من طرائف ما قرأته في صفحة جريدة البلاد التي تعيد نشر مواد صحفية قديمة عمرها نحو نصف قرن، رسالة من مواطن من سكان حي الشامية القريب من المسجد الحرام يطلب فيه من عمدة الشامية آنذاك، التدخل لمنع جاره من إيقاف حماره في طريق المارة لأن ذلك الحمار رفس خادمة المواطن الشاكي أثناء خروجها من منزله لشراء بعض الاحتياجات، الأمر الذي أدى إلى إصابة الخادمة برضوض شديدة أدت إلى تأخرها عن العودة إلى المنزل الذي تعمل به، مما جعل «عمتها» ربة المنزل تقلق عليها أشد القلق وتطلب من بعلها الخروج للسؤال عنها حيث وجد الخادمة تئن من الرفسة ولا تقوى على الحراك، فكانت الرسالة الطريفة- الجادة في آن واحد!
وقد توقفت ملياً عند رسالة المواطن لأنها تصور وضعاً اجتماعياً كان عليه المجتمع المكي قبل نحو نصف قرن فوجدت في ما نشر عدة فوائد منها:
أولاً: الدور الأمني والإصلاحي والاجتماعي الخطير الذي كان يُمثله العمدة في الحي الذي يتولى العمودية فيه، حتى أن السكان يلجأون إليه للنظر فيما شجر بينهم من خلاف ولردع ومنع المتجاوز قبل أن يلجأوا إلى الشرطة والإمارة والمحاكم. وهم لم يفعلوا ذلك إلا لأنهم يعتقدون أن العمدة قادر بحكم موقعه الاجتماعي على ذلك الأمر، وأنه سوف يُسوّي المسائل العالقة بينهم بحكمة وبعد نظر وأن الجميع سوف يقولون له: اللي تشوفوا يا عمدة! فهل العيب الآن في العمدة أم في المجتمع؟!
ثانياً: إن الاستعانة بالخادمات عادة أسرية مكية قديمة، وليست مولودة حديثاً مع الطفرة، ولكن المؤكد هو أن خادمات المنازل لم يكنّ ممن يُستقدمن للعمل في المنازل من الخارج عن طريق مكاتب استقدام وإنما من المقيمات في مكة المكرمة وفي مقدمتهن الافريقيات اللاتي لم يكنّ في تلك الأيام ينبشن في القمائم وإنما تدور الواحدة منهن تحت البيوت عارضة خدماتها منادية بصوت رخيم: «نَا تشيلو قمامة.. نَا.. تكنّسوا بيتو.. نَا تغسلو ماعوني»، و«نَا» تخفيف لضمير المتكلم «أنا» والباقي حسب اللكنة.. ولم يكن لهؤلاء الخادمات مشاكل تُذكر، بل إن بعضهن يتم اختيارهن من قبل ربات البيوت للعمل المستمر في المنازل حتى تصبح الواحدة منهن أكثر فصاحة من ربة المنزل، وتُمسي واحدة من العائلة ويتربى على يديها الصغار وينادونها: يا دادا ويحترمونها إذا كبروا ويحزنون لفراقها لأنها صارت أماً ثانية لهم!
ثالثاً: إذا كان عمدة زمان قد دُعي إلى التدخل لمنع حمار رفّاس تابع لمواطن، من الوقوف في طريق المارة حتى لا يضرهم برفساته فمن يكفي سكان الأحياء في زمننا هذا من «بهائم» صناعية بعضهم لا يأمن المارة رفسات ودهسات سيارته المسرعة أو يزعجهم بالضغط على منبه سيارته ليل نهار أو يفحط فيقتل ويُدمر أو يوقف سيارته ليسد الطريق أو يحجز سيارة غيره أو يُعرقل دخول سيارات الخدمة والإسعاف أو يتجمع مع غيره على قارعة الطريق للغمز واللمز والمناداة بعبارة: يا هو راعونا!؟
وهل يستحي أمثال هؤلاء من العمدة لو نصحهم أم سيقولون له باستهتار: اقلب وجهك يا عمدة؟!
وقد توقفت ملياً عند رسالة المواطن لأنها تصور وضعاً اجتماعياً كان عليه المجتمع المكي قبل نحو نصف قرن فوجدت في ما نشر عدة فوائد منها:
أولاً: الدور الأمني والإصلاحي والاجتماعي الخطير الذي كان يُمثله العمدة في الحي الذي يتولى العمودية فيه، حتى أن السكان يلجأون إليه للنظر فيما شجر بينهم من خلاف ولردع ومنع المتجاوز قبل أن يلجأوا إلى الشرطة والإمارة والمحاكم. وهم لم يفعلوا ذلك إلا لأنهم يعتقدون أن العمدة قادر بحكم موقعه الاجتماعي على ذلك الأمر، وأنه سوف يُسوّي المسائل العالقة بينهم بحكمة وبعد نظر وأن الجميع سوف يقولون له: اللي تشوفوا يا عمدة! فهل العيب الآن في العمدة أم في المجتمع؟!
ثانياً: إن الاستعانة بالخادمات عادة أسرية مكية قديمة، وليست مولودة حديثاً مع الطفرة، ولكن المؤكد هو أن خادمات المنازل لم يكنّ ممن يُستقدمن للعمل في المنازل من الخارج عن طريق مكاتب استقدام وإنما من المقيمات في مكة المكرمة وفي مقدمتهن الافريقيات اللاتي لم يكنّ في تلك الأيام ينبشن في القمائم وإنما تدور الواحدة منهن تحت البيوت عارضة خدماتها منادية بصوت رخيم: «نَا تشيلو قمامة.. نَا.. تكنّسوا بيتو.. نَا تغسلو ماعوني»، و«نَا» تخفيف لضمير المتكلم «أنا» والباقي حسب اللكنة.. ولم يكن لهؤلاء الخادمات مشاكل تُذكر، بل إن بعضهن يتم اختيارهن من قبل ربات البيوت للعمل المستمر في المنازل حتى تصبح الواحدة منهن أكثر فصاحة من ربة المنزل، وتُمسي واحدة من العائلة ويتربى على يديها الصغار وينادونها: يا دادا ويحترمونها إذا كبروا ويحزنون لفراقها لأنها صارت أماً ثانية لهم!
ثالثاً: إذا كان عمدة زمان قد دُعي إلى التدخل لمنع حمار رفّاس تابع لمواطن، من الوقوف في طريق المارة حتى لا يضرهم برفساته فمن يكفي سكان الأحياء في زمننا هذا من «بهائم» صناعية بعضهم لا يأمن المارة رفسات ودهسات سيارته المسرعة أو يزعجهم بالضغط على منبه سيارته ليل نهار أو يفحط فيقتل ويُدمر أو يوقف سيارته ليسد الطريق أو يحجز سيارة غيره أو يُعرقل دخول سيارات الخدمة والإسعاف أو يتجمع مع غيره على قارعة الطريق للغمز واللمز والمناداة بعبارة: يا هو راعونا!؟
وهل يستحي أمثال هؤلاء من العمدة لو نصحهم أم سيقولون له باستهتار: اقلب وجهك يا عمدة؟!