جلست معهم.. مجموعة من الرجال الأفاضل.. كنّا في حفلة عرس.. وكانت المجموعة تخوض في نقاش موضوع ما فهمته.. ولذلك كنت أنا ساكت.. أتابع كلامهم.. وكل شوي أقول في نفسي هالحين يتضح الموضوع.. والحمدلله.. جت الفرصة لمّا سأل أحدهم " كم ارتفاعه ؟ ".. فتأكدت أنهم يتكلمون عن الجدار.. لأن المكان اللي نجلس فيه سقفه عالي جدا.. فقلت أنا مسرعا في الإجابة.. فرصتي حتى أدخل معهم في الكلام.. " أظن أن ارتفاعه خمسة أمتار "
فضحكوا.. فقال أحدهم وهو غارق في الضحك " تيس يصير ارتفاعه خمسة أمتار ؟ ".. ثم التفت عليهم وهو يكركر " عمركم شفتوا تيس ارتفاعه خمسة أمتار ؟ تروا كل شيء يصير ".. شعرت بالحرج.. المفروض إني ما أتليقف.. فقمت من عندهم وجلست مع جماعة أخرى من الرجال الأفاضل.. فسمعتهم يتناقشون.. جلست مستمعا.. لكن ملّيت وطفشت من السكوت.. ولأنهم يمدحونه ويثنون عليه.. فتأكدت أنهم يقصدون العريس.. ولمّا قال أحدهم " أذانه طويلة وناعمة.. تصدقون إنها نازلة إلى هنا...".. و وضع يده على صدره.. تحت الثدي.. فقلت أنا " أعوذ بالله.. الله يعين زوجته.. شلون زوجوه ؟.. هاذا يخرّع ويخوّف.. هاذا سلوقي...".. قال أحدهم لي وهو كامش الوجه " وش عرّفك إنت بالتيوس.. طويلة أذانه من طيب أصله.. مشتريه كريّم بستين ألف.. ريال ينطح ريال... ".. فاكتشفت إني وقعت في اللقافة من جديد فقمت من عندهم وأنا محرج.. وجلست عند مجموعة أخرى من الرجال الأفاضل.. ومع أني ما أصبر عن الكلام إلا أني هالمرّة.. الحمد لله.. سكت حتى سمعت أحدهم يتكلم مادحا ذيله.. فقمت من عندهم.. قلت أروح أجلس عند الحريم.. على الأقل أستمتع وأكـحّـل عيني برقصهن.. طبعا راح خيالي.. فجلست عند مجموعة من الحريم الفاضلات.. فسمعت واحدة منهن تقول " رخيص بسبعين ألف.. ( قلت في نفسي يمكن تتكلّم عن سيارة جمس.. يمكن هي مدرّسة في قرية...).. شعره حرير وناعم.. ودايما رافع ذنبه ويهزه يمين وشمال... ".. فتأكدت أنهن يتكلمن عن تيس.. لأن الجمس ماله شعر ولا ذنب.. مع إن الواحد ما يجب أن يستبعد إنه يطلع جمس له شعر وذنب.. ويمكن قرون.. في وقتنا كل شيء يصير.. رحت للبيت وقلت أنام أحسن لي.. فحلمت إنه جاني تيس.. له رأس أكبر من الجمس.. وقرون.. وحشرني.. يقول لي " وش فيك ؟ مستهتر بالتيوس ؟ مين إنت حتى تستهتر بنا ؟... ".. وجلس يناطحني حتى كسّر ضلوعي.. وأسناني.. كانت ليلة عصيبة.. الله لا يعيدها.. قمت وأنا أرطش.. أسبح في فراشي.. الحمد لله إني كنت لحالي.. قلت في نفسي يمكن إن هالحلم عقوبة..
في اليوم التالي رحت لأصدقائي وجلسنا.. فكانوا يتكلمون عنه.. حسب ظني.. يمدحونه ويقولون إنه أعجوبة الأعاجيب.. ولمّا اتفقوا أن نروح نشوفه.. لأنه يستاهل.. وذكروا صديقنا حميدان.. قلت.. الحمد لله.. الآن أنا متأكد أنهم يتكلمون عن والده.. لأنه شايب كبير وموسوعة وكريم.. وأنا من زمان ودّي أشوفه.. رحت معهم وأنا فرحان.. قلت لنفسي.. فرصة.. رحنا لحميدان.. وحميدان يعيش خارج المدينة.. بيته في مزرعته.. وصلنا.. رحّب بنا وأدخلنا في المجلس وبدأ يقهوينا.. وبدأوا يتحدثون عنه.. طال جلوسنا.. فأخذنا حميدان خارج البيت.. نتمشى على الأشجار ونقطف من التين والعنب والرمّان.. وأنا ملاصق له.. فقلت له " أنا والله من زمان أسمع عنه.. والناس يمدحونه.. تصدق إني ودّي أشوفه من زمان.. بصراحة ودّي أسافر به إلى فرنسا ونجلس أنا وإياه شهر في باريس حتى أتعرّف عليه أكثر... ".. فجلس يضحك ويكركر " الله يقطع بليسك يا بو هايس... ما تترك سوالفك... ".. قلت " نقدر نشوفه هالحين ونجلس معه.. لو ساعة أو ساعتين ؟ ".. قال " والله يا بو هايس ما يجلس.. من ثلاثة أيام أوأربعة.. كل يوم جاي واحد يأخذه لأغنامه.. لو جيتنا الأسبوع الماضي كان لقيته حتى لو تبي تنام عنده.. ".. قلت " أجل صار الوالد بيطري.. هاذي معلومة جديدة... ".. قال " أي والد ؟.. الوالد الله يرحمه.. من أربع سنوات.. أنا أقصد الحلو.. تيسي... الناس سمّوه الحلو..... ".... لمّا سمعت كلمة التيس.. تذكرت حلمي أمس.. فقلت " وين الحمّام يالغالي... ".. ورحت أركض.. كان يصف لي مكان الحمّام وأنا أركض..
صرت آلف الموضوع.. موضوع التيس.. وأدخل فيه خطوة.. خطوة.. وصرت أستمتع وأتلذذ بالسماع والكلام فيه.. صار موضوع التيس مثل قطرة العرق لمّا تنزل مع ظهري.. من فوق إلى أسفل.. صارت متعته ولذته..
ولأن موضوع التيس أصبح موضوعي الرئيسي.. وصار كلامنا عن التيوس.. صار عندي خبرة ممتازة بأمور التيوس.. وصرت أتعرف بخبراء التيوس..
في أحد الأيام سمعنا.. أنا وخبراء التيوس والمهتمون.. أن في دولة عربية تيسا عظيما.. وأن أوصافه لا تخطر في الخيال.. فتناقشنا حول إحضاره عندنا.. لو زيارة.. لمّا سمعنا أنه يعتبر من أهم الثروات الوطنية في ذاك البلد.. صديقنا دحدوح.. لأنه شاطر في البزنس.. قرر أن يسافر ويحضره.. فقط زيارة.. ودعناه.. طبعا واجه صعوبات كثيرة هناك.. لكنه دفع مبلغا كبيرا من المال تأمين.. سمعت فيما بعد أنه أربع مئة ألف.. وإذا أعاد التيس يرجع له نصف المبلغ.. حصل له على تأشيرة دخول زيارة لشهرين.. وكان دحدوح قد وافق على جميع شروط وزارة الكنوز الوطنية في ذاك البلد.. منها أن يركبه أفخم سيارة.. ويكون لها فتحة كبيرة.. وفيها تكييف خاص.. فأركبوا التيس.. وقبل أن يدخل حدودنا كلّمنا دحدوح يذكر أنه قادم ومعه التيس.. فاستبشرنا خيرا.. وطلبنا منه أن لا يتوقف عند أي أحد.. وأن لا يترك التيس يختلط بأي أغنام.. حتى إذا وصل إلينا يكون في قمّة نشاطه.. وحتى لا يتأثر تأثرا سلبيا ويكوّن فكرة سيئة عن أغنامنا.. وصل دحدوح والتيس.. وكنّا في استقبالهما.. استأجرنا قصر أفراح لشهرين.. وكان دحدوح طلب منّا أن نكون في القصر وأن نلبس بشوتنا.. لأن التيوس أكثر من يفهم بالذوق والأناقة والاتيكيت.. نزل التيس ودحدوح من السيارة.. وكنّا أعددنا الصالة ومكان جلوس التيس.. وهو عبارة عن فراش وثير.. من القطن.. لكن أوّل قطفة.. كان أخبرنا ونهانا دحدوح عن الكلام.. وعن أن نسلّم عليه.. وعن لمسه.. كنّا نحن أصحاب الماعز واقفين في صفين.. والتيس يمشي بيننا.. وخلفه دحدوح.. أكثر من مرّة كان التيس يكاد يروح يمين أو شمال مخالفا طريقه.. إلا أن دحدوح بنباهته وفطنته وأدبه يسرع وهو خجل ويؤشر بيده إلى الطريق اللي يجب أن يمشي معها التيس.. وصل إلى مكانه.. وقف فوق الفراش.. ثم ربض.. وقفنا نحن أصحاب الماعز أمامه وعلينا حلّتنا وبشوتنا طبعا.. صفّا واحدا.. وحسب التعليمات والتوجيهات والارشادات اللي أخبرنا بها دحدوح وبغمزة من عينه بدأنا نرقص للتيس.. نحييه.. وكانت رقصتنا.. أن نجلس على ركبنا ونرفع أيدينا ونهز أكتافنا.. ثم نقف ونرجع خطوتين ونحن نهز أكتافنا.. ثم نعود إلى الجلوس ثم نقف ونعطيه ظهورنا ونهز مؤخراتنا.. ثم نرجع خطوة واحدة.. ثم نعطيه وجوهنا.. ونرجع خطوتين.. وبغمزة عين من دحدوح توقفنا وجلسنا على ركبنا.. فوقف التيس.. التفت يمينا وشمالا.. ثم تقدّم نحونا.. ثم وقف و وضع براطمه الجميلة عند رأسي وقال : مبههاههها.. مبهها ههها.. طبعا لأنه تيس رقيق ما يقول مباااااااعع.. ما يعرف نطق العين.. و وقوفه عندي أنه خطب ماعزي أنا.. فيكون عرسه في أوّل ليلة على معزاي أو ماعزي.. وهاذا من التوفيق.. إذن بكرة سيكون العرس.. لأنه الليلة سيرتاح من وعثاء السفر...
شهرين وحنّا نرقص أمامه.. في عرس مهيب.. كنا ندفع لدحدوح لكل عنز ألف ريال.. طبعا في الساعة.. طبعا ما أكشف سرّا إذا قلت إن كل واحد جاب كوافير خاص لعنزه...
هناك تفاصيل كثيرة تركتها مع أنها هامة... مثلا كيف زعل وغضب سعود لأن التيس ما عمل أي حاجة مع معزاه.. وكيف تخانق مع دحدوح لأن دحدوح برر ذلك " وجيه معزاك مثل وجهك.. كيف تبيه يعمل معها شيء ؟ "... المهم عسى الله يوفق بسلالة طيّبة.. ويجعل الخلف خير من السلف...