سعدت كثيرا بالأخبار المتداولة أخيرا عن انطلاق أحد أهم وأكبر المشاريع الحيوية والتنموية في مدينة جدة وأقصد به مشروع تطوير حي الرويس؛ المشروع الذي بدأت مرحلته التنفيذية الأولى يوم الأربعاء الماضي، يكتسب أهميته البالغة من كونه يمثل بداية التعامل الجاد مع مشكلة (جداوية) مزمنة ومتفاقمة هي الأحياء العشوائية بعد أن تكاثرت في المدينة خلال العقود الأربعة الأخيرة حتى تجاوز عددها الـ50 حيا!، وفي تقديري فإن كلا من وزارة الشؤون البلدية والقروية، وأمانة جدة، تتحملان القدر الأكبر من مسؤولية ظهور تلك العشوائيات وتكاثرها السريع، بسبب التقاعس عن التعامل المبكر مع تلك الظاهرة، وعدم توفير مخططات سكنية كافية ومهيأة بالخدمات والمرافق الضرورية التي تتناسب مع الزيادة المطردة على عدد سكان المدينة، وتستجيب للطلب المتزايد على المساكن.
ويُحسب لصاحب السمو الملكي الأمير خالد الفيصل، مستشار خادم الحرمين الشريفين أمير منطقة مكة المكرمة، اهتمامه البالغ والمشكور بهذا الملف الحيوي وذلك منذ تقلده مسؤولية إمارة المنطقة للمرة الأولى، ليستكمل رؤيته الإستراتيجية تجاه حل مشكلة العشوائيات في مدن منطقة مكة عموما، وعشوائيات جدة على وجه الخصوص، لاسيما تطوير حي الرويس العريق، وذلك فور توليه منصبه للمرة الثانية، في عهد خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان -يحفظه الله-، ومما لا شك فيه، فإن اهتمام سموه بملف العشوائيات سيؤدي لتحقيق نقلة حضارية وتنموية كبيرة في مدينة جدة، كما أنه بمثابة ضمان قوي لسرعة اتخاذ الإجراءات الجديدة، وتنفيذ الخطوات العملية اللازمة لمعالجة وتطوير الأحياء العشوائية؛ بعد عقود من الإهمال.
وبات واضحا الآن أن سبب تعثر تنفيذ هذا المشروع الحيوي خلال الأعوام الأربعة السابقة يعود في المقام الأول إلى الخلافات الناشئة بين شركة جدة للتطوير العمراني وبعض ملاك المساكن والحيازات العقارية في حي الرويس، دارت غالبيتها حول اعتراضات شريحة منهم، على تقييم قيمة ممتلكاتهم؛ بعد أن وجدوا أن التعويضات المعروضة عليهم تقل كثيرا عن توقعاتهم ولا تعكس ثمن ممتلكاتهم بشكل عادل، فضلا عن كونها لا تتماشى مع السعر السوقي لها، خصوصا بالنسبة للملّاك الذين يعتزمون شراء بيوت بديلة بثمن التعويضات، تمهيدا لانتقالهم إليها قبل بدء عملية إزالة حيهم القديم؛ كما أسهمت الفقاعة العقارية في استمرار تلك الخلافات بعد أن أدت لتضخيم أسعار الأراضي والوحدات السكنية في جدة بشكل غير مسبوق في السنوات الماضية.
وفي تقديري فإن القائمين على المشروع نجحوا باقتدار في تطوير 5 بدائل عملية من شأنها إعطاء العديد من الخيارات والمميزات للملاك، طبقا لتفاوت ظروفهم المالية وأوضاعهم الاجتماعية، يأتي ذلك بعد أن اعتقد بعض الملّاك أن المشروع قائم على خيار وحيد هو نزع ملكياتهم، وتلك الخيارات هي:
1- التطوير المباشر للمشروع عن طريق تكوين كيانات مؤسسية تشارك في التطوير، أو اختيارهم لمطورين مؤهلين.
2- استثمار قيمة العقار بالدخول كشركاء مساهمين في المشروع، وهو ما سيوفر عوائد استثمارية مستدامة للملاك.
3- الحصول على سكن بديل و(مكافئ) في منطقة منظمة، لمن يرغب في ذلك من سكان الحي.
4- استلام تعويض نقدي سريع يتم صرفه في مدة أقصاها عشرة أيام للراغبين في بيع عقاراتهم للشركة المطورة للمشروع.
5- الدمج بين الخيارات الموضحة أعلاه.
والجيد في منظومة الخيارات السابقة هي كونها موجّهة لجميع مالكي العقارات؛ سواء امتلكوا صكوكا شرعية أو أية وثائق ملكية أخرى.
والرأي الذي أطرحه اليوم يدور حول أهمية إعادة النظر في الآلية التي يتم بموجبها تقييم أسعار العقارات في مشروع تطوير الرويس، باعتبار أن التقييم (العادل) هو العامل الأكثر أهمية لإنجاح هذا المشروع وتشجيع الملاك على دعمه؛ باختيارهم لأحد البدائل المعروضة عليهم، سواء أكانوا ملّاكا فيه أو حتى في المشاريع المشابهة التي سيتم تنفيذها لتطوير العشوائيات الأخرى في باقي مدن المنطقة، خصوصا أن منطقة الرويس تعتبر من ضمن المناطق العشوائية ذات المقومات الاستثمارية التي تشجع مشاركة القطاع الخاص على تطويرها.
ويتعلق مقترحي بضرورة عدم قصر تقييم أسعار تلك المساكن أو الأراضي على السعر (التجاري) الذي وإن كان عادلا بالسعر السوقي إلا أنه لا يراعي الفرص الاستثمارية المستقبلية الواعدة، ولا الجوانب الاجتماعية واحتياجات الملاك؛ لأن الكثير من عقارات الحي هي صغيرة المساحة، وبالتالي فإن قيمتها (السوقية) الحالية ستكون ضئيلة في حالة تقييم سعر المتر المربع بالقيمة التجارية فقط، لأن تلك القيمة لن تكفي غالباً لحصول ملّاك البيوت المنزوعة الملكية على منافع (مادية) أو(عينية) جيدة ومحفّزة، ولن تضمن لهم عوائد سنوية معقولة؛ سواء في حالة مساهمتهم بقيمتها (المحدودة) كمستثمرين في المشروع، أو حتى لو رغبوا في الحصول على التعويض النقدي أو الانتقال إلى سكن بديل؛ يفي باحتياجاتهم الأسرية، لاسيما أن الكثير من تلك المنازل تضم وحدات سكنية (متعددة) يسكنها الأبناء المتزوجون لتلك الأسر، وبذلك فإن العقار الواحد الذي يتسع (قبل مشروع التطوير) لعدة أسر مستقلة، لن يكفي (بعد تنفيذ المشروع) أو الحصول على بيوت بديلة، لسكن نفس الأفراد في وحدات مستقلة لكل منهم.
وللخروج من هذه المعضلة، أعتقد أن من الأجدى والأفضل تقييم قيمة العقارات المنزوعة الملكية لصالح المشروع بناء على مؤشرين اقتصاديين مهمين هما:
1- (معدل العائد الداخلي) أو ما يعرف اختصارا بـ(IRR) أو Internal Rate of Return.
2- (صافي القيمة الحالية) المعروف بـ(NPV) أو Net Present Value.
ما تقدم يعني باختصار أنه يجب أن يتم تقييم سعر المتر المربع في المشروع، بناء على معدل عائده المستقبلي؛ أي مقدار العوائد المادية (العالية) المتوقع أن يحققها المشروع بعد اكتماله، وليس بأسعاره الآنية اليوم؛ أخذا في عين الاعتبار أن المنطقة المطورة مميزة بكل المعايير حيث تتوسط مدينة جدة، وسترتفع أسعارها بشكل ملحوظ بعد اكتمال عمليات البناء والتطوير، وهو ما أوضحته بالضرورة دراسات الجدوى الاقتصادية التي سبق إجراؤها من قبل المستثمرين والمطورين؛ تبعا لاستخدامات الأراضي وطبيعة الإنشاءات الاستثمارية التي ستقوم عليها مستقبلا.
والأكيد هو أن توفّر القناعة بأن الهدف الرئيس للمشروع هو تطوير الأحياء العشوائية، والرفع من مستوى معيشة سكانها، قد يستدعيان سرعة إعادة النظر في موضوع تقييم الأسعار على نحو يؤدي لرفع المردود الاقتصادي لتلك الأحياء، والمساعدة في دمجها مع الأحياء المنظمة في المدينة، وبالتالي تحويلها من مناطق عشوائية تتردى فيها الأوضاع الأمنية والاجتماعية والبيئية، وتتفشى فيها البطالة والمخالفات والفقر لعدم استيفائها معايير التصميم الحضري، لتصبح مستقبلا أحياء مخطّطة؛ ترفع من المستوى العمراني والاجتماعي والاقتصادي لمدينة جدة.
ختاما فإن نجاح المشروع سيشكل نموذجا يُحتذى به لتأهيل وتطوير المشاريع المشابهة القادمة في جدة وغيرها، أما فشله أو تعثره (لا قدر الله)، فقد يؤدي لتأخير أو عرقلة تطوير المناطق العشوائية الأخرى.
!!Article.extended.picture_caption!!
gbadkook@yahoo.com
للتواصل أرسل sms إلى 88548 الاتصالات ،636250 موبايلي، 738303 زين تبدأ بالرمز 135 مسافة ثم الرسالة
ويُحسب لصاحب السمو الملكي الأمير خالد الفيصل، مستشار خادم الحرمين الشريفين أمير منطقة مكة المكرمة، اهتمامه البالغ والمشكور بهذا الملف الحيوي وذلك منذ تقلده مسؤولية إمارة المنطقة للمرة الأولى، ليستكمل رؤيته الإستراتيجية تجاه حل مشكلة العشوائيات في مدن منطقة مكة عموما، وعشوائيات جدة على وجه الخصوص، لاسيما تطوير حي الرويس العريق، وذلك فور توليه منصبه للمرة الثانية، في عهد خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان -يحفظه الله-، ومما لا شك فيه، فإن اهتمام سموه بملف العشوائيات سيؤدي لتحقيق نقلة حضارية وتنموية كبيرة في مدينة جدة، كما أنه بمثابة ضمان قوي لسرعة اتخاذ الإجراءات الجديدة، وتنفيذ الخطوات العملية اللازمة لمعالجة وتطوير الأحياء العشوائية؛ بعد عقود من الإهمال.
وبات واضحا الآن أن سبب تعثر تنفيذ هذا المشروع الحيوي خلال الأعوام الأربعة السابقة يعود في المقام الأول إلى الخلافات الناشئة بين شركة جدة للتطوير العمراني وبعض ملاك المساكن والحيازات العقارية في حي الرويس، دارت غالبيتها حول اعتراضات شريحة منهم، على تقييم قيمة ممتلكاتهم؛ بعد أن وجدوا أن التعويضات المعروضة عليهم تقل كثيرا عن توقعاتهم ولا تعكس ثمن ممتلكاتهم بشكل عادل، فضلا عن كونها لا تتماشى مع السعر السوقي لها، خصوصا بالنسبة للملّاك الذين يعتزمون شراء بيوت بديلة بثمن التعويضات، تمهيدا لانتقالهم إليها قبل بدء عملية إزالة حيهم القديم؛ كما أسهمت الفقاعة العقارية في استمرار تلك الخلافات بعد أن أدت لتضخيم أسعار الأراضي والوحدات السكنية في جدة بشكل غير مسبوق في السنوات الماضية.
وفي تقديري فإن القائمين على المشروع نجحوا باقتدار في تطوير 5 بدائل عملية من شأنها إعطاء العديد من الخيارات والمميزات للملاك، طبقا لتفاوت ظروفهم المالية وأوضاعهم الاجتماعية، يأتي ذلك بعد أن اعتقد بعض الملّاك أن المشروع قائم على خيار وحيد هو نزع ملكياتهم، وتلك الخيارات هي:
1- التطوير المباشر للمشروع عن طريق تكوين كيانات مؤسسية تشارك في التطوير، أو اختيارهم لمطورين مؤهلين.
2- استثمار قيمة العقار بالدخول كشركاء مساهمين في المشروع، وهو ما سيوفر عوائد استثمارية مستدامة للملاك.
3- الحصول على سكن بديل و(مكافئ) في منطقة منظمة، لمن يرغب في ذلك من سكان الحي.
4- استلام تعويض نقدي سريع يتم صرفه في مدة أقصاها عشرة أيام للراغبين في بيع عقاراتهم للشركة المطورة للمشروع.
5- الدمج بين الخيارات الموضحة أعلاه.
والجيد في منظومة الخيارات السابقة هي كونها موجّهة لجميع مالكي العقارات؛ سواء امتلكوا صكوكا شرعية أو أية وثائق ملكية أخرى.
والرأي الذي أطرحه اليوم يدور حول أهمية إعادة النظر في الآلية التي يتم بموجبها تقييم أسعار العقارات في مشروع تطوير الرويس، باعتبار أن التقييم (العادل) هو العامل الأكثر أهمية لإنجاح هذا المشروع وتشجيع الملاك على دعمه؛ باختيارهم لأحد البدائل المعروضة عليهم، سواء أكانوا ملّاكا فيه أو حتى في المشاريع المشابهة التي سيتم تنفيذها لتطوير العشوائيات الأخرى في باقي مدن المنطقة، خصوصا أن منطقة الرويس تعتبر من ضمن المناطق العشوائية ذات المقومات الاستثمارية التي تشجع مشاركة القطاع الخاص على تطويرها.
ويتعلق مقترحي بضرورة عدم قصر تقييم أسعار تلك المساكن أو الأراضي على السعر (التجاري) الذي وإن كان عادلا بالسعر السوقي إلا أنه لا يراعي الفرص الاستثمارية المستقبلية الواعدة، ولا الجوانب الاجتماعية واحتياجات الملاك؛ لأن الكثير من عقارات الحي هي صغيرة المساحة، وبالتالي فإن قيمتها (السوقية) الحالية ستكون ضئيلة في حالة تقييم سعر المتر المربع بالقيمة التجارية فقط، لأن تلك القيمة لن تكفي غالباً لحصول ملّاك البيوت المنزوعة الملكية على منافع (مادية) أو(عينية) جيدة ومحفّزة، ولن تضمن لهم عوائد سنوية معقولة؛ سواء في حالة مساهمتهم بقيمتها (المحدودة) كمستثمرين في المشروع، أو حتى لو رغبوا في الحصول على التعويض النقدي أو الانتقال إلى سكن بديل؛ يفي باحتياجاتهم الأسرية، لاسيما أن الكثير من تلك المنازل تضم وحدات سكنية (متعددة) يسكنها الأبناء المتزوجون لتلك الأسر، وبذلك فإن العقار الواحد الذي يتسع (قبل مشروع التطوير) لعدة أسر مستقلة، لن يكفي (بعد تنفيذ المشروع) أو الحصول على بيوت بديلة، لسكن نفس الأفراد في وحدات مستقلة لكل منهم.
وللخروج من هذه المعضلة، أعتقد أن من الأجدى والأفضل تقييم قيمة العقارات المنزوعة الملكية لصالح المشروع بناء على مؤشرين اقتصاديين مهمين هما:
1- (معدل العائد الداخلي) أو ما يعرف اختصارا بـ(IRR) أو Internal Rate of Return.
2- (صافي القيمة الحالية) المعروف بـ(NPV) أو Net Present Value.
ما تقدم يعني باختصار أنه يجب أن يتم تقييم سعر المتر المربع في المشروع، بناء على معدل عائده المستقبلي؛ أي مقدار العوائد المادية (العالية) المتوقع أن يحققها المشروع بعد اكتماله، وليس بأسعاره الآنية اليوم؛ أخذا في عين الاعتبار أن المنطقة المطورة مميزة بكل المعايير حيث تتوسط مدينة جدة، وسترتفع أسعارها بشكل ملحوظ بعد اكتمال عمليات البناء والتطوير، وهو ما أوضحته بالضرورة دراسات الجدوى الاقتصادية التي سبق إجراؤها من قبل المستثمرين والمطورين؛ تبعا لاستخدامات الأراضي وطبيعة الإنشاءات الاستثمارية التي ستقوم عليها مستقبلا.
والأكيد هو أن توفّر القناعة بأن الهدف الرئيس للمشروع هو تطوير الأحياء العشوائية، والرفع من مستوى معيشة سكانها، قد يستدعيان سرعة إعادة النظر في موضوع تقييم الأسعار على نحو يؤدي لرفع المردود الاقتصادي لتلك الأحياء، والمساعدة في دمجها مع الأحياء المنظمة في المدينة، وبالتالي تحويلها من مناطق عشوائية تتردى فيها الأوضاع الأمنية والاجتماعية والبيئية، وتتفشى فيها البطالة والمخالفات والفقر لعدم استيفائها معايير التصميم الحضري، لتصبح مستقبلا أحياء مخطّطة؛ ترفع من المستوى العمراني والاجتماعي والاقتصادي لمدينة جدة.
ختاما فإن نجاح المشروع سيشكل نموذجا يُحتذى به لتأهيل وتطوير المشاريع المشابهة القادمة في جدة وغيرها، أما فشله أو تعثره (لا قدر الله)، فقد يؤدي لتأخير أو عرقلة تطوير المناطق العشوائية الأخرى.
!!Article.extended.picture_caption!!
gbadkook@yahoo.com
للتواصل أرسل sms إلى 88548 الاتصالات ،636250 موبايلي، 738303 زين تبدأ بالرمز 135 مسافة ثم الرسالة