تجاوبا مع تداعيات ارتفاع أسعار الأرز واستجابة لمقترحات وزير التجارة بالتخلي عن تناول الأرز والبحث عن بدائل له كإحدى سبل مكافحة ارتفاع سعر الارز، بدأ الناس يخوضون في البحث عما يمكن أن يكون بديلا مناسبا يحل محل الأرز عندما يحين وقت اخراج زكاة الفطر التي بات وقت حلولها قاب قوسين أو أدنى.
فكان من ضمن المقترحات إخراج الزكاة من التمر، فالتمر منتج محلي لا يتأثر بسعر اليورو أو غيره، وفي الوقت نفسه فإن محصول التمر في حاجة الى من يسوقه، وفي إخراج الزكاة من التمر تسويق له ينفع اصحاب المزارع.
هذا (السيناريو) بكامله يصب في مصلحة المعطي ولاينال المعطى له أية مصلحة منه. أنا شخصيا لا أجد في نفسي ميلا إلى اخراج زكاة الفطر من التمر بدلا عن الأرز، فكلنا نعرف انه في هذا العصر لم يعد التمر يمثل وجبة رئيسية في طعام الناس اليومي، ولو سمعنا أن هناك من يعتمد في وجبته الرئيسية على التمر لا يجد غيره لرحمناه وعددنا ذلك من فرط الفقر والفاقة. وإذا كان الأمر كذلك، اليس من كمال الفضل ألا تخرج زكاة الفطر تمرا وأن يستمر الناس في إخراجها أرزا كما تعودوا من قبل ارتفاع السعر؟ إن في ذلك إمدادا للمحرومين من الأرز خلال العام، بوجبة سارة في يوم العيد تعطي لعيدهم نكهة ومذاقا خاصا، وتؤكد لهم المعاني الجميلة التي يكتنزها مفهوم زكاة الفطر.
في تصوري، إن إخراج الزكاة أرزا في وقت غلاء الأرز وتعذر حصول الفقير عليه أولى من أي وقت آخر، فليس الفضل أن نعطي ما فضل عن حاجتنا، أو ما لا نقبل نحن عليه، أو ما يمكن للفقير الحصول عليه بسهولة، إن الفضل هو أن نعطي ما يعجز الفقير عنه ويسره الحصول عليه ويفرحه نيله مما لا يتوفر كثيرا أو دائما.
إن هذا هو البر الأمثل، أن نعطي مما نحب ونرغب وليس مما نستغني عنه (لن تنالوا البر حتى تنفقوا مما تحبون).
إن الله سبحانه يصف عباده الأبرار الذين يستحقون رحمته والتنعم بجنته، أنهم اولئك الذين يقدمون الطعام للجياع من البؤساء في وقت قلة وجود الطعام وعز نيله (ويطعمون الطعام على حبه مسكينا ويتيما وأسيرا). فأحيانا قد يتوفر المال ولا يتوفر الطعام وذلك في أوقات الجفاف والقحط أو في الأزمات السياسية ووقت الحروب والحصار وما شابه ذلك من ظروف تحل أحيانا بالمجتمع فتكون سببا في الشح في الطعام، فيضحي آنذاك إطعام الطعام للمحتاجين فضيلة عظمى، وربما لهذا السبب رأى بعض الفقهاء عدم جواز اخراج زكاة الفطر مالا، انما لابد فيها أن تكون من قوت أهل البلد. ذاك أنه عندما يعز الطعام في البلد ويضحى الحصول عليه حلما بعيد المنال لا يجدي توفر المال ويصير اطعام الطعام وقت ندرته هو أعلى درجات الفضل والاحسان. فلا تحرموا الفقراء يوم العيد من التمتع بوجبة من الأرز قد يكونون حرموا منها طويلا.

فاكس: 4555382