لم تكن بلدية جدة تعترف بحدائق الأحياء! فلقد كانت الواجهة الشمالية لبـيـتـنـا القديم بحي «الكندرة» مرتـعا لمعظم «حمير» البلد! كان «العربجية» يصحبون حميرهم وهي تجر خلفها براميل يعبئونها من صهريج المياه «البازان» الموجود امام بيتنا ثم يبيعونها لمن يدفع «الريالين» ثمن البرميل. وفي العصر كان «البازان» يتحوّل الى مديـنة «ملاهي» لأولاد الحارة بزعامة أخي أسامة الذي اعتاد حمل «العصا» من حـيـنـه!
كان ذاك البيت واسعا و«شرحا» وبه حديقة صغيرة داخلية يذكرني جوّها بمسلسل «أبواب الحارة» الذي واظبت عليه العام الماضي. ولكن «المليح لا يكمل»! فلقد أعاب بيتنا ذاك مطـبـخـه الذي ضاعف من ضيقه.. وضع طاولة صغيرة كنّـا نفطر عليها صباحا تحت اشراف الوالد يرحمه الله. كانت فترة الصّباح عصيبة بالفعل، فلا يكاد يمر أحدنا بجانب الطاولة حتى «يهز» كرسي الآخر أو «يقلب» عليه (بدون عمد طبعا!) شيئاً من «بكرج الحليب».. لتنفجر بيننا حرب أهلية لولا تدخّل الوالد يرحمه الله رحمة واسعة آمين.
ومما كان يزيدني تأزما «كفتيرة الماء» التي لا يقف صفيرها حتى يأتي أحد الكبار فيريحها ويريحنا من تعاستها! عندما كنت أسأل عن سبب ازعاج الكفتيرة.. يقال لي.. الضغط هو السبب.. لأنّ الضغط يولّد الانفجار! تعلّمت الدرس من «الأبلة كـفـتـيرة» وحفظت تلك العبارة لسنين.. حتى حضرتني مرة أخرى خلال هذا الصيف! فلقد أذهلتنا وسائل الاعلام الغربية خلال هذا الصيف بخبر غريب مفاده أنّ مجموعة من الاطبّاء الذين يعملون في بريطانيا ضبطوا وهم يخططون لعمل ارهابي لقتل عشرات الأبرياء. تـتبّـــعــت الخبر بعد ذلك، فشاهدت مقابلة تلفزيونية مع والد أحد المتهمين يفصّل فيها تفوق ابنه خلال سنوات تعليمه حتى وهبته مؤسسات بريطانية منحاً دراسية لإكمال تعليمه هناك. فتساءلت في نفسي.. أمن المـعـقول أن يقـبل أطـبـّـاء محترفون يخرجون من عباءة المجتمعات الغربية بالتفكير بمثل ذلك! وتـذكّرت كوكـبة الاطـبـاء السعوديين الذين كنت التقي بهم دوما خلال دراستي في كندا. كيف كان أولئك الأطباء يضربون المثل في بذل الجهد والعناء خلال متابعتهم برامج امتيازهم في المراكز الطبية الكندية. أيمكن لأطبّاء تشرّبوا معاني الرّحمة الانسانية أن يفتكوا برعيتهم المستأمنين عليها؟
عندها تذكّرت درس «الأبلة كفـتـيرة»! وهي أنّ الضغط يولّد الانفجار! فـهؤلاء الأطـبـاء الذين برعوا في مهنهم حتى قبلتهم المؤسسات الطبية البريطانية.. كانوا يعانون من ضغـوط هـائلة! ولا أقصد الضغوط المهنية.. فهم دُرّبوا على ذالك واعتادوه! ولـكن الذي أقـصده هو الضـغـوط الانسانية الأخرى التي تنـشأ من مجريات الأحداث التي تترادف على مواطنيهم في بلادهم الأصلية أوعلى مسلمين آخرين بمختلف بلادهم! فأصابهم مسّ من الشيطان أغرقهم في ما سقطوا فيه، بلا مبرر ولا عذر. وفي حين أنّه من المؤكـد أن الضـغوط التي يتعرّض لهـا الانسان لاتبرر اعتداءه على الآخرين، الاّ أنّ تراكم هذه الضغوط خصوصا على الشباب يشير بضرورة تطوير وسائل جديدة لاستيعاب تلك الضغوط.. تماما مثل أجهزة «امتصاص الصدمات» (shock absorbers) التي تركب بالسيارات لامتصاص «المطبّات».
ولـهذا فانـي اقترح أن تدرس الرئاسة العامة لرعاية الشّباب فكرة انشاء مخيّمات شبابية ليست صيفية فحسب ولكن كذلك على مدار السنة. فشبابنا يحتاج كثيرا الى اشغالهم في أنشطة ترفع من لياقتهم البدنية وثقافتهم اللامنهجية. واذا كان لا بد من الاستشهاد بدول الغرب – كما نفعل دائما - فلندرس مخيمات «الأحذية العسكرية» boot camps التي انتشرت هناك لتقويم بعض اعوجاج الشباب. وهناك نماذج أخرى قد نستفيد منها! وعلى كل حال فالحكمة ضالّة المؤمن.. أنّى وجدها أخذ بها.
Samirabid@Yahoo.com
كان ذاك البيت واسعا و«شرحا» وبه حديقة صغيرة داخلية يذكرني جوّها بمسلسل «أبواب الحارة» الذي واظبت عليه العام الماضي. ولكن «المليح لا يكمل»! فلقد أعاب بيتنا ذاك مطـبـخـه الذي ضاعف من ضيقه.. وضع طاولة صغيرة كنّـا نفطر عليها صباحا تحت اشراف الوالد يرحمه الله. كانت فترة الصّباح عصيبة بالفعل، فلا يكاد يمر أحدنا بجانب الطاولة حتى «يهز» كرسي الآخر أو «يقلب» عليه (بدون عمد طبعا!) شيئاً من «بكرج الحليب».. لتنفجر بيننا حرب أهلية لولا تدخّل الوالد يرحمه الله رحمة واسعة آمين.
ومما كان يزيدني تأزما «كفتيرة الماء» التي لا يقف صفيرها حتى يأتي أحد الكبار فيريحها ويريحنا من تعاستها! عندما كنت أسأل عن سبب ازعاج الكفتيرة.. يقال لي.. الضغط هو السبب.. لأنّ الضغط يولّد الانفجار! تعلّمت الدرس من «الأبلة كـفـتـيرة» وحفظت تلك العبارة لسنين.. حتى حضرتني مرة أخرى خلال هذا الصيف! فلقد أذهلتنا وسائل الاعلام الغربية خلال هذا الصيف بخبر غريب مفاده أنّ مجموعة من الاطبّاء الذين يعملون في بريطانيا ضبطوا وهم يخططون لعمل ارهابي لقتل عشرات الأبرياء. تـتبّـــعــت الخبر بعد ذلك، فشاهدت مقابلة تلفزيونية مع والد أحد المتهمين يفصّل فيها تفوق ابنه خلال سنوات تعليمه حتى وهبته مؤسسات بريطانية منحاً دراسية لإكمال تعليمه هناك. فتساءلت في نفسي.. أمن المـعـقول أن يقـبل أطـبـّـاء محترفون يخرجون من عباءة المجتمعات الغربية بالتفكير بمثل ذلك! وتـذكّرت كوكـبة الاطـبـاء السعوديين الذين كنت التقي بهم دوما خلال دراستي في كندا. كيف كان أولئك الأطباء يضربون المثل في بذل الجهد والعناء خلال متابعتهم برامج امتيازهم في المراكز الطبية الكندية. أيمكن لأطبّاء تشرّبوا معاني الرّحمة الانسانية أن يفتكوا برعيتهم المستأمنين عليها؟
عندها تذكّرت درس «الأبلة كفـتـيرة»! وهي أنّ الضغط يولّد الانفجار! فـهؤلاء الأطـبـاء الذين برعوا في مهنهم حتى قبلتهم المؤسسات الطبية البريطانية.. كانوا يعانون من ضغـوط هـائلة! ولا أقصد الضغوط المهنية.. فهم دُرّبوا على ذالك واعتادوه! ولـكن الذي أقـصده هو الضـغـوط الانسانية الأخرى التي تنـشأ من مجريات الأحداث التي تترادف على مواطنيهم في بلادهم الأصلية أوعلى مسلمين آخرين بمختلف بلادهم! فأصابهم مسّ من الشيطان أغرقهم في ما سقطوا فيه، بلا مبرر ولا عذر. وفي حين أنّه من المؤكـد أن الضـغوط التي يتعرّض لهـا الانسان لاتبرر اعتداءه على الآخرين، الاّ أنّ تراكم هذه الضغوط خصوصا على الشباب يشير بضرورة تطوير وسائل جديدة لاستيعاب تلك الضغوط.. تماما مثل أجهزة «امتصاص الصدمات» (shock absorbers) التي تركب بالسيارات لامتصاص «المطبّات».
ولـهذا فانـي اقترح أن تدرس الرئاسة العامة لرعاية الشّباب فكرة انشاء مخيّمات شبابية ليست صيفية فحسب ولكن كذلك على مدار السنة. فشبابنا يحتاج كثيرا الى اشغالهم في أنشطة ترفع من لياقتهم البدنية وثقافتهم اللامنهجية. واذا كان لا بد من الاستشهاد بدول الغرب – كما نفعل دائما - فلندرس مخيمات «الأحذية العسكرية» boot camps التي انتشرت هناك لتقويم بعض اعوجاج الشباب. وهناك نماذج أخرى قد نستفيد منها! وعلى كل حال فالحكمة ضالّة المؤمن.. أنّى وجدها أخذ بها.
Samirabid@Yahoo.com