اعاد مسلسل «نمر بن عدوان» الذي يعرض هذه الايام على شاشة الـMBC الوهج مجددا للدراما البدوية بعد ان خفت بريقها في السنوات الماضية ولعل نجاح هذا المسلسل في استقطاب المشاهدين يعود الى شعبية الفارس والشاعر المعروف نمر بن عدوان حيث ان حياة نمر زاخرة بالقصص والروايات والتي استطاع أن يوثقها بقصائده الخالدة بالذاكرة. منحته قصته مع زوجته وضحى التي قتلها بالخطأ شهرة واسعة و ردد ابناء الجزيرة العربية قصائده على فراقها ورسخت في ذاكرتهم بعض القصص التي اصبحت مثلا يضرب في المناسبات المختلفة مثل مقولته الراسخة «هذا بلى ابوك ياعقاب» والتي خاطب بها ابنه عقاب في احدى المناسبات التي سنورد تفاصيلها لاحقا كما اننا سنبحث حقيقة قصيدة «البارحة يوم الخلايق نياما» والتي تغنى بها راشد الماجد ونسبها كثير من الناس لنمر بن عدوان وهي في الاصل للشاعر محمد بن مسلم او شاعرالاحساء كما يلقب.
ابن عدوان وعلاقته بزهران
الشيخ نمر بن عدوان من شيوخ قبيلة العداوين وهو نمر قبلان نمر حمدان عدوان فايز وقبيلة العداوين من قبائل البلقا الغربية ولها في الغور بلدة الشونة (شونة أبن عدوان) وهي بلدة على الضفة الشرقية لنهر الأردن، ويقال كانت منازلهم حول الطائف ثم حدثت بينهم حروب ومنازعات أدت إلى جلاء بطون عديدة من عدوان إلى مصر وإفريقيا ثم دارت حروب بين الذين بقوا في ديارهم فتفرقوا فنزلت هذه الفرقة الأردن فقويت شوكتها وتملكت أراضي زراعية وكثر عددها، ولا زالت عدوان الأم تسكن جنوب شرق الطائف وهي قلة اليوم ويقال ان بعضها تحالف مع قبيلة زهران.
نشأته وحياته
ولد نمر بن عدوان في منطقة ياجوز غربي الأردن في عام 1735م، ويعد نمر بن عدوان هو أول من تعلم القراءة والكتابة من بادية الأردن، على يد سيدة فرنسية أعجبت بذكائه وفطنته وهو طفل، وواصل تعليمه في القدس والأزهر، ويذكر أنه اول من أقتنى بندقية متطورة في ذلك الوقت، وقد جاءته البندقية هدية من السائحة الفرنسية التي أهتمت بتعليمه، وقد تزوج عدة نساء بعد رحيل (وضحى) هن: ( صيته، وطفا، الجازي) ووطفا أخت وضحى، وصيتة كان يناديها ( رهيفة ) ولم يجمع نمر زوجتين في آن واحد، وقد عاشت ( وضحى ) معه عشرين عاما وانجبت منه ابنتين توفيتا قبل مجيء عقاب،وسلطان وسارة، ووضحى هي بنت فلاح القضاة من عشيرة السبيلة من بني صخر، ورزق نمر بن عدوان بعشرة أولاد هم: ( سلطان، مسلط، عقاب، فاضل، شبيب، قندي، فارس، عبدالعزيز، باكير، سليمان) وقد توفي عدد منهم قبل وفاته، ويعد الشاعر المعروف نمر بن عدوان فارس عين وفارس ذراع، أي أنه يجيد الفروسية والدقة والإصابة باستخدام البندقية.
مقتل زوجته
خرجت وضحى في يوم من الأيام لتحلب النوق، بدلاً عن زوجها نمر، ولكن الناقة التي يفضلها نمر لا تقبل غير نمر يحلبها... فقررت وضحى أن تلبس ملابس نمر وتحلب الناقة... وبالفعل لبست كل ما يلبس نمر وخرجت.. وبينما هي تحاول حلب الناقة... أحس نمر بحركة خارج البيت.. ولمح على ضوء القمر بياضها في سواد ثوبها وظن إنه رجل من الحنشل فأخذ بندقيته ووجهها نحو الصوت.. وأطلق طلقة فأرداه قتيلاً.... اقترب منه ليعرف من هو... وحينما قلبها على ظهرها.. فإذا هو بوجه زوجته وضحى، وعندها صدم نمر و قارب على الموت من شدة الصدمة... و حزن عليها حزناً شديداً كاد يقتله، وقيل انه كان يُرى وهو يبكي نهاراً وكان يسمع صوت نحيبه ليلاً.. على فراق حبيبته ورفيقة دربه. لأنه كان يحبها محبة عظيمة..وهي تستاهل..فوق جمالها كانت خير عون وسند لزوجها وكانت مثال الزوجة الصالحة والوفية.. بعد مارأوا: والباحث في تراث نمر بن عدوان الأدبي لا يجد قصيدة لم يذكر بها وضحى أو يتوجد عليها، كان شعر نمر كله في الوجد والحرمان ولم يذكر الرواة له إلاّ قصائد تعد على أصابع اليد الواحدة في غير ذلك منها قصيدة يعاتب فيها ابن عمه حمود مطلعها:
يا حمـود قل لحمـود وشجاه منـي
علـمٍ تحاكـو بـه وعنهـم نحونـي
عند العـرب يا حمود أضحك بسنـي
وبأرض الخلا يا حمود أبيح كنونـي
ويقول الرواة ان هذه القصيدة أيضاً نظمها نمر بعد وفاة (وضحى)) بعد أن أشاع عنه ابن عمه حمود أنه أصابه جنون طمعاً بالزعامة التي تخلى عنها نمر تلقاء نفسه لابن عمه حمود بعد وفاة وضحى.
البارحة يوم الخلايق نياما
ارتبطت قصيدة «البارحة يوم الخلايق نياما» والتي تغنى بها الفنان راشد الماجد بأسم نمر بن عدوان واصبحت تنسب له برغم تأكيد الرواة والمؤرخين على انها للشاعرمحمد بن مسلم والملقب بشاعر الاحساء وقد امتد هذا الارتباط الى المسلسل الذي يعرض هذه الايام عبر الـmbc والذي استخدم اغنية راشد الماجد «البارحه يوم الخلايق نياما» كمقدمة للمسلسل، غير ان الدلائل القوية تنفي علاقة نمر بن عدوان بالقصيدة ومن تلك الدلائل ان عميد مؤرخي الاردن روكس العزيزي اصدر كتابا عن حياة واشعار نمر بن عدوان ولم يذكر فيه قصيدة «البارحة» ضمن قصائد نمر رغم انه التقى من تبقى من نسل واقارب ابن عدوان.
واكد الراوية الشهير محمد الشرهان لـ«عكاظ» ان قصيدة «البارحة» تعود للشاعر محمد بن مسلم وهو على حد قول الشرهان شاعر من شعراء الأحساء الكبار عاش في القرن الثاني عشر الهجري وقال ان القصيدة لم ترد في ديوان نمر بن عدوان وعزز المؤلف والباحث محمد ابراهيم الهزاع في كتابه الذي صدر بعنوان «طلبة مهنا موسوعة شعبية للقصائد المغناة» ماذهب اليه الشرهان ونسب القصيدة للشاعر محمد بن مسلم، واشار الشاعر حسين بن فهد القحطاني ان بعض المفردات التي وردت في قصيدة «البارحة» نبعت من شاعر عاش في الحاضرة بعيدا عن حياة البادية ودلل بقوله «اخاف عليهم من السكة يضيعون» وقال ان السكة كلمة حديثة لا تتفق مع طبيعة حياة نمر وكذلك مفردة «الحبس» في قوله «واصبر كما يصبر على الحبس مسجون» واستعرض القحطاني مقطعا من القصيدة قال انه يرجح ان تكون القصيدة للشاعر ابن مسلم حيث يعكس المقطع طبيعة الاحساء المشهورة بالنخيل.
والا فونت راعبي الحماما
غدا ذكرها والقوانيص يرمون
تسمع لها بين الجرايد حطاما
من نوحها تدعى المواليف يبكون
وفاء الاصدقاء
وجد ابن عدوان نفسه ذات يوم امام صديق طفولته، الشيخ جديع بن قبــلان الملحــم وهو من شيـوخ قبيلة عنزه وأفضى له نمــر بحزنه و ألمه، ووحدته، وغربته داخل نفسه، و كان يحاول أن ينفث همومه خارج قلبه.لم يكن الشيخ جديع جاهلاً بحياة صديقة، ويدرك أنه يتمزق من الألم والحسرة لذلك طرح عليه فكرة أن يتزوج ويبدلها بأخرى تأنس وحشته و تغير عليه حياته وتهتم بصغاره ألا انه أبى بشدة وحاول الشيخ جــديع أن يقنعه ويعدل من رأيه، فعـرض عليه بنات قبيلته كلهن. فرد عليه بقصيدة طويلة تحكي معاناته، و آلمه، ويصف فيها زوجته الحبيبة. وتعد من أشهر قصائده وأكثرها انتشارا ونورد منها هذه الابيات:
يا جديع أنا قلبي من الوجد حارا
لا تلومني وتقول إن البكا عار
وسط الحشا ياجديع كن شب نارا
والموت عده طالب عندنا ثار
من دمع عيني كن غدينا سكارا
الله يجازي داير الدور غدار
وضحى شفاتي بين كل العذارى
ياشين يم عقاب ترحل عن الـدار
وعندما وصلت القصيدة للشيخ جديع، رد بقصيدة أخرى، مع هدية لنمر، والهدية هي ابنته التي غير اسمها من شما إلى وضحى على اسم فقيدة نمر، ثم عقد قرانها على نمر بن عدوان الذي بدوره قبل الهدية، واحسن تعاملها ومعاملتها، واكرمها، ، وقيل انها استطاعت ان تعيد نمر بن عدوان للحياة مرة أخرى.
«هذا بلا ابوك يا عقاب»
من الامثال التي ترددت بين العرب في البادية «هذا بلا ابوك يا عقاب» غير ان اكثر من يستخدم هذا المثل لايعلم بقصته الحقيقية والتي تعود الى ان عقاب الابن الاكبر لنمر من زوجته وضحى اعتاد في سن الخامسة من العمر ان يحضر الحدج وهي ثمرة على شكل كرة صغيرة لنبتة (الحنظل) التي تعيش في الصحراء بعد نزول المطر ويقوم بدحرجتها من تحت خصر امه وهي تتكئ على الارض فكانت ثمرة (الحدج) تمر من تحت الخصر المرتفع عن الارض ويدل ذلك على جمال الأم ورشاقتها وعندما فارقت امه الحياة وتزوج والده باخرى حاول (عقاب) ان يمارس اللعبة نفسها مع زوجة ابيه الجديدة فاكتشف ان ثمة فرقا بينها وبين امه (فالحدج) لا يمر بين خصرها والارض فذهب الى والده واخبره ببراءة الاطفال بما جرى معه فهز الأب رأسه في حسرة وراح يردد (هذا بلا ابوك يا عقاب) واصبحت مثلا يردده الناس.