لا تكاد الأم المسكينة تنهي يوما حافلا بالواجبات المدرسية مع الأبناء، إلا وتهبط عليها الطلبات المدرسية الأخرى، كالبحوث وغيرها، كالعاصفة الثلجية التي يسمونها «الأفالانش» والتي تطمر الإنسان فلا يستطيع الحراك.
فما فائدة تكليف الطالب مثلا ببحث أو بروجكت يعرف المعلم أنه لن يستطيع عمله وحده معتمدا على نفسه فقط؟ ماذا سيتعلم الطالب من ذلك؟ إلا التهرب من المسؤولية وإلقائها على الغير واستباحة الغش كأسلوب حياة وتقديم مجهود الغير باسمه؟
كان يا مكان في قديم الزمان، أيام طفولتي، شخص مهم وركن أساسي في الكادر التعليمي يسمى «الخطاط». فكانت المعلمات تطلبن باستمرار لوحات ينفذها الخطاط، وحتى معلمة الخط كانت ترسلنا للخطاط! وأؤكد لكم بأن الخطاط كان من الشخصيات المهمة وتجارته مزدهرة. رفض والدي ذات يوم مبدأ الخطاط مؤكدا بأن الهدف هو أن أتعلم أنا، ونفذت العمل كأفضل ما أستطيع ولكنه كان بسيطا طفوليا مقارنة بمن أخذوه للخطاط، وكان مصيري أن أعاقب بالوقوف منذ الحصة الأولى للرابعة لأني «باستهزئ بالمعلمة» التي صرخت: «هذه لوحة فنية؟»
وأما قصصي مع معلمات الخياطة فهذه ملحمة تحتاج «لهوميروس» ليرويها. فقد كن يطلبن منا تنفيذ غرز يستحيل لطفلة عملها، وأبشركم بأنني في حياتي وعمري وتاريخي لم أفلح في عمل قطعة كروشية واحدة وكانت والدتي المسكينة تسهر آخر الليل لتنفيذها، وكانت للغرز أسماء عجيبة مثل غرزة البطانية وغرزة رجل الغراب وربما حتى غرزة عين الضفدع لا أذكر! كل ما أذكره بأنني لم أعمل واحدة منها بحياتي! وكانت المعلمة تمدح إنتاجاتي رغم وضوح عملية الغش والتدليس، فأمي مطرزة ماهرة. وحينما طلبت منا المعلمة عمل فستان لطفلة اتبعت الجميع واتجهت لأقرب خياط. ولكنني اليوم أندم بأننا لم نتعلم مبادئ الخياطة كإحدى «مهارات الحياة» وربما لو كانت الطلبات واقعية مثلا: أن نبدأ بخياطة زر، ثم عمل ثنية لفستان، ثم استخدام ماكينة الخياطة لعمل خط مستقيم ربما لكنا تعلمنا، ولكن أن نطلب من الطالبات قراءة الباترون فجأة وعمل فستان لمولودة فكيف ذلك؟
وأما دروس الرسم والطبخ فكنت أعشقهما، ومع ذلك فاليوم الذي طلبت منا معلمة الطبخ أن ننظف الروبيان من قشوره وأرجله فقد وقفت ببسالة رافضة العرض، فصرخت المعلمة: «هتنظفي الجمبري ياروح طانط!» ونظفت روح طانط الجمبري.
وفي نهاية العام كان الاختبار بالقرعة وكان حظي جيدا أن كان من نصيبي كيك البرتقال وهو خفيف ظريف جميل الرائحة. وأما صديقتي التي كان من نصيبها المأكولات البحرية المقلية فقد أتت للمدرسة تحمل طبقا ضخما مليئا بأجمل المأكولات البحرية، ومغلفا باسم مطعم مشهور، تناولته المعلمات والطالبات بشهية، وبين التغميس بالمايونيز وعصر الليمون والمضغ والبلع والمديح، لم ينبس أحد ببنت شفة عن مصدر الطبق الواضح، فكما تعلمون الأمور بخواتيمها!