ظهرت على السطح مجددا في مصر بعض أفكار أصحاب الفكر الضال ممن يسمون أنفسهم بالقرآنيين ، الذين ينكرون السنة القولية . وقد تعالى صوت ظاهرة ما يسمون أنفسهم بالقرآنيين في الفترة الأخيرة وكأن الأمة الإسلامية بحاجة إلى أصوات معادية من الداخل بعد أن كثرت الحملات العدائية ضد الإسلام من الخارج ، وهي الحملات التي ترميه بصفات هو منها براء ، مثل علاقة الإسلام بالعنف والإرهاب تحقيقا لمآرب اقتصادية وسياسية . ولكن والعالم الإسلامي يذود بكل ما أوتي من قوة لدحض الافتراءات عن الدين الإسلام الحنيف وثقافته القائمة على الوسطية والتسامح ، فهو يواجه في الداخل بأخطار اشد وطأة تتمثل في بعض مسلمي الداخل الذين ينقضون علي الإسلام ويشوهون الكثير من المفاهيم الراسخة في عقيدة المسلمين ، ومن أبرز هذه الفئات المنسوبة للإسلام فئة ممن يطلق عليهم " القرآنيون " الذين ينكرون السنة النبوية المطهرة تحت ذرائع لا يقبلها عقل ولا منطق ديني لأنهم ينكرون ما هو معلوم من الدين بالضرورة . هؤلاء القرآنيون ادعوا ان القرآن كاف، ولا حاجة للسنة ونسوا أنهم بهذا خالفوا القرآن الكريم نفسه لأنه يقول: «وما أتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا» ..
هذه الكارثة قد دفعت العلماء والمفكرين ورجال الأزهر الشريف الى مهاجمتهم والتصدي لانحرافاتهم الدينية حماية للمجتمع من الفتنة .
حركة القرآنيين
تأسست حركة "القرآنيين” في مصر في الثمانينات من القرن الماضي
على مجموعة أبرزهم د. أحمد صبحي منصور الأستاذ بالأزهر والدكتور محمد المشتهري، ود. إسماعيل منصور، ولكن المشتهري وإسماعيل منصور تواريا في الظل، بينما ظل الدكتور أحمد صبحي منصور متوليا قيادة الجماعة ولكنه لجأ الى الولايات المتحدة الأمريكية
، تاركاً بعض أفراد أسرته في القاهرة. وهؤلاء القرآنيون يبررون رفضهم للسنة النبوية بأن أحاديث النبي محمد صلى الله عليه وسلم قد تعرضت للتشويه عبر تناقلها شفاهاً عبر الأجيال ، وأنه لم يتم تدوينها إلا في القرن الثالث الهجري، أي بعد أكثر من مائتي سنة على وفاة الرسول.
وقد تعرضت هذه الجماعة لسلسلة من الملاحقات والاعتقالات ، بدءا من عام 1987، مما دفع مؤسسها يفر إلى الولايات المتحدة الأمريكية .
وهناك قام الدكتور صبحي منصور بتأسيس مركز القرآنيين العالمي،
فيما قامت الحكومة المصرية بحملة جديدة في ملاحقة "القرآنيين”، حيث ألقت قوات الأمن، أوائل شهر يونيو الماضي ، القبض على ثلاثة من جماعة القرآنيين ، ووجهت نيابة أمن الدولة العليا إليهم تهمة ازدراء الدين الإسلامي وقررت حبس خمسة من الأعضاء المتهمين بازدراء الدين الإسلامي ، كما وجهت إليهم تهمة ترويج أفكار متطرفة، من شأنها إثارة الفتنة والقلاقل، وذلك لإنكارهم السنة النبوية الشريفة وقيامهم بالترويج لهذه الأفكار في الأوساط الاجتماعية وسعيهم لإقناع الآخرين بها.
وظل ملفهم مفتوحا حتي قضت المحكمة بمعاقبة المتهمين بالسجن ثلاث سنوات مع الشغل والنفاذ. كما قضت بمعاقبة باقي المتهمين بالحبس سنه مع إيقاف التنفيذ لكل منهم . وكان المتهمون قد اعترفوا بترويجهم لفكر متطرف منحرف ينكر السنة النبوية والإسراء والمعراج وشفاعة النبي محمد صلى الله عليه وسلم يوم القيامة، ويدعي الاكتفاء الإيمان بالقرآن كما ادّعوا بأن الكعبة وثنية وأنكروا جبل عرفات واعترضوا على التوجه شطر الكعبة في الصلاة وادّعوا أن شهر الصيام هو شعبان وليس رمضان.
حجج القرآنيين
يستند القرآنيون على عدد من المقولات يبرهنون بها على رفضهم للسنة النبوية ، فهم أولا يهاجمون المشايخ ويصفونهم بالمرتزقة لأنهم يتاجرون حسب زعمهم بالأحاديث الموضوعة ظلما للنبي ، وثانيا يستنكرون وصفهم بالقرآنيين مؤكدا انه لا يوجد مسلم غير قرآني ، ويوضحون أن النبي صلى الله عليه وسلم نفسه كان يتبع القرآن و كان قرآنا يمشي على الأرض ، صلى الله عليه وسلم قد أرسل لتبليغ القرآن.
فهم حسب قولهم يؤمنون بالسنة العملية وليست القولية ، مثل التي دعا الرسول إلى اتباعها في العبادات كما في الوضوء والصلاة والحج
وينكرون السنة القولية خاصة ما لا توافق منها كتاب الله تعالى حسبما يقولون مثل أحاديث المنسوبة كمرويات عن رسول الله من مثل إرضاع الكبير .
ومن رموز هؤلاء القرآنيين عبد الفتاح عساكر الذي يقول إن السنة النبوية هي التطبيق العملي لكتاب الله قولاً وفعلاً وإقراراً، ومنكرها منكر القرآن الكريم، لكن القرآنيين ضد كل ما يخالف كتاب الله، حتى لو كان منسوباً خطأ إلى سنة الرسول – صلى الله عليه وسلم – ومن ذلك أحاديث للبخاري ومسلم، تتضمن ما يناقض القرآن الكريم مثل حديث إرضاع الكبير.
موقف الأزهر
الدكتور محمد سيد طنطاوي شيخ الازهر يصف كل من ينادي بالإعتماد على القرآن الكريم فقط وإغفال السنة النبوية بالجاهل الذي لا يفقه الدين ولا يعرف أركانه وثوابته موضحا أن السنة النبوية الشريفة الثابتة عن النبي صلى الله عليه وسلم هي أيضاً من عند الله تعالى بمعناها أما ألفاظها فبإلهام من الله عز وجل لنبيه.
ويشير شيخ الازهر في هذا السياق الى انه من الخصائص التي منحها الله عز وجل لنبيه صلى الله عليه وسلم أن أعطاه جوامع الكلم وبالتالي فلا تجاهل يمكن السنة النبوية. مطالباً جميع المؤسسات والمنظمات الدينية على مستوى العالم الإسلامي بالتعاون لدفع الاخطار الداخلية التي يتعرض لها الدين الاسلامي على أيدي القرآنيين .
أما الدكتور محمود زقزوق وزير الأوقاف المصري فيعتبر كل من يقول بالاعتماد على القرآن الكريم فقط دون السنة مكابر لا يعرف أي شيء في الدين ، بل ويراه مناقضا قول الرسول صلى الله عليه وسلم (صلوا كما رأيتموني أصلي) وقوله أيضاً (خذوا مناسككم عني) .
من جانبه يستنكر المفكر الإسلامي جمال البنا، موقف القرآنيين من إنكار السنة ، لكنه يتلمس لهم العذر في موقفهم مفسرا ذلك بوجود أحاديث رويت عن الرسول صلى الله عليه وسلم ، كاملة وتامة السلامة والموضوعية والكمال والصحة ولكنها كما يقول ضعيفة ، في المقابل توجد الكثير من الأحاديث المتداولة غير صحيحة بالمرة وهو مما يعطي القرآنيين عذراً لموقفهم، لافتا الى أن السنة النبوية قد وضعت فيها
أحاديث ضعيفة، وان هذه الأحاديث الضعيفة من أهم أسباب الحال التي وصلت إليها الأمة الإسلامية، ولكن هذا لا يعني إنكار السنة
النقيض بإنكار السنة..
السنة كتشريع
وعن مكانة السنة النبوية في التشريع انطلاقا من مكانتها في القرآن الكريم يقول د. محمد داود عميد معهد معلمي القرآن بالقاهرة
مكانة السنة النبوية من التشريع وأدلة حجيتها القرآن الكريم قد حفظ للسنة النبوية مكانتها بين محكم آياته التي تؤكد بما لا يدع مجالا للشك في ان السنة النبوية هي وحي من الله تعالى ومنه قوله عز وجل :
في سورة النجم ( وما ينطق عن الهوى، إن هو إلا وحي يوحى ) فهذا نص قاطع الدلالة على أن الرسول صلى الله عليه وسلم لا يأتي بشيء من عنده، وأن كل ما ينطق به في مجال التشريع إنما هو وحيٌ من عند الله تعالى ، ومنها أيضا قوله تعالى في سورة الأعراف " الذين يتبعون الرسول النبي الأمي الذي يجدونه مكتوباً عندهم في التوراة والإنجيل، يأمرهم بالمعروف وينهاهم عن المنكر ويحل لهم الطيبات ويحرم عليهم الخبائث ويضع عنهم إصرهم والأغلال التي كانت عليهم
فالآية أسندت الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وإحلال الحلال، وتحريم الحرام إليه- صلى الله عليه وسلم - مباشرة دون أن تقيد ذلك بكونه قرآناً أو سنة، في شمولية لما يحله ويحرمه الرسول الكريم
وينتقل الدكتور محمد داود ـ لبيان ، آيات الذكر الحكيم التي تأمر بطاعة رسول الله صلى الله عليه وسلم بل وتوجب طاعته صلى الله عليه وسلم فيما ينهى ويأمر كحد فاصل بين الإيمان والكفر، ومنها قوله تعالى في سورة النساء (وما أرسلنا من رسول إلا ليطاع بإذن الله ) . وقوله تعالي في سورة محمد : (يـا أيها الذين آمـنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول ولا تبطلوا أعمالكم )
بل ان هناك آيات تربط بين طاعة الله وطاعة الرسول ومنه قوله تعالى ( قل أطيعوا الله والرسول، فإن تولـوا فإن الله لا يحـب الكافرين)
وهذه لآية الكريمة توضح بما لا يدع مجالا للشك ان من يدع سنة نبيه ولا يطعه صلى الله عليه وسلم يعد من الكافرين.
ويخلص د. محمد داود الي ضرورة اتباع النبي وطاعته والاحتكام إليه، وتحكيمه في كل ما يعرض في أمور حياتنا وصولا الى الرضا بما يحكم به، والإذعان والتسليم له صلى الله عليه وسلم خاصة وأن الله جعل من هذا الاحتكام للنبي والرضا من علامات الإيمان، وذلك عبر قوله عز وجل في محكم كتابه ( فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم ثم لا يجدوا في أنفسهم حرجاً مما قضيت ويسلموا)
الجذور التاريخية
الدكتور محمود محمد مزروعة أستاذ العقيدة بالأزهر يكشف في كتابه الموسوم ( شبهات القرآنيين حول السنة النبوية ) إن تاريخ منكري
سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم يكاد يقرن بتاريخ منكري رسالته – صلى الله عليه وسلم فالكفر بسنته صلى الله عليه وسلم هو قرين الكفر برسالته - فهما أمران متقاربان زماناً متساوقان منزلة، ويكادان يكونان متماثلين حكماً، ، فإنكار سنة رسول الله وجحدها كفر، كما أن إنكار رسالته كفر .. ولم يخل زمان من منكري رسالة رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فكذلك لم يخل زمان من منكري سنته صلى الله عليه وسلم مع زعمهم بأنهم مسلمون مؤمنون برسالته، وهذا مثار للعجب، إذ كيف يكونون مؤمنين برسالته صلى الله عليه وسلم ثم ينكرون سنته، ويرفضون إتباعه، ويصرون على عدم الأخذ عنه، والاحتكام إليه، والتسليم له ويقبلون على مخالفته في كل ما قال وفعل وأقر.
ويقول د. مزروعة في كتابه.... لقد بدأت مسيرة إنكار السنة والشغب عليها على هيئة فردية في حالات نادرة لا اعتبار بها. وكان ذلك في حياة رسول الله صلى الله عليه وسلم ، أما إنكار السنة على هيئة مؤثرة ، فكان ذلك على أيدي طوائف لها ذكرها في التاريخ ؛ فقد بدأت على أيدي الخوارج والشيعة، ثم انضم إليهم طوائف من المتكلمين وبخاصة من المعتزلة الذين انتسب إليهم كثير من الزنادقة والفاسقين عن الملة،
ويتابع د. مزروعة ملف القرآنيين تاريخيا موضحا ان مسيرة الضلال ظلت هذه تنتقل عبر التاريخ بطوائفها المختلفة وعلى مستوى الأمة المسلمة شرقاً وغرباً، حتى كانت نهاية القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين، حيث نبتت نابتة سوء بين المسلمين في بلاد الهند، بنشأة ما سمي بطائفة " القرآنيون " تلك الطائفة التي زعمت الاعتماد على القرآن وحده، وطرح السنة النبوية المطهرة، وأخذت تدعو إلى نحلتها بهمة ونشاط تحت رعاية الاستعمار الإنجليزي، ثم انتقلت من الهند إلى باكستان - بعد التقسيم - تحت مسمى " البرويزيين " .
وبداية هذه الكارثة انطلقت عندما خضعت شبه القارة الهندية للاحتلال الانجليزي فخضعت له الطوائف من الهندوس والبوذيين والجينيين. أما المسلمون الذين كانوا يمثلون قلة في الهند فلم يستسلموا لهم ، وسبب المسلمون قلقاً وإزعاجاً بل يمثلون خطورة على سلطة الانجليز ، وقاموا بالثورات العديدة التي كان أشهرها ثورة مايو من عام سبعة وخمسين وثمانمائة وألف للميلاد.