شمخت شاذلية بأنفها وسلطت نظراتها المليئة بالعتب نحو (سدة) منزلها المؤطرة بالحجارة ولكز بطرف عصاها الباب الخشبي الموثقة اطرافه بحبال قدت من جلد البقر وقالت في نبرة محملة بالشجن، سنعود ان شاء الله ولو بعد حين واردفت وهي تدير وجهها المعتق نحو حفيدها وقد التمعت في طرف عينها دمعه لم تكتمل، اطرق شاذلي ببصره نحو الارض متفاديا سهام نظراتها العاتبة وقد دفن في حنايا ضلوعه تفاصيل وجهها القبلي وتراجع مفسحا لها الطريق كي تسير امامه، وعندما استهلت في طريقها استدار نحو المنزل الخالي من الونس كي يملأ عينيه من تفاصيله الحجرية وسقفه الخشبي المجلل بالطين وانطوى على آهة جاهدا كي لا تسمعها جدته وحث سيره يتبعها منحدراً يجللهما الصمت يضع قدميه في مواقع قدميها ترسل عصاها اولا ثم تضع قدميها في المكان ذاته اليمنى ثم اليسرى تنتزع قدميها من اطراف الطريق ما ينتزع الجلد من ظاهر الجسد تقاوم جاذبية الانحدار كما يقاوم غصن جاذبية الارض ليبقى ملتصقا بالجذع الذي تفرع عنه، اريد ان اموت هنا، واردفت واذا لم يكن فأريد ان ادفن هنا، عد بي الى هنا واضافت وهي تنتصب كشاهد قبر، اذا مت فلا تدفني هناك حيث يحشر الناس في المقابر الرملية كاعواد الكبريت، لا اريد لاحد ان يتوسد معي طوبة رأسي، عد بي الى هناك وادفني الى جوار ابيك وجدك في الغار حيث الصخور من كل جانب ثم القي على فوهة الغار (زربة) من شجر الطلح، لاحاجة لاحد كي يحرسني كما يفعلون بموتاهم، اريد طلحة كي تحرسني لا اريد (احداً) يقفل علي بالمفتاح كل مساء ويدوس بقدميه اطراف قبري كل عشية، ولكن ياجدتي تعلمين ان المدينة التي سنذهب اليها.. قاطعته.. اعلم.. اعلم ستقول انها بعيدة ليكن هذه وصيتي فان شئت فافعل او لا تفعل تنهدت تعبا، ارخت جسدها النحيل على حجر امتد طول الطريق ثم وضعت يديها مضمومتين على رأس العصا واسندت ذقنها عليهما وشرعت تدندن بأهزوجة للحصاد، كنا نزين بيوتنا باغصان الشجر الاخضر كلما هل الصيف وكذا هلال لسنة جديدة واردفت وهي تضحك بمرارة، ادخلي ياخضراء واخرجي يا غبراء هكذا كنا نقول ونحن نغرس اطراف الاغصان في الشقوق الحجرية لكل منزل كيما نحظى بسنة ذات خصب وتغادرنا سنة ذات جدب، كنا نفعل كل عام، قطعت استرسالها وقالت... مستعجل انت، اتريد مني ان انهض، وأغذ السير نحو جنتك واضافت وهي تلكزه في صدره بطرف العصا تريد مني ان اسكت اليس كذلك لا عليك لا بأس سننحدر كما تنحدر سيول قريتنا نحو سهول تهامة.. انظر واشارت بالعصا نحو الافق ذلك السديم من الغبار يجلل سهول تهامة واشم رائحته من حيث انا يعقبه دائما المطر يبدأ من عندنا يهطل علينا اولا ثم تسبقه السيول نحو اوديتها العطشى حيث يعانقها في مودة وتلتهمه في نهم كنا نخرج له نشرع له هاماتنا يكسو قاماتنا ويبلل اجسادنا ويغسل ارواحنا لم نكن مثلكم نخشى البلل ولا وقعه على اجسادنا لانه قادم من حيث المزن العالية والبروق الصافية، حتى اذ توقف القطر سرنا نستنشق فوح الارض ونسمع ضحك الجبال.. ولكن ياجدتي كيف لها ان.. لم تدعه يكمل وابانت شاذلية وعيناها ما زالتا شاخصتين نحو سهول تهامة، الجبال تضحك بعد المطر انظر اليها كي تفقه ذلك عقب انقشاع السحب تراها تزهو نقية تنبعث منها اصوات خرير السيول كضحكات الصغار وزغايد الصبايا واضافت وهي تجاهد كي تستوي ممددة على امتداد الصخر الأملس ولكن ما حيلتي اذا كنت لا تفقه ما اقول، انظر تلك غيوم تتراكم سماء تهامة، ساستلقي في مكاني لن ابرحه حتى يأتي المطر وتصحبنا سيوله نحوها.
اتى المطر بلل ثياب شاذلية وغسل جسدها وانسكبت قطراته النقية من اطراف اصابعها ونبت غصن اخضر من طرف عصاها وانقشعت السحب وانصت شاذلي لضحك الجبال وتنشق فوح الارض ونهض كي يمضيا ونادها فلم ترد ولم تستيقظ شاذلية.
* قاص سعودي
اتى المطر بلل ثياب شاذلية وغسل جسدها وانسكبت قطراته النقية من اطراف اصابعها ونبت غصن اخضر من طرف عصاها وانقشعت السحب وانصت شاذلي لضحك الجبال وتنشق فوح الارض ونهض كي يمضيا ونادها فلم ترد ولم تستيقظ شاذلية.
* قاص سعودي