رجعت من شغلي مساء.. مع المغرب.. تعبان وجيعان.. لأني صحيت اليوم الساعة أربع صباحا وما قدرت أنام.. وشغلي يبدأ الساعة الحادية عشرة وينتهي الخامسة.. يعني تعبان وجيعان.. دخلت البيت فقالت لي أم هايس «ودّي أروح للخيّاط.. تودّيني...».. فقلت وأنا بصعوبة أرفع جفوني وأفتح عيوني« بعدين.. والله ميّت.. جوع وتعب.. ما أفطرت ولا تغدّيت.. ما عقب عشاي أمس».. قالت «بعد ما ترتاح يا عمري.. أروح أجيب لك غداك».. جلست آكل وأنا مغمض.. أسمع الأصوات تأتي متكسّرة.. ودخلت في غفوة.. دخلت في غفوة وأنا أفكّر بأم هايس.. أفكّر بالإنسانة لمّا تكون مستطيعة بغيرها.. لمّا هي لا تقدر تروح لوحدها.. قالت لي قبل ما أغفو «تأخرت على ثوبي.. خالص من يومين.. لازم اليوم أجيبه.. حتى أشوف يمكن فيه أخطاء.. ما عندي وقت.. الوقت ضيّق»...
رأيت في غفوتي.. سبحان الله.. أمرا غريبا.. رأيت حياتنا الجديدة.. النساء في مكان الرجال.. والرجال في مكان النساء.. رأيت أني نمت ولمّا صحيت لقيت الأمور متشقلبة وحياتنا معكوسة.. فسألت أم هايس..كانت لابسة ثوبي وشماغ وعقال وبيدها مفاتيح السيارة «وش السالفة يا أم هايس ؟ وش اللي جاري ؟ أنا في حلم وإلا في علم ؟».. قالت «لا.. إنت في علم.. ما إنت في حلم.. الله يسلّمك اتفقنا.. كلّنا.. جميع النسا.. أن نجرّب حياة الرجال.. والرجال يجربون حياتنا.. طبعا غصب عليكم... تعبنا يا روحي من تمنّنكم علينا.. وترجّينا لكم... لا إنتم اللي تخدموننا على كيفنا ولا إنتم تتركوننا حنّا نقضي أمورنا على كيفنا..تحسبوننا نلعب.. وش ظنّكم ؟.. تظنّون إننا ما نفهم.. لا يا حبيبي...».. قلت «شلون ؟.. طيّب كلّ النسا كذا ؟ وكلّ الرجال هالحين جالسين في بيوتهم ؟...».. قالت «ايه».. قلت«طيّب.. شلون نشتغل ؟.. مين يبيع ؟ مين.. مين.. مين.. ومعاليهم ؟».. قالت «حنّا نعمل كل شيء.. وش تظن.. تظن إننا ما نقدر.. يا حليلك.. وبعدين لا تقول بعد اليوم معاليهم.. قل معاليهن.. كل رجّال تمسك شغله زوجته...».. خرجت أم هايس وهي تصفّر وتغنّي.. فجلست أفكّر.. بعد قليل اتصلت فيني «نسيت أقول لك يا بو هايس ترني اليوم عازمة صديقاتي على العشاء.. ضبّط لنا العشاء.. شف الآن وش اللي ناقص واكتبه في ورقة واتصل فيني حتى أجيبه معي.. ورتّب المجلس...».. بعد قليل اتصلت بي «خلّك جاهز أمرّ عليك وآخذك نروح نشتري المقاضي والحاجات مع بعض.. أحسن.. نصف ساعة وأنا عندك.. خلّيك جاهز.. تراني ما أحب الانتظار.. حتى لا أكسّر لك رأسك...».. قلت «السمع والطاعة يا عزوتي».. كتبت كل الحاجات في ورقة.. وجت أم هايس.. كنت لبست عباتي ونقابي.. والقفّازات السود.. كنت جاهز.. طلعنا.. عند باب العمارة قابلت أبو بندر.. مثلي.. لابس العباة والنقاب والقفّازات السود يمشي خلف أم بندر.. يمكن رايحين مثلنا للسوق.. يمكن عندهم عزيمة.. سلّمت عليه وقلت له «يا زين مشيك يا بو بندر بالكعب العالي».. أخبرته إن أم هايس عندها عزيمة الليلة ورايحين نتبضّع.. ما قصّر عرض عليّ «تبي أساعدك ؟ أعمل لك طبخة وأرسلها لك... تراني ما عندي شغل الليلة.. حتى أم بندر عندها مؤتمر..».. شكرته.. ومشيت.. رحنا.. أم هايس تسوق.. وتخانق بعد.. ما ودّها تودّيني.. عملت العشاء.. خوش عشا..
بعد ثلاثة أيام لازم أروح لزواج واحد قريبي.. بعد حبّ خشوم وبكاء وعويل أخذتني أم هايس للخياط أجيب ثوبي.. اتصل فيني أبو زياد.. أيضا هو مدعو للزواج.. قال لي «تمرّوني إذا رحتوا للزواج.. أم زياد مشغولة.. ما تقدر...».. قلت له «أم هايس مشغولة.. معزومة.. لكن أبو رايد يقول إن أم رايد فاضية.. ما عندها شغل.. يمرّونني ونمرّك.. خلّك جاهز...».. جبت الثوب.. ورحت للكوافير.. أضبّط الشوارب.. قلت للكوافير «أبغاك تصبغ شواربي موش.. وتفتلها...».. قابلت أبو زياد كمان يصلّح شواربه.. ويصبحها أخضر فاتح.. مثل لون عدساته.. وأبو فهد كان لقيته هناك.. عند الكوافير يسرّح لحيته.. سولفنا واستانسنا عند الكوافير.. ورجعت للبيت.. أم هايس كانت مستعجلة.. وإلا كنت ودّي أحطّ في شواربي مشابك للزينة.. ما يضبطها إلا هالكوافير..
تجهزنا للزواج.. جاء أبو رايد وأم رايد.. وركبنا.. أنا وأبو زياد ومعنا عيالنا.. وقفنا أمام باب العوائل عند قصر الأفراح.. قالت أم رايد لأبو رايد وحنّا ننزل من السيارة «إذا ناديت عليكم بسرعة تجون.. تروني ما أحب الانتظار...».. قال أبو رايد «ان شالله».. دخلنا.. بدا الغناء والرقص.. استانسنا.. راح الوقت وحنّا ما درينا.. كثير من الحاضرين كانوا معجبين بشوارب أبو زياد.. يسألونه عن الكوافير اللي ضبّط له شواربه.. خاصة إنها متناسقة مع خشمه.. نادت علينا الحارسة.. عائلة أم رايد.. وعائلة أم هايس.. وعائلة أم زياد.. الرجاء الخروج.. نادوا علينا وأنا أرقص.. سحبني أبو رايد وأنا أرقص.. كان خايف من أم رايد.. يقول «حتى لا تبلشنا أم رايد.. تصدّع روسنا...».. طلعت وأنا ما ودّي.. خذينا عيالنا ودخلنا في السيارة.. كنا ساكتين.. صامتين.. ما نسولف ولا نحكي.. مستحين وخايفين من أم رايد.. كانت معصّبة.. تقول إننا تأخرنا عليها..
في أحد الأيام وأنا في السوق.. في دكان أشتري.. التفت علي شخص.. ما يظهر منه شيء.. كلّه أسود.. وقال «أبو هايس ؟».. قلت «ايه».. قال «أنا عرفتك من صوتك.. شلونك ؟» قلت «إنت سعادة العميد ؟.. أنا مشبّه على صوتك».. قال «لا.. أنا سعادة العقيد هههههه.. حلوه».. من الغرابيل صار ينكّت.. لأني أعرفه ما كان ينكّت قبل هالوحسة.. شفت أبو عبدالله يمشي لابس عباته ومتنقّب.. عرفته لأنه مميز.. طويل جدا.. وسبحان الله طوله في ظهره.. ورجليه قصيرة.. جيت عنده «أبو عبدالله ؟.. شلونك يا عزوتي ؟».. قال «هلا أبو هايس.. نغمة صوتك أعرفها بين الملايين.. لوني يا بن الحلال.. زفت.. تعرفني أنا أحب القنص و هالحين صارت أم عبدالله هي اللي تقنص.. وأنا جالس بس أطبخ وأنفخ أتصل بك بعدين.. أم عبدالله ما تحب أكلّم أحد أو أسولف مع أحد.. بكرى إذا راحت للشغل أكلّمك... باي».. فتحت عيوني واستيقظت على كلمة «باي».. فرفعت يدي ألمس رأسي.. فالحمد لله وجدت عقالي.. فناديت أم هايس.. قلت لها «وين ودّك يا بعد روحي تروحين ومتى ودّك.. أودّيك لو تبين للصين.. أنا تريني من شوي لمّا قلت إني تعبان وجيعان كنت أمزح..»...

afahead@hotmail.com