-A +A
عيسى الحليان
لم يعد الطرح في مجال الزراعة طرحاً عاطفياً أو مناطقياً، وإنما أخذ وضعه كقطاع اقتصادي عام، ليتم تناوله بعيدا عن تلك الحساسية المفرطة بعد أن نضجت التجارب وتقاربت الخطوط بما يشكل حتمية وطنية للتوازن بين المحافظة على المياه والحاجة إلى الزراعة، هذا ما لمسته لأول مرة في منتدى الأمير عبدالرحمن السديري للدراسات السعودية، فرغم أن المنتدى يقام في منطقة زراعية تقليدية إلا أنه خلا تماماً من الطروحات العاطفية أو المداخلات المناطقية أو المصالح الشخصية، وهذا تحول جذري في مزاج كل من أنصار الزراعة والمياه لم أعهده من قبل.

الدكتور عبدالرحمن الشبيلي، في ثنايا كلمة المنتدى التي قدم بها طبعته الأخيرة التي أقيمت بالجوف، والتي كانت قطعة أدبية بمحتوى علمي رفيع، استعرض تاريخ هذا القطاع والمطبات التي مر بها، ذاكرا أن الملك عبدالعزيز كان أول من استعان بالخبرات الجيولوجية الأجنبية للبحث عن المياه عندما دعا «تشالرز كرين» و«تويتشل» عام 1931 ليناقش معهما تطوير مصادر المياه في البلاد.


المنتدى وفق تماماً في اختيار رؤساء الجلسات وأصحاب الأوراق العلمية، ولذلك فقد بدا الطرح علمياً والنقاش موضوعياً بعيداً عن لغة العواطف أو المصالح القطاعية أو المناطقية الضيقة بين أبناء الوطن الواحد، وذلك عندما تقاربت المسافات بين المواقف بشكل لم أعهده من قبل.

ولأهمية مثل هذه الأوراق التي عادة ما تطرح في المنتدى، فإني أقترح على أمانة المنتدى طبعها لتكون ضمن إصدارات المنتدى، وذلك لما تتضمنه من بيانات ومعلومات يمكن أن توضع بين أيدي المهتمين والباحثين كما هو الحال في منتدى الرياض الاقتصادي وغيره من المنتديات.

سمة هذا المنتدى أنه لا يحرص على الصخب الإعلامي واختيار الأسماء الرنانة في الافتتاحيات التي يمكن أن تخطف له مزيداً من الأضواء التي للأسف هي واحدة من أهم أبرز أهداف المنتديات والملتقيات العامة على وجه العموم، وبالتالي أصبح النضج والبساطة والبعد عن الشكليات هي للأمانة واحدة من أبرز ملامح هذا المنتدى، وربما كان للقامات الثقافية المعروفة التي تمثل العمود الفقري لمجلس إدارة هذا المنتدى دور في تشكيل هذه الهوية وضبط إيقاعه بهذه الصورة.