كم هو مذهل ومخيب للآمال في القرن الواحد والعشرين الذي اشتعلت آفاقه بثورة المعلومات وسيادة العلم واختزلت الخريطة الكونية فاصبح العالم عباره عن قريه وتلاشت الابعاد والمسافات (فلم يعد مؤذن مالطا بعيدا بل لم تعد سنغافورة بعيدة التي كانت مضرب الامثال يتندر بها البعض كناية عن بعدها). في غمرة كل هذا يطل علينا المرشح الجمهوري الامريكي  توم تنكر  بمنكر القول وأفحشه في همجية شرسة دونها همجية الغاب وفي غطرسة حمقاء خرقاء وكأنه الحاكم بأمره أوكأنما هو فرعون القرن وابرهة الايام في جهالة وغرور  وكأن الكون ملك يمينه وكأن التاريخ القريب لم يصعقه بواقع المردود المأساوي الذي أحاق بالولايات المتحده ولطخ سمعتها في الوحل وأغرى بها سفهاء القوم وضعفاء خلق الله كل ذلك يأتي محصلة وردة فعل للسياسة الفاشلة للحزب الجمهوري الذي جر على الشعب الامريكي الثبور وعظائم الامور (ومن فمك ادينك) وقد ارتفع من جوار الكعبة المقدسة بيت الله العتيق صوتا عاقلا وان كان العقلاء في هذه الايام لامكان لأكثرهم في ظل تفشي الجهالة وشيوع اللا معقول ارتفع  صوت الشيخ عبدالمحسن الشيخ رئيس المجلس البلدي بالعاصمة المقدسة  (كما جاء في جريدة الوطن السعودية) في نبرة هادئة جديرة بمن يمثل انسان بيت الله الحرام شاجباً عنجهية السناتور وعنفوانه الأرعن آخذاً عليه عدم وعيه التاريخي وأنه لم يستقرئ التاريخ ورئيس المجلس البلدي يحسن الظن كثيراً وكان يرى الناس بعين طبعه.
فرق بين مشرق ومغرب أبرهة العصر:
لقد ازبد وارعد من يعانقه حلم الزعامة للبيت الابيض واعاد للذاكرة جنون ابرهة الحبشي ولم يستوعب الدرس من ذلك الحكيم وشيخ الحكمة ذلك العربي الكبير عبدالمطلب الذي ذهب إلى ابرهة يناشده في أن يخلي سبيل ابله فكان ان تضاءل في نظر ذلك الحبشي ودعسته الدهشة كثيرا اذ كان يخاله ينكب عليه ليطلب منه عدم المساس بالبيت فكان الجواب الصاعقة «الابل لي وللبيت رب يحميه».
وكانت الطامة الكبرى تلك الطير الابابيل التي سحقت ابرهة ومن معه ولم يعر حركة الفيل الذي انكفأ إلى الخلف تعظيما وتقديسا لمكانة البيت ويأتي السناتور الجمهوري ليعيد للاذهان تلك الهجمة الشرسة غارقا في أوهامه.
والسؤال الذي يفرض نفسه في الحاح بالغ ويملك من الوجاهة ما يكفيه: ترى ما هو ذنب البيت الحرام ومسجد حبيب الله ورسوله واهله وناسه بل ما ذنب المسلمين أن يستهين بقبلتهم وبأعز مقدساتهم في عنجهية عمياء تجعل الحليم في حيرة من أمره.
والتفسير الذي يتبادر إلى الذهن في عفوية وتلبية مباشرة هو أن المرشح الجمهوري يمارس ذلك استجداء لمشاعر الصهاينة وترويجا لبرنامجه وهو بذلك قد دق من حيث يدري أو لايدري اسفينا في نعش آماله وأنها أحلام العصافير.
ومايؤلم ويدمي الفؤاد أن يجري كل ذلك تحت سمع وبصر رئيس الحزب وأعضائه دون أن يهز ذلك شعرة  فيهم حتى الإعلام الحر والنزيه لم يحرك ساكناً ويعكس بادرة واعية نقبلها إشارة ترقى في موازين الإنسانية إلى الدرجة التي تجعل إنسان الاسلام لايفقد الامل سيادة المعاني الكريمة التي تستمد من الديانات الاسلامية أرقى معانيها في فهم وفكر يصدر عن خلفية سامية. وهذا السقوط المريع لفكر ورأي المرشح الجمهوري الذي يعمم فيه ويساوي بين إنسان هذه الديار وبين الإرهابيين إنما هو سفه وطيش وإشارة كافية على ضحالة فكره وفقر مبادئه وأبشر بطول سلامة يامربع.. وحسبي الله ونعم الوكيل.
فاكس 6609569 - ali@alrabghigroup.net