لا بد لهم من ذلك، وحياة كركوك كانت عصابات صغيرة تقابل عصابات اخرى هذا هو قانون الطفولة واعتقد انه ما زال ساريا على جميع اطفال العالم.
هذه هي ملامح اللحظات قبل الأخيرة ولكن قبل ان يستكمل فصل النهايات لا بد ان تستعيد ملامح البدايات ويسعفنا في ذلك الحوار الطويل الذي اجراه الشاعر خالد المعالي معه.. واستمر لجلسات عدة ونلتقط من الحوار أهم المحطات من هذه السيرة الصاخبة.. الضاجة المليئة بالشعر.. والسفر.. والاصدقاء.
الحبانية والولادة
ولدت في عام 1944 على ضفاف بحيرة الحبانية، واقدم ذكرياتي.. اتذكر جلوسي أمام نوع من الكوخ الصفيحي، وكانت بيوتنا التي لا تزيد عن عشرة، كما اتذكر، تقع على ضفة البحيرة اتذكر، اذن، تلك الشمس وتلك الامواج والسكون الشامل وأنا جالس على صخرة اضرب بحجر على عظمة لاستل منها النخاع وامتص ذلك النخاع بلذة حقيقية لا زلت اتذكرها.
عائلتي
ترتيبي في العائلة الثالث قبلي اخ أكبر واخت وأنا وبعدي طبعا اخ آخر واخت اخرى.
وكان الوالد يعمل للانجليز الذين كانوا في هذه الفترة وفي هذا المكان الذي نتحدث عنه قبل ان ننتقل الى الحبانية بذاتها الى البلدة نفسها، لكن هذه (دسكرة) صغيرة جدا ملحقة طبعا بمجموعة من الانجليز. أتذكرهم كأشباح وردية يعيشون في بضعة قصور وأحد هذه القصور كان يقع فوق الماء مباشرة.
خالد العالي: هل هذا يعني انك ولدت هناك؟ حتى اقامت عائلتك في الحبانية؟
- بعد سنة او سنة ونصف من هذا الوقت الذي اتحدث عنه الآن، البحيرة -لكي اوضح الامور- تقع على مسافة 20 دقيقة أو اقل من البلدة الرئيسية نفسها وكان هذا جزءا من المعسكر او المعسكرات (كنا مستعمرين طبعا)، كانوا يعيشون فيها، هم الانجليز وعوائل الاشوريين التي جيء بها الى الحبانية كلاجئين وكانوا قبل ذلك في عدة مناطق عاشوا في اماكن مثل معسكر الهنيدي وحكارى في شمال العراق واكثر من عاشوا في الحبانية جاءوا من الشمال حيث كانت معارك مشهورة ومذابح الاشوريين التي اشترك فيها بكر صدقي والاكراد والفرس والاتراك والعرب وهي مذابح مشهورة تاريخية واكبرها مذبحة السميلي وقد كتب عنها الكثير ومنهم مصطفى جواد، وإذن جيء بالاشوريين الى الحبانية حيث اصبحت فيما بعد نوعا من المقر الرئيسي لهم وبقيت عائلتي هناك الى سنة 1956 وبعد ذلك الى كركوك.
الدراسة
دخلت المدرسة الابتدائية في الحبانية وكانت هناك مدرسة واحدة وكنت اتذكر حافظا جيدا للشعر منذ البداية. قاطعه خالد المعالي هل تتذكر انت البياتي؟ أنا لا اتذكر البياتي. اتذكر معلمين كثر من حيث الشكل فكيف لي وأنا في ذلك العمر ان اعرف ان هذا شاعر اسمه عبدالوهاب البياتي؟ لكن البياتي نفسه عندما التقيته أول مرة آنذاك وكان في عام 1985 احتضنني وأكد لي انني كنت أذكى تلاميذه في الصف حيث كان يدرس هناك.
أنا والعربية
في البيت نتكلم العربية ايضا، أمي من الشمال من الموصل ولغتها عربية بالاضافة الى انها تتكلم اشورية الكلدان، لكنها تربت على اللغة العربية بلهجة نقية وأكثر المسيحيين في الشمال وخصوصا الكلدان يتكلمون العربية بشكل ممتاز لذلك فأمي كانت سببا في ان اللغة العربية كانت ترن في آذاني منذ البداية كما اعتقد الآن بحيث انني كنت كما قلت منذ البداية منذ الصف الثاني والثالث في الابتدائية كنت متميزا عن اقراني التلاميذ الآخرين.
الذهاب الى كركوك
الاشياء الجديدة الغريبة تلك التي واجهتني في كركوك كانت بالنسبة لي آنذاك جديدة حقا، كركوك مدينة قديمة جدا بينما الحبانية نوع من المعسكرات كما قلت نوع من المدينة الصغيرة ليس فيها اي بناية او معمار له نوع من التاريخية، بينما كركوك كانت أشبه ما تكون بالتاريخ وقد تمثلت في بنايات كقلعة كركوك التي تواجهك على الضفة الثانية من نهر (خاصة صو) كما يسميه التركمان (واسمه القائم) وهو نهر يابس اكثر ايام السنة.
كان والدي يأخذني معه احيانا الى العمل حيث كان يخترق السياج ويشتغل مع الانجليز في مقراتهم وكنت كثيرا ما اسمع الانجليز يتحدثون حتى والدي الذي كان يعرف كلمات متواضعة من اللغة الانجليزية.ان التحديات التي وجدتها في الازقة عند انتقالنا الى كركوك من اطفال شرسين اصبحت بالنسبة لي نوعا من التحدي الشرس اللذيذ الذي يستفز طاقات اخرى كانت كامنة الى حد الآن وكركوك مدينة فَضة فيها -مثلاً- اطفال تركمان كانوا شرسين بشكل لا يعقل ولذلك كان التحدي كبيرا.. معارك، شجارات، وكما تعرف ان الاطفال يؤلفون نوعا من العصابات لا بد لهم من ذلك، وحياة كركوك كانت عصابات صغيرة تقابل عصابات اخرى هذا هو قانون الطفولة واعتقد انه ما زال ساريا على جميع اطفال العالم.